أخبار رئيسيةأخبار وتقاريرعرب ودولي

تجويع السوريين في رمضان: ملايين المواطنين في مرمى الغلاء سوء التغذية

“والله العظيم ما معنا ثمن خبز… وأولادي يشتهون اللحم والفواكه منذ أشهر”… هكذا اختصرت نعيمة. م (43 سنة) مشهد التجويع الذي يلف السوريين منذ أكثر من عقد من الزمن، مضيفة من حي الأنصاري بمدينة حلب شمالي سورية، أن ثمن كيلو اللحم أعلى من راتب زوجي التقاعدي، و”لولا أولاد الحلال والمساعدات لمتنا من الجوع بمعنى الكلمة”.

وتابعت خلال حديث صحفي معها: طفلي الصغير (7 سنوات) يعاني من قصر القامة ونحول شديد واصفرار البشرة بسبب سوء التغذية.

وفي نفس السياق، أكدت مفيدة. ش من حي دمر بالعاصمة دمشق أن سوء التغذية والتفقير أصابا ابنتها الصغرى بأمراض جلدية مزمنة، كاشفة أن الأطباء بمشفى الأطفال بحي المزة بدمشق قالوا لها إن ابنتها “بحاجة غذاء” بعد إصابتها بالتهابات وتقشر بشرة حول الشفاه وانتفاخ البطن.

وتشير السيدة السورية إلى أن ارتفاع الأسعار، خاصة خلال العام الأخير، زاد من أمراض الأطفال، وحتى الكبار، بسبب عدم القدرة الشرائية على تناول الحد الأدنى من الغذاء “الداعم للنمو والمناعة”، إذ تكتفي معظم الأسر بالخبز والبقوليات ووجبة واحدة معظم الأيام.

تضاعف الأسعار والمرض
تكشف مصادر من العاصمة السورية دمشق تراجع حركة الأسواق خلال الأيام الأخيرة، بعد الإقبال الجيد بداية شهر رمضان جراء التحويلات الخارجية التي وصلت للسوريين.

وتشير المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، إلى أن الأسعار ارتفعت، بالحد الأدنى، 100% عن شهر رمضان الماضي، فسعر كيلو اللحم تعدى 250 ألف ليرة والبندورة 8 آلاف والبطاطا 9 آلاف والأرز 17 ألف ليرة، وأسعار الألبسة والحلويات بارتفاع مستمر كلما اقترب العيد.
من جهته، يقول رئيس جمعية حماية المستهلك بدمشق، عبد العزيز المعقالي، إن الإقبال على شراء المواد الاستهلاكية بالمجمل ضعيف بسبب ارتفاع الأسعار، مضيفاً خلال تصريحات صحافية أن العادات الشرائية للمواطنين تغيرت خلال رمضان الحالي، وأن المواطنين استغنوا عن العديد من الأصناف التي كانت تعتبر من الأساسيات في المائدة الرمضانية سابقاً.

ويضيف المعقالي أن الحكومة شريكة في الغلاء، بعد قرارات زيادة أسعار المحروقات والكهرباء، فضلاً على أن الرقابة التموينية على الأسواق ضعيفة وهناك فوضى في التسعير، مطالباً بضرورة تشديد الرقابة على الأسواق والعقوبة بحق كل من يحاول التلاعب بالأسعار.

يتهم اقتصاديون حكومة الأسد بزيادة مستنقع الفقر عبر سحب الدعم وغلاء أسعار المحروقات، رغم أن موازنة 2024 تخصص 6.2 تريليونات ليرة للدعم الاجتماعي (536 مليون دولار)، من بينها تريليونا ليرة (173 مليون دولار) لدعم المشتقات النفطية.

ورغم ارتفاع الأسعار المستمر وعجز السوريين عن تناول وجبتين خلال اليوم، يستمر لهث الحكومة وراء دولار التصدير، إذ بحسب رئيس مكتب التسويق في اتحاد الفلاحين، أحمد الهلال، فإن السبب في ارتفاع أسعار الخضار خلال شهر رمضان المبارك هو التصدير، الأمر الذي كان له تأثيره السلبي على سعر المادة محلياً. وقال: “نحن مع التصدير، ولكن ينبغي أن يكون هناك توازن بين التصدير وتوفر المادة في الأسواق”.

وبسبب ارتفاع أسعار الغذاء والدواء، ازدادت الأمراض وظهرت أخرى لم يعرفها السوريون منذ عقود، بحسب الطبيب إبراهيم شحود الذي أكد أن أكثر من 609.900 طفل سوري دون سن الخامسة يعانون من التقزّم. مبيناً أن أهم أسباب هذا المرض هو نقص التغذية المزمن الذي يسبب آثاراً بدنية وعقلية للأطفال لا يمكن التعافي منها.

ويشير الطبيب السوري إلى أن حرمان الأطفال من الغذاء والحليب، بسبب الندرة وارتفاع الأسعار أحال ما نسبتهم 48% إلى مرضى سوء التغذية الحاد الوخيم، ما يعني إصابة جهاز المناعة وزيادة عرضتهم للوفاة أكثر بعشرات المرات، من الأطفال الذين يتلقون غذاء متكاملاً.

12 مليون جائع
يقول المستشار الاقتصادي السوري، أسامة القاضي، إن الحد الأدنى للجائعين “بمعنى كلمة الجوع وليس مجازاً” هو 70% من السكان، ونحو 20% يعيشون بالكفاف أو الحد الأدنى، ليبقى نحو 10% من سكان سورية “هم من حول النظام والتجار والعاملون مع منظمات أو شركات خارجية” يعيشون بحالة طبيعية ويتناولون غذاء متكاملاً، أو ربما يعانون من سوء التغذية بسبب الإفراط بتناول الطعام.

وينبه الاقتصادي السوري إلى أن الأسعار تضاعفت أكثر من 100% خلال العام، ما يعني أن أعداد الجوعى، ارتفعت عن 12 مليونا وزادت معها أمراض سوء التغذية.

ويضيف القاضي أن العوز الغذائي وترك العالم نظام الأسد يقتص من السوريين، بات “خطراً مرعباً” ليس فقط على الأسر التي فقدت معيلها “قتلاً أو اعتقالا أو إعاقة” بل وعلى مصير الجيل الناشئ، مشيرا إلى أن أمراض سوء التغذية تصل إلى النسب المهولة التي نقرأ عنها في تقارير دولية، فنحن أمام جيل الكثير منه معاق أو محدود الإنتاج في أحسن الأحوال.

وأوضح أن ارتفاع تكاليف المعيشة إلى أكثر من 12 مليون ليرة شهريا ووصول الدخل “لمن لديه دخل ثابت” إلى عتبة 270 ألف ليرة، يعنيان قتلا بطيئا للسوريين أو هروبهم للخارج بأي ثمن، بعد استحالة العيش بالداخل مع ارتفاع الأسعار وتراجع القيمة الشرائية لليرة التي فقدت أكثر من 83% من قيمتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة (الدولار = نحو 14 ألف ليرة).

ويشير القاضي إلى أن استمرار سياسة التجويع ينذر بوفاة هؤلاء المرضى من سوء التغذية، إذ تتضاعف الحالات وتتطوّر أمراضهم “بحسب متابعتنا” إلى أمراض كلى وقلب وكبد، ما يعني موتهم إن لم يتم تغيير الواقع عبر تأمين الدواء أولاً، بعد غلاء أسعاره ورفعها ثلاث مرات خلال عام، ومن ثم تأمين الغذاء اللازم.

وكان برنامج الغذاء العالمي قد دق ناقوس الخطر، منذ العام الماضي، مشيراً إلى أن سورية تعاني من مستويات قياسية في الجوع، وأن هناك تخوفاً من عدم قدرة 70 في المئة من السوريين على تأمين الغذاء لعائلاتهم، مضيفاً عبر رئيس البرنامج، ديفيد بيزلي أن “أكثر من 12 مليون شخص لا يعرفون من أين تأتي وجبتهم التالية؟”.

قتل ممنهج
يقول الاقتصادي السوري، محمد حاج بكري، إن ما يجري في سورية، من غلاء وتجويع، جعل جميع السكان يفكرون في تأمين لقمة عيشهم “بأي طريقة”، وفي ظل ذلك تلاشت الطبقة الوسطى.
ويكشف بكري عن تراجع المساعدات الدولية للداخل السوري، لتكتمل دائرة التجويع مع قلة الدخل، فبرنامج الأغذية العالمي خفّض، منذ مطلع العام الجاري، المساعدات الغذائية والنقدية لحوالى نصف المستفيدين البالغ عددهم 5.5 ملايين.

تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، في حين تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن ما يقارب 7.5 ملايين طفل سوري يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى