عالمية رسالة الإسلام
مارية محاجنة
تتميز الرسالة الإسلامية بطابعها العالمي الذي يخاطب الإنسان بوصفه إنسانًا، دون ارتباط ببيئة جغرافية أو خلفية عرقية أو زمن تاريخي محدّد. وقد شكّلت هذه العالمية أحد أبرز ملامح الشريعة التي جاءت لتكون مرجعًا تشريعيًا وأخلاقيًا عامًا، ينظّم علاقة الإنسان بربّه ونفسه ومجتمعه.
ويؤكد القرآن الكريم هذا البعد العالمي في مواضع متعددة؛ من ذلك قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾،
وقوله سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾،
وكذلك افتتاح سورة الفاتحة بقوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وتكرار لفظ العالمين في هذه السياقات يؤسس لفكرة مركزية مفادها أن الخطاب الإسلامي موجّه إلى البشرية جمعاء، على اختلاف ألوانها وجنسياتها وأعراقها…
وعند النظر في التجربة التاريخية للإسلام، يتبيّن أن السيرة النبوية —خاصة في مرحلة المدينة— قدّمت نموذجًا مبكرًا لمجتمع ذي أفق عالمي، بُني على قيم المساواة والتكافل والعدالة، وعلى صياغة علاقة مدنية بين مكوّنات المجتمع، كما ظهر في وثيقة المدينة وغيرها من الممارسات الأخلاقية والتنظيمية التي ارتسمت معالمها في الدولة النبوية الأولى.
وفي السياق المعاصر، ومع التحولات الكبرى التي فرضتها العولمة وهيمنة البنى الاقتصادية والسياسية والإعلامية الغربية، فإن مسؤولية المسلم المعاصر تتجه نحو ثلاثة مسارات مركزية:
- تحليل الواقع الدولي: عبر فهم آليات القوة، وخريطة النفوذ، وأشكال الهيمنة الثقافية والاقتصادية.
- تعزيز تأهيل الشباب: من خلال تمكينهم معرفيًا ومهاريًا ليكونوا فاعلين في بيئاتهم، وقادرين على تمثيل الإسلام بصورة حضارية.
- تدويل قضايا الأمة: بتحويلها إلى قضايا إنسانية عامة قابلة للتفاعل العالمي، عبر خطاب يتجاوز المحليّ إلى المشترك الإنساني.
إن تفعيل هذه المسارات يتيح للشباب المسلم التحوّل إلى فاعلين في الإنتاج المعرفي والاجتماعي، بدل البقاء أسرى ردود الفعل الوقتية التي غالبًا ما تفتقر إلى الاستمرارية والجدوى.
ويروي الدكتور عبد الكريم بكّار موقفًا يُبرز مركزية هذا البعد الدعوي العالمي؛ إذ ينقل عن أحد القُدامى العاملين في حقل الدعوة قوله بضرورة التواصل مع الشخصيات العالمية المؤثرة وتبليغها رسالة الإسلام بلغة معاصرة، استلهامًا لنهج النبي ﷺ في مراسلة ملوك عصره. ويرى الدكتور بكّار أن هذا التصور يستدعي وجود جهة عالمية منظمة تتولى هذا الدور ضمن منهجية مؤسسية مدروسة، لما لذلك من أثر واسع في تشكيل الوعي العالمي تجاه الإسلام.
وتكمن دلالة هذا الموقف في التأكيد على أن القصور في الوصول المباشر إلى غير المسلمين لا ينبغي أن يُفضي إلى القصور في تطوير خطاب ديني عالمي قادر على مخاطبة الناس كافة، بل المطلوب استثمار الوسائل المعرفية والإعلامية والتربوية الحديثة لإيصال روح الإسلام ومقاصده الأخلاقية العليا.
وأختم بقوله تعالى في ندائه العلويّ لعباده:
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾،
وهي آية تؤسس لعلاقة بين العمل والانتاجية، وتدعو إلى مسؤولية معرفية وحضارية لا تنفصل عن عالميّة الرسالة ذاتها.



