أخبار رئيسيةمحلياتومضات

من غياهب السجون تتفجّر الإبداعات… عبد الإله معلواني نموذج نجاح

الشيخ نضال أبو شيخة

ليست هذه مجرد رسالة تهنئة أبعثها إلى زميلي في الاعتقال، وأخي في ميدان الدعوة، وشريكي في الأعمال الفنية، الأخ الحبيب المبدع المتألق صاحب الطموح عبد الإله معلواني (أبو عمرو).

إنه أخٌ لا يكاد يمرّ يوم إلا ويجمعنا فيه تواصل عبر الأثير أو حضور وجداني لا ينقطع. تعرّفت إليه بعد خروجه من السجن، فجمعتنا مدرسة الدعوة وأدبها ووفاؤها، ومحبة صادقة راسخة.

كانت آخر الشهادات العلمية التي حصل عليها من جامعة تل أبيب في علم الأرشفة امتدادًا لمشروع بدأه منذ تحرره من الأسر عام 2009، حين انطلق لتحقيق حلمه في مسيرة العلم والمهنية والاختصاص، مستندًا إلى موهبته في الإخراج المسرحي.

ظهرت ملامح الطموح على شخصيته مبكرًا، وبدأ يتحدث عن رغبته في دراسة هذا المجال أمام الإخوة الأسرى المحررين في مؤسسة يوسف الصديق – المؤسسة التي تابعت شؤونه خلال الأسر، وأشرفت على يوم تحرره، والتي تشرفتُ برئاستها لعدة سنوات، وبإدارة من الأخ الأسير المحرر فراس عمري، الذي وضع بصمات تاريخية على ملف الأسرى وأحدث نقلة نوعية في الوعي. تبنّت المؤسسة مشروعًا نوعيًا هو فنون المسرح والسينما وصناعة الأفلام، لسد حاجة ميدان الدعوة إلى الأدوات الفنية الراقية.

التحق عبد الإله بجامعة حيفا، ثم بجامعة تل أبيب بدعمٍ وتشجيع من المؤسسة، ليكون الطالب العربي الوحيد في تخصصه آنذاك.

وتوالت إنجازاته العلمية: اللقب الأول، ثم اللقب الثاني في الإعلام الجديد – الجامعة العبرية في القدس. دبلوم في إدارة مؤسسات تربوية فنية، شهادة إرشاد تعليمي في الصحافة والإعلام، شهادة إرشاد مسرحي، شهادة في إدارة الأعمال، شهادة في تصميم الميديا، والآن يشارف على إنهاء رسالة الدكتوراه في العلوم السياسية – جامعة بن غوريون، بعنوان:

“الحركة الإسلامية في الداخل مقارنة مع الإخوان المسلمين”.

ترك عبد الإله بصماته الفنية على مشاريع الدعوة ومؤسساتها، وشارك في بلورة رؤيتها الإعلامية. وكانت انطلاقتنا المشتركة في تأسيس مؤسسة الأندلس للفن والأدب، بهدف توحيد فرق النشيد الإسلامي في عمل فني مشترك.

وقد تجلّى أول نجاح في مهرجان الأقصى في خطر 2014، حيث ظهر لأول مرة خطاب فني متناسق مع الثوابت، برؤية إخراجية حديثة.

أما الامتحان الأكبر فكان في مهرجان 2015 قبيل حظر الحركة الإسلامية؛ حين خاض عبد الإله تجربة إخراجية جريئة واحترافية، من رسم خلفية المنصة إلى إدخال الخيول على المسرح، وتجسيد حافلة الأقصى التوعوية، والمشهد التمثيلي لحرق عائلة دوابشة.

كانت تلك اللحظة تتويجًا لإبداع خرج من أسر السجون إلى فضاء التأثير.

رفض عبد الإله أن تُغلق صحيفة المدينة بسبب عجز مالي، لأنها كانت – وما تزال – صوت الدعوة ونبضها. أدارها بمهنية عالية حوّلت الخسارة إلى أرباح، ثم تنازل عن أرباحه حفاظًا على استمرارية رسالتها.

وأطلقت جهوده نهضة فنية من خلال مؤسسة الأندلس، التي أصدرت نحو 30 عملًا فنيًا خلال سنتين، جسدت الثوابت والهوية والقدس والعودة وقصص الشهداء والأرض والنقب والمدن الساحلية.

كما أسس منتدى المدينة الثقافي الذي أحدث طفرة في إشهار الكتب وتكريم الأقلام، متقاسمًا التكاليف بروحٍ نابعة من الوفاء.

أحدث عبد الإله عاصفة فنية في مدارس كفر قرع، حيث أبدع في تعليم الأجيال فنون التصوير وإنتاج الأفلام القصيرة، فأصبح الطلاب يرونه مُلهِمهم الأول. وقد نال شهادات تقدير عدة، كان آخرها جائزة المعلم المتميز لعام 2025، إلى جانب فوزه بأجمل فيلم مدرسي تحت إشرافه.

كما أسس ستوديو المدينة للتسجيلات واللقاءات حفاظًا على الذاكرة والتوثيق، ثم موقع موطني 48، وعمل محاضرًا في كلية القاسمي في الإعلام والصحافة والمسرح.

من معرفتي القريبة به، فإن عبد الإله يعمل اليوم على مشروع الأرشفة الذي درسه خصيصًا للحفاظ على الوعي والذاكرة والهويّة، وهو مشروع يحتاج إلى دعم ليستمر؛ لأنه يواجه منظومات إعلامية ضخمة تسعى لطمس الهوية وتزييف الرواية.

إنه رجل مرحلة، وقف وفيًا لدعوته وثوابتها، وقدم نموذجًا للإصرار والانتصار.

هذه ليست مجرد تهنئة، بل ومضة ضوء لمشروع نجاح، وبصمة إلهام، ومعركة وجود.

مشروع بدأ بحلم، وتحققت بعض تأويلاته، وبقي أن نكمل معًا تحقيق رؤياه حتى يَحْصَحِص الحق.

“يا أبتِ هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى