أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

“المسّ بيهودية الدولة”.. أساس جوهري لحظر الحركات السياسية

ساهر غزاوي

من المفارقات التي تسترعي الانتباه، أنه بالتوافق مع الذكرى الـ 51 لإخراج “حركة الأرض” ذات التوجه القومي العربي، عن القانون، في 17/11/1964، أصدر وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق؛ موشيه يعلون، في 17/11/2015 قرارًا بحظر الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح وإخراجها عن القانون الإسرائيلي. غير أن أكثر ما يجب أن يسترعي التركيز عليه في هذه المقالة، هو أن قرار إخراج الحركتين عن القانون الإسرائيلي، مع فارق زمني بينهما يناهز نصف قرن، يستند إلى أنظمة الطوارئ للعام 1945، التي ابتدعها الاحتلال البريطاني في فلسطين سنة 1945، وهي أنظمة ذات خلفية عسكرية، وضعت لخدمة الاحتلال البريطاني في زمن الحرب، بهدف مواجهة المقاومة الفلسطينية في ذلك الوقت.

في 17 تشرين الثاني عام 1964، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، آنذاك، ليفي إشكول عن “حركة الأرض” تنظيمًا خارج القانون الإسرائيلي. هذه الحركة التي تأسست عام 1959 على أيدي المجموعة القومية التي انسحبت مما كان يسمى الجبهة العربية- صارت بعد اجتماع عام 1958 في الناصرة الجبهة الشعبية- إثر تفاقم الصراعات والخلافات بين التياريّن المكونيّن لها، الشيوعيين والقوميين الذي تفاعلوا مع المدّ الناصري، تعرضت للقمع والملاحقة من قبل السلطات الإسرائيلية، وجرى إخراجها لاحقًا عن القانون، ويعود ذلك للمبادئ والأفكار الواضحة التي حملتها والتي تؤكد على العلاقة والرابطة بين الفلسطينيين في الداخل والعالم العربي عامة، والشعب الفلسطيني خاصة، وتشديدها على ضرورة تسوية القضية الفلسطينية بصورة تتلاءم مع تطلعات الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وفق أدبياتها.

هذه المبادئ والأيدلوجية التي حملتها “حركة الأرض”، التي عبّرت عنها في خطابها السياسي وفي نشراتها الإعلامية ونشاطاتها الميدانية، اعتبرت في حينه تهديدًا أمنيًا وتحديًا للهيمنة اليهودية وخروجًا عن إطار “المواطنة الإسرائيلية” التي تحمل في طيّاتها وجوب “الوفاء لدولة إسرائيل”، الوفاء غير المقتصر على الالتزام بقوانين الدولة، إنما يشمل التوافق مع الرؤية السياسية الأيدلوجية للدولة اليهودية. مقارنة مع الحزب الشيوعي الذي كان قد أسس خطاب المساواة بين الجماهير العربية كمطلب سياسي، لكنه لم يناقش في حينه جوهر الدولة اليهودية وعلاقته بالمساواة. غير أن شعبية الحزب الشيوعي نبعت في ذاك الوقت من مناهضته للحكم العسكري وطرحه لقضايا الناس اليومية. تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن صالح برانسي؛ أحد مؤسسي “حركة الأرض”، عدّد نقاط الاختلاف بين حركته والحزب الشيوعي من وجهة نظره، وأهمها أن الحزب يُثقف كوادره على أساس أنهم جزء من الكيان الإسرائيلي، ويشجع عناصره على الانخراط في خدمة الدولة ومؤسساتها، وأن أقصى ما يطالب به الحزب هو المساواة مع اليهود.

في هذا السياق، يلفت الباحثان مهند مصطفى وأسعد غانم في دراسة أعدّاها تحت عنوان (التنظيم السياسي للفلسطينيين في إسرائيل فترة الحكم العسكري)، أن نشاطات “حركة الأرض” لاقت نظرة معادية من جانب السلطات الإسرائيلية من جهة، ومن نشطاء الحزب الشيوعي، الذين لم يرق لهم نشاط المجموعة الجديدة، ورأوا فيها خطرًا يهدد مكانتهم في الشارع العربي، من جهة أخرى. لذلك عمل أعضاء الحزب الشيوعي علنا ضد “حركة الأرض” لاعتقادهم أن دعوة الحركة المبكرة للمواطنين العرب إلى مقاطعة الانتخابات للكنيست موجهة، بشكل أساسي، ضد التصويت للحزب الشيوعي، (تصلح للمشابهة مع واقعنا السياسي اليوم)، هذا عدا عن اشتراك المؤسسة الإسرائيلية والحزب الشيوعي في نعت الحركة بـ “القومجية”.

وفي العودة إلى حظر الحركات السياسة في ظل الحكم العسكري، فقد أدّى انفلات جوقة التحريض الإسرائيلي على “حركة الأرض” في ذلك الوقت لاعتبارها منظمة وضعت نصب أعينها تحريض الفلسطينيين ضد الدولة، إلى المباشرة بإصدار أوامر تقيّد حركة وتنقل أعضاء الحركة، خاصة بعد أن رفعت “حركة الأرض” إلى الأمم المتحدة في 23 حزيران من العام 1964- أي قبل حظرها بخمسة أشهر- مذكرة تصف الواقع السياسي الذي يعيشه العرب في الداخل الفلسطيني، وخصوصًا قسوة الحكم العسكري ومصادرة الأرض، وطالبوا بالمساواة في الحقوق واحترام الحريات الأساسية وإنهاء التمييز العنصري. غير أنه في الواقع لم تحظ هذه المذكرة باهتمام من الأمم المتحدة، ولكنها عرّضت الحركة لضغوطات جديدة انتهت بإخراجها عن القانون وحُظر نشاطها بادعاء أن التنظيم “يمس ويهدد دولة إسرائيل”.

خلاصة القول، إذا كانت “حركة الأرض” حُظرت في 17/11/1964 في ظل الحكم العسكري، الذي كان أبرز أهدافه، وضع العرب تحت “مراقبة أمنية” لمحاولة إلغاء معاني المساواة العملية للمواطنة التي مُنحت للعرب، وممارسة التمييز العنصري ضدهم في كل مجال، لتعميق التجزئة والتمزق في صفوفهم من أجل منع تعريفهم وتبلور هويتهم إلى تجمع قومي حتى لا يُمسّ بجوهر يهودية الدولة. فإنّ الحركة الإسلامية، حُظرت في 17/11/2015- أي بعد نصف قرن- في ظل قوانين وأنظمة طوارئ الحكم العسكري الذي لم يُلغ العمل به سنة 1966 والتوقف عن تطبيق أنظمته في سنة 1968، فقد واصلت المؤسسة الإسرائيلية استخدام هذه الأنظمة والأدوات القامعة لإخراج الحركة الإسلامية عن قانونها بادعاءات تتلخص بأن نشاطها “يمس ويهدد دولة إسرائيل”، مع التأكيد على ثمة فوارق أساسية تشير إلى ما هو أبعد من حالة حظر حركة الأرض، ويمكننا أن نلخص هذه الادعاءات المتمثلة بترسيخ فوقية منظومة يهودية الدولة على أية مبادئ ديمقراطية، من بضع كلمات قالها أحد الكتّاب الإسرائيليين من جوقة التحريض أن “إخراج الحركة الإسلامية عن القانون هو رسالة هامة وحيوية. فقادة الحركة الإسلامية وكذلك المتطرفون في قيادة الوسط يجب أن يستوعبوا أن هناك حدًا لما تستطيع الدولة ومواطنوها اليهود تحمله. ولا يمكن السماح لحركة معارضة لإسرائيل ولليهود، نقشت على رايتها تدمير دولة اليهود”.

 

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. لم تاتي اخي بجديد ،بل تعيد على المسامع ما هو معروف للجميع سواء فيما يتعلف بعنصرية الدولة او إجحافها في حق العربي ورغبتها المعلنه من على لسان السياسيين بتهجير العرب .

    حبذا لو تركز على الية التحرك الى الامام، فالماضي معروف فيما له وما عليه ، حبذا لم تاتي بأخطاء الحركة الشمالية التي ادت الى خذرها ، وهو برايي فشل ذريع قد ضيعها ، فليس من الحكمة التصادم مع الحاكم ، بل هو اهون واسهل الامور ، واصغر الشباب يستيطع فعلها ليضيع نفسه كما ضيعت الشمالية مؤسساتها ..
    خبذا لو تركر طاقاتك على كيفية التعامل الحكيم مع الوضع الحالي ، والخروج منه باقل الاضرار ، والحفاظ على روايتنا الفلسطيتية وفق الآليات المتوفرة ..
    وليس فقط الهروب الى ما كان ، والبحث عن ابطال الماضي من وجهة نظرك ،محاولا البحث عن تثبيت بقاياهم المتلاشية في حاضرنا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى