أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

عن سؤال المراجعة والتقييم للحركة الإسلامية المحظورة

ساهر غزاوي

ونحن نقترب من الذكرى السادسة لحظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون الإسرائيلي، فجر 17/11/2015، يطفو على السطح سؤال لطالما طُرح بكثرة في أوساط عدة ولا سيّما في الفضاء الإعلامي من قِبل سياسيين وإعلاميين وصحافيين وناشطين في منتديات ومنصّات التواصل الاجتماعي. هو سؤال شرعي لا خلاف ولا اختلاف عليه إن كان في إطار النقد البنّاء، رغم أننا نعيش في زمن قلّ من يجيد هذا النقد ويجيد فنّ النصيحة والتوجيه، ورغم أن هذا السؤال اتخذه البعض مطية للمناكفات والتجاذبات السياسية وتوجيه سهام الحقد وتصفية الحسابات مع الحركة الإسلامية بفكرها ونهجها.

إذن، هو سؤال المليون: هل أجرت الحركة الإسلامية المراجعات والتقييمات واستخلصت العبر والدروس من مسألة الحظر الإسرائيلي الظالم الذي نزع الشرعية القانونية عن أعمالها ومشاريعها وأغلق مؤسساتها وجمعياتها التي كانت تقدم الخدمات الدينية والإنسانية والاجتماعية والثقافية على جميع الأصعدة لنحو نصف مليون إنسان؟

ليس من المفترض أن أجيب أنا على هذا السؤال، ولن أجيب عليه لأنني لا أرى في نفسي ناطقًا ولا متحدثًا باسم أحد ولم أكن يومًا من الأيام من إدارة الحركة الإسلامية قبل حظرها ولا من صناع قراراتها، هذا فضلًا على أنّي لم أخوّل من أي أحد لأقوم بهذا الدور. إنما هنا أحاول الإجابة على ما هو المطلوب من وراء هذا السؤال وما يحمله من توجهات توحي بظاهرها وباطنها دعوات لتتحول الحركة الإسلامية عن أجندتها السياسية وتتنازل عن مواقفها الثابتة والتي أدّت إلى حظرها وملاحقة عددًا من قادتها ونشطائها التي لم تتوقف إلى يومنا هذا.

في البداية، من المهم التأكيد أن مراجعات وتقييمات الأفراد والجماعات لأنفسهم ونقدهم للذات هو عمل إيجابي ودليل قوة وحضور لا ضعف وغياب، ولا يُنقص من قدر أي جماعة أو حركة شيئًا ولا يؤثر على نصاعة تاريخها المُشرف، لكن في حالة الحركة الإسلامية التي حُظرت وأغلقت مؤسساتها وجمعياتها وأصبح العمل تحت اسمها التنظيمي (الحركة الإسلامية) مخالفًا للقانون الإسرائيلي، فيبقى السؤال: ما هي المراجعات والتقييمات المطلوبة تحديدًا؟ وإذا كانت مؤسسات وجمعيات الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، كانت في أوج عطائها وتميّزها في مشاريعها المختلفة وكانت الأوسع انتشارًا والأكثر تأثيرًا في الشارع العربي في الداخل الفلسطيني وقد تجاوزت الطور النخبوي وتمكنت من تعميق تفاعلها الجماهيري وحتى أنها كانت متقدمة بخطوات كثيرة على غيرها من الأحزاب والحركات السياسية ومتقدمة كثيرًا على من يحاول أن يُقلدها ويأخذ مكانها في الساحة، وقوتها لم تتراجع أبدًا، بل كانت في تصاعد كبير.. وهذا كله دون أن تخرج عن القانون الإسرائيلي أو حتى تخالف بندًا من بنوده.

إذن، فهل حقًا المطلوب من الحركة الإسلامية أن تقوم بالمراجعات واستخلاص العبر والدروس وتُقيّم أداء عملها ودورها الريّادي على جميع الأصعدة؟ الجواب طبعا لا.. إنما يذهب من يذهب في سؤال المراجعات والتقييمات واستخلاص العبر والدروس من مسألة الحظر الإسرائيلي، إلا من رحم، إلى مطالبة الحركة الإسلامية المحظورة بالتحول عن السير في طريق خارج إطار اللعبة السياسية الإسرائيلية وقبول المشاركة في هذه اللعبة المتمثلة بالكنيست الصهيوني، والتنازل عن الدور في نصرة القدس والمسجد الأقصى، والتخلي عن مشروع “المجتمع العصامي” وتبني خطاب “التعايش” العربي الإسرائيلي وكتابة المقالات وإلقاء الخطب والخطابات التي تدندن حول هذه القضايا التي كانت بالنسبة للحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح بمثابة خطوط حمراء وثوابت لها أبعاد إسلامية وعروبية وفلسطينية لا يمكن التنازل عنها ولو كان الثمن الحظر ونزع الشرعية القانونية عن الحركة الإسلامية. من المهم الإشارة إليه هنا في هذا السياق، أن غالبية التيارات والأحزاب السياسية الموجودة على الساحة اليوم، إن لم تكن قد تبنت كل هذه المواقف التي رفضتها الحركة الإسلامية وحُظرت من أجلها، فإنها قد تبنت بعضًا منها وعملت وما تزال على تطبيقها بحذافيرها!!

لا شك أن العمل التنظيمي للحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح قد تعرض لضربة قاسية، لا لخلل بنيوي وتنظيمي داخلي ولا لتراجع في مواقفها والقيام بالدور المطلوب منها على جميع الأصعدة. إنما جاء في سياق تفاعلات دولية، وفي سياق تحولات يمر بها المجتمع الإسرائيلي تنزع نحو التطرف والتشدد بُغية تحجيم المجتمع العربي في الداخل والعودة به إلى مربع الحكم العسكري. هذه الضربة خلّفت آثارًا وتداعيات سلبية على مُجمل العمل السياسي والحزبي للفلسطينيين في الداخل الذي تشكل هذه الحركة أحد أركانه الأساسية، غير أن المفاهيم والمواقف التي تبنتها الحركة الإسلامية ولم تتنازل عنها قيد أنملة، هي من صميم المشروع الإسلامي الذي تؤمن به وتعمل من أجله، لم تتغير هذه المفاهيم والمواقف وما زالت راسخة رسوخ الجبال على الأرض وحاضرة بقوة ولم تغب عن الساحة الوطنية والإسلامية في كل مناسبة ومناسبة، فبحسب أدبيات قادتها، فإن الحركة الإسلامية مجرد اسم تنظيمي والمشروع الإسلامي مشروع ربّاني ودوره لم ينته ولن ينتهي أبدًا والعمل من أجل الإسلام وخدمة المجتمع لا يمكن حظره ولا إخراجه عن القانون الإسرائيلي.

في الختام، أعود للتأكيد مرة أخرى على أن المراجعات والتقييمات والنقد الذاتي واستخلاص الدروس العبر للأفراد والجماعات لا تقل أهمية عن الاستمرار في أداء الدور المطلوب وإن كان متميزًا ومتقدمًا على غيره، غير أن مطلب الساعة يكمن حول أهمية وضرورة أن يقوم أبناء المشروع الإسلامي خاصة وأبناء المجتمع عامة بمراجعة وتقييم المرحلة المفصلية التي نعيشها وكيفية التعامل معها ومع واقع العنصرية الإسرائيلية، خاصة وأن شهية الحكومة الإسرائيلية زادت بالتوغل في سياسة تجريم على العمل السياسي والأهلي بملاحقات سياسية لقيادات ونشطاء في الداخل الفلسطيني وما تداعيات هبّة الكرامة عنا ببعيدة. هذه المرحلة بحاجة للمزيد من الثبات على المبادئ والقيم والمفاهيم بأبعادها الإسلامية والعروبية والفلسطينية، خاصّة ونحن في مرحلة ارتفعت فيها أصوات دعاة مشاريع الأسرلة والاندماج وصهينة العقول والمواقف والسلوك، مرة تحت ادعاءات فهم وفقه الواقع ومرة تحت محاولات إغراءات مليارات الذل والعار.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى