أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرتقارير ومقابلاتمحليات

قالت لـ “المدينة”: بالعزيمة والمثابرة يمكن تحقيق المستحيل.. الثمانينية الحافظة لكتاب الله جهاد بطو تحصل على دبلوم في الشريعة الإسلامية

طه اغبارية

لم تلتفت الحاجة جهاد محمد عبد الله بطو (85 عاما) من مدينة الناصرة، إلى “تعليقات” البعض عندما عزمت على دراسة العلوم الشرعية وهي التي ناهزت الثمانين عاما من عمرها، وكيف تلتفت أصلا لتعقيبات مفادها “بعد ما شاب ودّوه الكتاب”؟ وهي التي اتمّت حفظ القرآن الكريم كاملا وكان عمرها نحو 76 عاما!، وتردد دائما الحديث النبوي الشريف: “أطلب العلم من المهد إلى اللحد”.

يوم السبت الأخير، أحاط أبناء الحاجة جهاد بها ورافقوها إلى حفل تخرجها من كلية العلوم الشرعية في كفر برا لاستلام شهادة الدبلوم في العلوم الشرعية.

كانت الحاجة جهاد بطو ملكة التخريج من بين 100 خريج وخريجة وقد نُظّم الحفل في إحدى القاعات بقرية جلجولية.

في حضرة تتويج والدتها، ألقت المربية المتقاعدة نوال بطو (66 عاما) كلمة تضمنت الرد الشافي على “تعليقات” من حاولوا ثني أمّها عن حلمها بتحقيق ما تريد، حين قالت: عَظيمَة ٌ أَنتِ يا أُمّي… مغروسٌ فيكِ حُبُّ العلم ِ منذ ُ صِغَرِكِ. قَصدْتِ العلمَ ومنهُ نَهلْتِ… وإلى أسمْى الأهدافِ تطلـّعـت. العِلمُ من المهْدِ إلى اللّحدِ بها آمنْتِ… وما زلْتِ وستظلينَ ما حييتِ. أنْجَبتِ ربّيْتِ علّمْتِ                    ومِنَ الجامعاتِ خَرَّجْتِ رجالاً يفتخرونَ بما حَـقَّـقْـتِ         وينْحَنونَ أمامَـكِ يتساءلون كيفَ اسْتطعْتِ. ورِثوا حُبَّ العِلـْمِ عَنكِ وما زالوا يستزيدونَ كما أرَدْتِ. سَخِرَ البَعضُ وقالوا:                          أبَعْدَ المَشيبِ للعِلْمِ اتّجهتِ؟ وكانَ أجملُ ما فعلْتِ                            أنَّـكِ لـِثَرْثرَتِهِم تَجاهَـلْـتِ. أسمْاكِ والدُكِ جهاد فَجاهدْتِ                     بِمعارِكِ الحياةِ وانتصرْتِ”.

وُلدت الثمانينية جهاد بطو في نابلس سنة 1936، وسميت باسم جهاد نسبة لعام الثورة الذي رأت فيه النور، وتعود أصول عائلتها إلى قرية المجيدل المهجرة في قضاء الناصرة.

درست جهاد المرحلة الابتدائية في مدرسة بقرية المجيدل المُهجّرة حتى عام النكبة، ثم انتقلت إلى مدرسة السيدة أولجا في الناصرة حتى الصف الخامس ابتدائي، وهناك توقفت رحلتها بعدما أخرجتها عائلتها من المدرسة لتساعد والدتها بسبب المرض.

تقول في لقاء مع صحيفة “المدينة”: “ندمت كثيرا لأنني تركت المدرسة، خاصة أنني كنت شاطرة كثيرا، ومع ذلك بقواي الذاتية عززت معرفتي ودرست اللغات العربية والعبرية والانجليزية، إلى جانب الرياضيات، فقد كنت أحبّ الحساب”.

وأضافت: “قبل ثلاث سنوات حفظت القرآن الكريم، بدأت الحفظ وعمري 73، وختمته في الـ 76، والحمد لله كل يوم اقرأ جزءا لتثبيت حفظي واتواصل دائما عبر الهاتف مع الأخت المشرفة التي ساعدتني على الحفظ في مسجد السلام من أجل التثبيت وإعادة التسميع. وأقول للناس: تعلموا ولا تخجلوا من أعماركم، وانظروا إلى الأمام ولا تلتفتوا إلى أقوال الناس، فقد سمعت مراراً (حرام المصاري اللي تصرفيها)، وكنت أرد بأنني يجب أن أتعلم حتى آخر لحظة في حياتي، والحمد لله حصلت على اللقب الذي كنت أحلم به، وصرت أنفع الناس بما تعلمت من كتاب الله”.

عن مشوارها في كلية الشريعة تقول: “كنا نتعلم يوما واحدا في الأسبوع، يوم الجمعة، من الصباح حتى ساعات المساء، وكنت أسافر إلى كفر برا مع صبيتين من عنا كنا نستأجر سيارة تقلنا إلى هناك،

رغم السنّ، إلا أنّ ذاكرة “الحاجّة” يقظة، كما أنّ صحتها جيدة، إلى جانب ذلك، فهي منظمة، ولديها برنامج أسبوعي لتعليم النساء أحكام القرآن والتجويد في المسجد، ويوم الأربعاء تدرس في جمعية “نسجينا” التطريز، ويوم الخميس تذهب للصلاة في المسجد الأقصى، كما تخصص يوم السبت لطبخ الطعام لعائلتها، ويوم الأحد تنظف بيتها بمساعدة ابنتها. وتؤكد أنّ “العلم سلاح لا مثيل له، أفضاله على البشر كثيرة”.

 

المرأة المكافحة العصامية

الحاجة جهاد بطو، أمّ لخمسة أبناء، 4 ذكور وأنثى، يعمل الأول مديراً في قسم التأمين، أما الثاني فهو طبيب، والثالث يعمل في قسم ماكينات طبية، والرابع مهندس كمبيوتر، والخامسة معلمة متقاعدة، ولدى بطو تسعة أحفاد.

توفي زوجها، المرحوم عبد الله بطو قبل عدة سنوات، وساهمت معه في مصاريف البيت والأولاد واقتنت ماكنة خياطة وعملت في هذا المجال لسنوات عديدة، أصرّت على تعليم أبنائها وحصولهم على أعلى الشهادات.

تقول ابنتها نوال لـ “المدينة”: “إصرار والدتي على تعليمنا كان سببا في إكمالي لدراستي، كنت الكبيرة بين إخوتي وأردت أن ادرس حتى المرحلة الثانوية فقط، لكن أمي أصرت على إكمال لتعليمي وفعلا ارتدت كلية تأهيل المعلمين وبعد انهاء دراستي جرى تعييني في منطقة النقب، حينها طلبت مني الوالدة أن أكمل تعليمي في جامعة بئر السبع، وهكذا كانت مع اخوتي، بفضل ثم بفضلها نجحنا في حياتنا المهنية”.

لم ينس الأبناء فضل والدتهم وقاموا بتشجيعها على دراسة العلوم الشرعية. تردف نوال: “لما اخبرتنا انها تريد ان تتعلم فرحنا كثيرا وساندناها جميعنا من اللحظة الأولى وقلنا لها لا تهتمي بكلام الناس المهم ان تحققي ما تريدين، وكما كانت فرحتنا كبيرة عندما تخرجت من الكلية، والله كل يوم اتلقى اتصالات من كل مكان لتهنئتنا بما حققته أمي في هذا الجيل، غير مفهوم ضمنا في مجتمعنا العربي أن يتوجه الناس للتعليم في هذا الجيل، فكيف إن كان ذلك من امرأة!! والدتي بحق هي نموذج للاعتزاز والفخر لكل مجتمعنا العربي في هذه البلاد، تعبت وربت وعلمت وتعلمت رغم كل المصاعب”.

في ختام لقائنا مع الحاجة جهاد بطو، سألناها عن مشاعرها بعد التخرج فقالت: “الحمد لله رب العالمين أشعر بفرحة غامرة، لأنني تعلمت العلوم الشرعية ولأنني حققت ما كنت أحلم به. حين كان يقال لي “شو بدك بالتعليم” لم التفت لهذا التثبيط وكنت أقول “اللي بضحك بضحك بالآخر”. علينا التمسك بالعلم والايمان والإرادة، وهذه نصيحة لكل أبنائي من الشباب والشابات أن يتمسكوا بدينهم وبالعلم لأن امتنا لن ترجع كما كانت إلا من خلال العلم والايمان. انصح ابنائي من الشباب بالابتعاد عن كل ما يغضب الله وعن أعمال العنف وأن ينشغلوا بكل ما هو مفيد لهم ولمجتمعهم”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى