في محاولة لتجميل التاريخ السعودي.. “بن سلمان” يقلب الطاولة على رأس نتنياهو

الإعلامي أحمد حازم
لا يختلف اثنان في أنَّ السعودية لها تاريخ سيء، فيما يتعلق بمواقفها تجاه القضية الفلسطينية، ومن المحتمل أن يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد أراد -إلى حد ما- التكفير عن ذنوب أسلافه (ولو ظاهرياً) في الموضوع الفلسطيني، من خلال تمسكه بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية. وحتى في هذه الحالة فإنه يخدم الدولة العبرية لأنه بالمقابل سيقوم بالتطبيع مع اسرائيل، التي ترفض بشدة إقامة دولة فلسطينية.
المثلث الأمريكي الإسرائيلي السعودي، كما يبدو بعد زيارة بن سلمان لواشنطن والاستقبال غير المسبوق من قبل ترامب والذي لم يحظ به أي رئيس زار واشنطن، اسمه الآن “مثلث 30-60-90” وهو نوع خاص من المثلثات، ليس حسابيا فقط، بل سياسيا أيضا. فالضلع الأكبر يبقى لأميركا والضلع الثاني احتلته هذه المرة السعودية، وكان الضلع الأقصر من نصيب إسرائيل، التي لم تخف غضبها واستياءها من حجم استقبال القادم من بلاد صحراء الربع الخالي، التي طالما لقي فيها معارضون سعوديون حتفهم برميهم فيها أحياء للموت ببطء.
الاتفاقات التي تمت خلال زيارة بن سلمان لواشنطن، أظهرت أن اسرائيل لم تعد بموقع الحليف الوحيد لأمريكا في الشرق الأوسط، ولذلك لم تُخفِ إسرائيل انزعاجها من الاستقبال غير المسبوق الذي حظي به وليّ العهد السعوديّ محمّد بن سلمان في البيت الأبيض، من خلال الانفتاح الذي أبداه الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب تجاه شراكة استراتيجيّة أوسع مع السعودية، مما يعني التفافا على المعادلة التي اتسمت بها المنطقة منذ عقود.
الموقع الأمريكي الإخباري “المونيتور” نشر تصريحاً لمصدر دبلوماسيّ إسرائيليّ وصفه برفيع المستوى جاء فيه: “أن زيارة محمّد بن سلمان للبيت الأبيض هزيمة لإسرائيل. صحيح أنّها ليست ضربة قاضية، لكنّها مع ذلك خسارة خلاصتها أنّ السعوديّين دفعوا ترامب لقطع الصلة بين التطبيع مع إسرائيل والجوائز والأسعار التي ستكون أميركا مستعدّة لدفعها مقابل ذلك”.
يبدو أن حساب إسرائيل في البيدر السياسي (السعودي) لم يتطابق مع الحقل. نتنياهو عوّل كثيرا على أمريكا بمنح السعودية حزمةً من الامتيازات العسكريّة والتكنولوجيّة المتقدّمة، مقابل تطبيع مع اسرائيل
لكنّ محمّد بن سلمان قلب الطاولة على رأس نتنياهو برفض إعلان أيّ التزام بالتطبيع، وحصل على الامتيازات الأمر الذي أجهض الرهان الإسرائيليّ على ورقة التطبيع، مما سيؤثر طبعًا على نتنياهو في انتخابات الكنيست والتي بدأت بالاقتراب.
في المحصّلة، خسرت إسرائيل رهانها على إخراج السعوديّة من معادلة فلسطين وجعل التطبيع بديلًا عن الحلّ السياسيّ. في المقابل، عكست الرياض الاتجاه، وربّما تكون قد دشّنت عهدًا جديدًا يعيد القضيّة الفلسطينيّة إلى صدارة الحسابات الإقليميّة والدوليّة، بما يعني أنه لا شرق أوسط جديد من دون دولةٍ فلسطينيّة.
اتخاذ محمد بن سلمان هذا الموقف من القضية الفلسطينية يستهدف التظاهر للعرب ولا سيمنا الفلسطينيين بأنه الوحيد بين زعامات دول الجامعة العربية الذي يعمل بجد من أجل القضبة الفلسطينية، لكنه أيضا في المحصلة يساعد اسرائيل. والهدف الثاني لبن سلمان تجميل التاريخ السعودي المتعلق بفلسطين: يقول حاييم وايزمان أول رئيس لإسرائيل في مذكراته: إن “تشرشل رئيس الوزراء
البريطاني قال له: أريد أن أرى ابن سعود سيدًا على الشرق الأوسط وكبير كبراء هذا الشرق على أن يتفق معكم أولًا -يا مستر حاييم- ومتى تم هذا عليكم أن تأخذوا ما تريدون منه”.
التاريخ يبرهن بصورة لا تقبل الجدل أن تأسيس السعودية كان مشروع بريطانيا الأول، وتأسيس إسرائيل هو المشروع الثاني. فكلاهما نشأ بدعم وتخطيط غربي، وكلاهما يستمد قوته من الغرب.
يقول ناصر السعيد في كتابه (تاريخ آل سعود) إن الملك عبد العزيز كتب قبل وعد بلفور اعترافًا يجعل فلسطين وطناً لليهود يقول نصه: “أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود، أُقرّ وأعترف ألف مرة للسير بيرسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما ترى بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة”.
كلمة أخرى بقي علينا قولها: إذا كان بن سلمان جادا فعلا بموقف السعودية من إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتراجعها عن التأمر، فليشرح لنا حكاية الزيارة السرية التي قام بها نتنياهو ورئيس الموساد الى السعودية واللقاء بهما في شهر نوفمبر عام 2020 في موقع مدينة (نيوم) المستقبلية في شمال غربي السعودية.
التاريخ لا يكذب. ومهما حاول بن سلمان فعله للقضية الفلسطينية، فإنه لن يستطيع أبدًا مسح العار الذي لحق بأجداده بسبب مواقفهم التآمرية ضد القضية الفلسطينية.


