أخبار وتقاريرمقالاتومضات

تفكيك نظرية الجندر النسوية

د. محمود مصالحة

 

كلمة جندر (Gwnder) كلمة إنكليزية من أصل لاتيني، مشتقة من كلمة (Genus)، تعنى (الذكورة والأنوثة)، وهناك نوعان، الأول: البيلوجي وهو النوع المُحدِد للذكورة والأنوثة منذ خلق الله البشرية، والنوع الثاني: هو النوع الاجتماعي الجندري المُبتدَع.

ومصطلح الجندر يستخدمه أصحاب الفكر الجندري في الرجل والمرأة (woman/man)، فوصفوا علاقة الجنسين الرجل والمرأة بكلمة شريك (partner)، أو (Spose)، بدل من كلمة زوج.

أما مفهوم الجنوسية أو الجنسانية كمصطلح، فيُقصد به تعيين الأدوار والعلاقة المتبادلة بين الرجل والمرأة، ويرى أصحاب الفلسفة الجندرية أنه يمكن تغيير أو إلغاء الأدوار المنوطة بالرجل والمرأة، من حيث تعلقها بالفروق والأفكار السائدة، وقد ابتكروا النظرية الجندرية للتدخل في تعيين الذكورة والأنوثة (للرجل والمرأة)، (هوية نوعية اجتماعية)، كبديل مبتكر للهوية البيلوجية الخلقية، لها نمط حياة مختلفة عن الحياة الزواجية الطبيعية، حيث يسعى أصحاب النظرية الجندية لفرضها على الأفراد والمجتمعات.

وبالعودة إلى أهم أسباب ظهور نظرية الجندر، يعود إلى احتقار الكنيسة للمرأة، وهناك نصوص من التوراة والانجيل تدلل على ذلك، ولا يتسع المقال للتفصيل، أما الإسلام فقد أعزَّ المرأة وكرَّمها ورفع من مكانتها، بنتًا وأُمًّا وزوجة، والدلائل كثيرة في الكتاب والسنّة.

ولقد عرَّفت دار المعارف البريطانية الهوية الجندرية Identity) Gwnder)، بأنها شعور الإنسان بنفسه أذكر أو أنثى، والهوية النوعية الاجتماعية المبتكرة بحسب نظريتهم، ليست ثابتة بولادة الذكر والأنثى، ولكن تُحددها العوامل الاجتماعية والنفسية، فالأدوار الاجتماعية عامل هام في تشكيل الهوية الجندرية الاجتماعية الذكرية والأنثوية الفردية والجماعية، وهي قابلة للتغيير بتغيُّر تلك العوامل والمفاهيم الاجتماعية المكتسبة، وعدم ثبات المكتسب، يجعل الهوية الجندرية للذكر والأنثى تتغير بتغير تلك الفوارق.

وللهوية تعريفات غير التعريف الجندري منها: التعريف الإنكليزي: (IDENTITY): وتعني حقيقة بقاء الشيء على ما هو عليه لا يتغير، وتعني الذات أو الشيء وتميزه عن غيره.

والهوية في اللغة الفرنسية: (Iidentite) هي مجموعة صفات تجعل الشخص معروفًا ومميزًا.

تعريف الجرجاني للهوية: ” هي الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة.

الهوية اصطلاحًا: مشتقة من الضمير(هو)، وهي بمعنى جوهر الشيء.

أما الهوية الإسلامية: فهي منبثقة عن الإيمان والعقيدة وشريعة الأمة وقيمها، والانتماء إليها والاعتزاز بتاريخها، وثقافتها وحضارتها، المتميزة عن سواها.

ومفهوم الهوية النوعية للإنسان منذ بدء الخليقة ،

هي الصفة البيلوجية الخلقية الفطرية الجوهرية التي تميز الذكر عن الأنثى. قال تعالى: “وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ” [آل عمران:36]

ومن العوامل الهامة لنظرية الجندر المُحددة للهوية الاجتماعية المبتكرة: عامل (الهواجس والأحاسيس النفسية)، فضلًا عن عامل (الأدوار الاجتماعية)، فالجندرية لا تقر بالمطلق بأن المولود الذي ولد ذكرًا بالحقيقة البيلوجية الخلقية إنه ذكر، وإن كانت مُثبتة بأعضائه التناسلية الذكرية أنه ذكر، فلا اعتبار لذكوريته البيلوجية الخلقية، بحسب نظريتهم، ومن العجب أن ذكورية الذكر البيلوجية لا تحسم أمر الذكورة عندهم إذا تعارضت بما يراوده من الهواجس والأحاسيس (الأهواء)الأنثوية – فهي لا تقر إن كانت الهواجس أمراضًا نفسية أو وساوس النفس الأمارة بالسوء أو شيطانية -.

لكن بحسب نظرية الجندر تقول: إنه بأحاسيسه الأنثوية أنه أنثى، فالأحاسيس والهواجس هي التي تقرر الهوية بحسب نظريتهم، رغم حقيقته الخلقية البيلوجية التي تثبت أنه ليس بأنثى، ولن يكون أنثى، لأنه ولد بأعضائه الذكرية، ولم يولد بأعضاء تناسلية أنثوية إنجابية.

ولكن الذكر الذي أجريت له عمليات تحولية أنثوية، سيكون صاحب ذكورية ناقصة، لفقدانه أعضاءه التناسلية الذكورية بالإستئصال. والسؤال الذي يُطرح: ماذا إذا تراجع وراودته الهواجس والأحاسيس الذكورية المخالفة للأنثوية بندمه وعاد إلى حقيقته الأولى – وقد حصل ذلك – من يُعيد له ذكوريته بإعادة أعضائه التي فقدها؟ وهل تفلح منظمة الصحة العالمية فعل ذلك؟! لقد استدرجوه فغيّر خلق الله وتعدى حدوده.

فيكون هذا الذكر قد دخل في متاهة التغييرات الخلقية الجندرية، قد صار بين الذكورة المنقوصة، والتشبُّه الأنثوي، لكنه ليس بأنثى بل تشبَّه بالأنثى، وإن مرَّ بعمليات تحويل وتخلَّص من أعضائه التناسلية الذكرية، ونفخ ثدييه بالسليكون، وتجمَّل (بوتوكس) بتنفيخ الوجنتين والشفتين، هل يتحول إلى أنثى؟ في الحقيقة لا، لكونه لا يمتلك القدرة على الحمل والانجاب، فيُعد ذكراً فاقدًا للقدرة الذكورية، ولكنه مُتشبَّه بالأنثى وليس بأنثى.

وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر من وراء الحجب يصف حالة التشبُّه بالأنثى والمسخ الخلْقي، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه:” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبِّهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال” [البخاري:5885]. هكذا بنظرياتهم يتلاعبون بالخلقة الفطرية للبشرية.

فأصحاب الجندر بنظريتهم الجندرية اعتبروا أنفسهم فوق الفطرة الخلقية الإنسانية، قال تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: 35]، قال ابن عباس: أخُلقوا ووُجٍدوا على هذه الكيفية البديعة والعجيبة من غير خالق، أم هم الخالقون لأنفسهم ولغيرهم!، فإلى هذا الحد يعبثون بالخِلقة التي خلقها الله عز وجل.

وتكمن خطورة نظرية الجندر، في إلغائها لذاتية الأفراد وذاتية المجتمعات وهوياتهم الأصلية، فمهمة نظرية الجندر، تفكيك الأسر وإنشاء الفوضى في المجتمعات.

والأخطر من ذلك، أن نظرية الجندر بالفلسفة الجنسانية المنبثقة من (اتفاقية سيداو) للأمم المتحدة، باتت تشكل القانون الأساس للتشريعات الاجتماعية والثقافية والفكرية الجندرية، التي تعمل على إلغاء كل ما يخالفها، من ثقافات وتشريعات، وهويات وانتماءات، وتوجهات فكرية، وأنماط حياة ثقافية مخالفة لها، وتشكل هذه التشريعات السيداوية وملحقاتها الجندرية، أشكالًا حياتية لم تعهدها البشرية من قبل، وتعمل على تغيير الهوية العربية والإسلامية، والانتماء للأمة، وتعمل على هدم العقيدة والشريعة والقيم الإسلامية، وتفتيت نظم الأمة الإسلامية والعربية وحضارتها، واستبدالها بنظم وتشريعات وأنماط حياة فكرية غربية شذوذية.

قال تعالى مخاطبًا الرسول ﷺ والأمة: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية:18]. فعلى مجتمعاتنا الثبات على العقيدة والشريعة الإسلامية، والحذر من هذا المشروع الثقافي، والشذوذ الغربي، المدعوم من منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة التي تتستر خلفها السياسات والمصالح الغربية.

العامل الثاني ذكره تعريف دائرة المعارف البريطانية:

ولما كان العامل النفسي له الدور والمعيار في تحديده للذكورة والأنوثة، ومن هي الجهة التي أعطت لنفسها حق الحكم على المولود بيلوجيًا وفطريًا ذكرًا أنه أنثى في الجانب النفسي؟ هل دائرة المعارف البريطانية وتوراة الجندرية في هذا الجانب؟ أم الأخصائيون النفسانيون بيدهم القرار، فمن منحهم حق الوصاية على الذكورة والأنوثة البيلوجية لتغييرها؟، وما هي أهداف هذه المنظمة لتتحكم بمصائر البشرية؟

وهل هنالك علاقة بين نظرية الجندر، ونظرية المليار الذهبي الذي يقضي بالتخلص من أكثر من ستة مليارات من البشرية؟

أما العامل الثالث لتعريف دائرة المعارف البريطانية لنظرية الجندر، هو الأدوار الاجتماعية للرجل وللمرأة، المعبر عنها بمصطلح (الجنسانية). وقد صمموا للمرأة دورًا ألا تنجب، ودور الانجاب على الرجل! أو التبني، لأن المرأة ترفض الانجاب. أليست هذه فوضى إيقاف الانجاب، وقتلًا مقننًا للبشرية؟ من يسيِّر الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية؟.

ولما كان مفهوم الجنسانية هو تصميم الأدوار، وفقًا للمساواة المطلقة بحسب اتفاقية سيداو بين الرجل والمرأة، ولم تقل بين الزوجين، لأن الزواج الشرعي يُتعمد تهميشه، بل ويسعون لإلغائه بذريعة إلغاء التمايز في كل جوانب الحياة بين الرجل والمرأة، في العمل والبيت والانجاب، والميراث وفي القوامة، والوصايا والرضاعة، وكذلك الصداقة الجنسية خارج الزواج، إن هذه الفوضى الاجتماعية تهدف لإلغاء النسل وانقراض المجتمعات الإسلامية خاصة.

هل صاحبة هذا التصميم الحركة النسوية الفمنيزم Feminisim))؟ أم هي حركة أعداء الانجاب والسكان؟ أم (الشاذون والشاذات جنسيًا)؟ أم هي اللجان الثلاث في إطار لجنة المرأة في الأمم المتحدة؟.

إذا كانت نظرية الجندر وملحقاتها وتفسيراتها غربية الإنتاج والثقافة، والجهات النسوية تنفذ هذا المشروع الغربي لتغيير الهوية والانتماء الفكري والحضاري في معركتهم الفكرية، فأين هي الوطنية النسوية المزعومة إذن؟ وإذا كانت النسوية الجندرية مناضلة كما تزعم، هل ميدانها تفكيك الأسر في المجتمعات العربية والإسلامية ضمن المعركة الدائرة على الأمة (صراع الحضارات) المشروع الغربي، الذي يقابله (حوار الحضارات) المشروع الإسلامي؟

هذه أسئلة نطرحها، تحتاج إلى جهة ذات مصداقية وموضوعية موثوق بها مخولة بحق للإجابة عليها. وليست جهة جندرية تتقاضى أجرًا من الصناديق الغربية.

وأخيرًا إن مشروع الجندر الشذوذي، يشكل معركة فكرية ثقافية حضارية غربية، تعمل ضد الإسلام والأمة الإسلامية، خطرها عظيم لأبعد الحدود، بل هي قضية وجودية، تنفذها الجهات النسوية الجندرية بثقافتها وهويتها الغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى