أخبار رئيسيةمقالاتومضات

ما هو الفكرُ النسويُّ المنحرف وفقَ مصادرِه؟

الشيخ رائد صلاح

كنتُ ولا زلتُ أؤكِّد أنه لا توجد لديَّ أيَّةُ مشكلةٍ شخصيةٍ مع أيَّةِ امرأةٍ تحملُ الفكرَ النسويَّ المنحرف، ولا مع الجمعيةِ التي تنتمي إليها. ولذلك، يومَ أناقشُ فأنا لا أناقشُ شخصها ولا جمعيتها، بل أناقشُ فكرَها المنحرف. ويومَ أن أسميتُه فكرًا نسويًّا منحرفًا، فقد أسميتُه منحرفًا لأنه انحرفَ عن الفطرةِ السوية، وانحرفَ عن بوصلةِ فكرِنا وقيمِنا وثوابتِنا الإسلاميةِ العروبية الفلسطينية.

وفي الوقت ذاته، أنا أرحِّب بالفكر النسائي الذي ينسجم مع الفطرة السوية، والذي هو فكر الأمة برجالها ونسائها، ولا يستقي طروحاته إلا من انتمائنا الأبدي إلى فكرِنا وقيمِنا وثوابتِنا الإسلاميةِ العروبية الفلسطينية.

وأرى من الضروري أن أتعرف وأن أعرّف على هذا الفكر النسوي المنحرف وفق مصادره، وليس تجنّيًا عليه، بناءً على ما بين يديّ من أوراق أو كتب تعرّف على هذا الفكر النسوي المنحرف كما هو، بعيدًا عن اسم هذه المرأة، أو هذه الجمعية، أو هذا الحلف النسوي الذي يتبنّاه:

1ـ تقول إحدى أوراق هذا الفكر النسوي المنحرف:

(“س” التعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني… هو مجموعة من النشطاء المثليات والمثليين، وثنائي الميول الجنسية، والعابرات والعابرين جندريًا، والمتسائلات والمتسائلين، وأشخاص كويريات وكويريين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة وأصدقائهم).

وفق هذا التعريف، فإنّ هذه الجمعيّة (س) هي النادي الذي يجمع الشواذّ والشاذّات جنسيًّا، وهو الذي يجمع المتحوّلين والمتحوّلات جنسيًّا، وكلّ ما يدور حول هذا الشذوذ من ممارسات جنسيّة مختلفة، لم يعرفها العربُ والعربياتُ قبل الإسلام ولا بعد الإسلام، ولذلك لم تتحدّث عنها اللغة العربية بهذه المصطلحاتِ المنحوتة حديثًا الواردة في هذا التعريف لهذه الجمعية (س)، مما يعني أن هذا الفكر الشاذ المنحرف لا أصل له في الانتماء العروبي ولا الإسلامي ولا الفلسطيني، ولا مع اللغة العربية، وإنما هو فكرٌ دخيلٌ مستورَد ويحظى بدعم الصناديق المانحة الاستعمارية.

ثم يَا عَجَبًا لِهَذَا الْفِكْرِ الْمُنْحَرِفِ، فَهُوَ يُعَرِّفُ على نَفْسهُ كَمَا وَرَدَ أَعْلَاهُ، ثُمَّ يَقُولُ فِي سِيَاقِ تَعْرِيفِهِ على نَفْسهُ: “تَقُومُ مَجْمُوعَتُنَا عَلَى أُسُسٍ وَقِيَمٍ نِسْوِيَّةٍ وَكُوِيرِيَّةٍ مُنَاهِضَةٍ لِلِاسْتِعْمَارِ”. فَيَا عَجَبًا لِجَمْعِيَّةٍ أَيًّا كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تُنَاهِضَ الِاسْتِعْمَارَ وَتَعْتَاشُ فِي الوقت نفسه عَلَى صَنَادِيقِ هَذَا الِاسْتِعْمَارِ الْمَانِحَةِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْأُورُوبِّيَّةَ مِنْهَا أَوِ الْأَمِيرِكِيَّةَ، سِيَّمَا وَأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ هَذِهِ الصَّنَادِيقِ لَهَا ارْتِبَاطٌها المُبَاشِرٌ مع وِزَارَةِ الْخَارِجِيَّةِ الْأَمِيرِكِيَّةِ وَمُشْتَقَّاتِهَا، أَوْ مع وِزَارَاتِ خَارِجِيَّةٍ أُورُوبِّيَّةٍ وَمُشْتَقَّاتِهَا، أَوْ مع مَعْسَكَرَاتِ ضَغْطٍ مَالِيَّةٍ صَهْيُونِيَّةٍ، ومع ذلك تريد هذه الجمعية (س) أن تمررّ علينا زخرف قولها مدعيةً أنه فكر، وهكذا تحول الشذوذ الجنسي عند الرجال والنساء إلى فكر في حسابات هذه الجمعية،

وهكذا تحول التحول الجنسي وما يدور في فلكه إلى فكر في حسابات هذه الجمعية، وهكذا بات أهونَ ما تتحدث عنه هذه الجمعية هو استحسان الزنا والذي تحول إلى فكر في حساباتها، وهكذا تحول مناهضة الاستعمار بصناديق هذا الاستعمار المانحة إلى فكر في حسابات هذه الجمعية. يا للعجب! والعجب كل العجب عندما تقول هذه الجمعية (س) وهي تعرِّف على نفسها كاشفةً أنها (تبذل الطاقات التي تهدف إلى خلخلة أنظمة القمع الجنسي والجندري وأدوات السيطرة على الجسد والجنسانية).

وهكذا — وفق هذا التعريف — يتحول فكرُنا وقيمُنا وثوابتُنا الإسلامية العروبية الفلسطينية إلى (أنظمةِ قمع) و(أدواتِ سيطرة).

وهكذا تتحول نعمة الزواج إلى قمع وسيطرة في حسابات هذه الجمعية (س).

وهكذا تتحول قيمُنا وما تحمله من معاني العفة والكرامة والطهارة والشرف والحلال إلى قمع وسيطرة في حسابات هذه الجمعية (س) ومن هو الذي يمارس هذا القمع والسيطرة في حسابات هذه الجمعية (س)؟

هو –وفق ما تقول هذه الجمعية (س) في أوراق تعريفها على نفسها– هو (… النظام الأبوي والرأسمالي إلى الاستعماري)!!.

أرأيتم أعجب من هذا الفكر؟ فهو يهاجم الرأسمالية من جهة، ويقتات من صناديقها المانحة، إذ إن الغالبية العظمى من الصناديق المانحة التي تقتات منها هذه الجمعية وغيرها هي صناديق مانحة رأسمالية.

وأنا شخصيًا لم أتعرف في هذه الأيام –حتى الآن– على صندوق مانح اشتراكي أو شيوعي.

ولذلك فالعجب كل العجب أن تجد حلف هذا الفكر النسوي المنحرف تفتخر بعضُ عضواتِه أنهنَّ ينتمين إلى فكرٍ اشتراكي أو شيوعي، ويُعلنَّ هجومَهُنَّ الفكري الدائم على الإمبراطورية الأمريكية الرأسمالية الاستعمارية

وفي الوقت نفسه فإن جمعياتِ هؤلاء العضوات يقتتن من صناديق مانحة أمريكية رأسمالية استعمارية، فكيف ذلك؟ أم أن هذا التناقض بين الانتماء الفكري والتلقي المالي من إسقاطات المادية الجدلية؟ ثم إن مصدر هذا الفكر النسوي المنحرف هو مصدر خارجي مستورد، وهذا ما تعترف به الجمعية (س) حيث تقول في سياق تعريفها عن نفسها أنها استقت فكرها من علاقاتها: (بحركات التحرر في أنحاء العالم)، فهو إذن فكر مستورد لا يمت إلى انتمائنا الإسلامي العروبي الفلسطيني بأية صلة، ويُصادم هذا الانتماء بنسبة مئة بالمئة.

ثم ما هو هدف هذا الفكر النسوي المنحرف؟ هو ما تقوله الجمعية (س) وهي تُعرّف على نفسها: (.. إحداث تغيير مجتمعي جذري عبر إعادة تشكيل البُنى القائمة التي تُكرّس القمع والإقصاء، وليس العمل على إحداث تعديلات طفيفة في الأنظمة المجتمعية القائمة…).

ما هي تبعات ذلك؟ من الواضح جدًا ووفق طَمع الجمعية (س)، أنها تريد (إحداث تغيير مجتمعي جذري) هذا يعني أنها تريد إلغاء نعمة الزواج وتفكيك نعمة الأسرة النابعة من نعمة الزواج، وتفكيك القيم الحافظة لنعمة الزواج ونعمة الأسرة ونعمة المجتمع ونعمة الأمة.

وهذا يعني عولمة انتمائنا الإسلامي العروبي الفلسطيني، وإسقاط فكر وقيم وثوابت هذا الانتماء التي تميّز هذا الانتماء، حتى يصبح هذا الانتماء الإسلامي العروبي الفلسطيني هلاميًا لا شكل له، بل لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وحتى يصبح لا فرق بينه وبين أي انتماء فضفاض هلامي في كل العالم، وهكذا سيتم إسقاط البعد الإسلامي العقدي و البعد العروبي القومي والبعد الفلسطيني الوطني عن هذا الانتماء.

وهكذا سيصبح وجود وعدم وجود هذا الانتماء سواء، ولا فرق إذا ما غاب أو حضر، وهكذا سيتم تذويب هذا الانتماء الإسلامي العروبي الفلسطيني وعولمة هذا الانتماء، وسيكون فكر وقيم وثوابت هذا الانتماء المعولم هو محتوى رأسمالي استعماري إباحي تابع من رأسه حتى أخمص قدميه إلى قوى الضغط الخفية والعلنية التي تطمع أن تقود العالم وفق قيم رأسمالية استعمارية إباحية. وبناء على السطور السابقة، فإن الفكر النسوي المنحرف يطمع في الخلاصة إلى إلغاء مصطلح الأب والأم والأبناء،

وإلى إلغاء مصطلح الأبوين، والذرية، والأنساب. ولو تفكّرَ هذا الفكرُ للحظةٍ واحدة لأدرك أنه لولا هذه القِيم التي يشنّ حربَه عليها ما وُلِدَت أي امرأة، أو أي جمعية نسوية تنتمي إلى هذا الفكر النسوي المنحرف. ولأدرك أنه في محتوى فكره فإنه يقود إلى انقراض البشرية، وبطبيعة الحال يقود إلى انقراض شيء اسمه الأمة المسلمة، أو العالم العربي، أو الشعب الفلسطيني.

وإني لأتساءل: هل يريد هذا الفكر النسوي المنحرف من وراء قوله: (… إعادة تشكيل البُنى القائمة) إلى بناء مجتمع جديد، لم تعرف له البشرية مثيلًا على مدار تاريخها الطويل؟

بحيث إن هذا المجتمع الجديد يقوم — بكل أفراده رجالًا ونساءً — على الشذوذ الجنسي، والتحول الجنسي، والتطرّف الجنسي، وبحيث إن هذا المجتمع سيبتدع له علاقات تقوم على هذا الشذوذ وسينحت له لغة تقوم على هذا الشذوذ، وسيبني له امتدادًا محليًا وعالميًا يقوم على هذا الشذوذ.

يا للعجب! هل سيحافظ هذا المجتمع على وجوده أصلًا أم سيؤول إلى الانقراض بعد بُرهة من الزمن؟ وهل بذلُ هذا الجهد لتشكيل هذا المجتمع هو السعيُ الباطني لاستنساخ مجتمع قوم لوط، الذي أرسل الله تعالى إليهم نبيَّ الله لوطًا، ودعاهم إلى الإيمان بالله تعالى وعبادته، وإلا فسيوقعون الانقراض على أنفسهم؟ فلمّا أبوا وكذّبوا نبيَّ الله لوطًا، وقالوا له ولأتباعه: (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهرون) وقع عليهم الانقراض بالمطلق، ولم ينجُ منهم أحد من عقوبة الانقراض التي أوقعها الله تعالى عليهم.

ثم العجب من هذا الفكر النسوي المنحرف الذي تؤدّي مآلاته إلى إلغاء وجود مصطلح الشعب الفلسطيني، أن يقول لنا — كما قالت جمعية (س) في تعريفها عن نفسها — أنها (تعتبر نفسها جزءًا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني أينما كان، وتلتزم بالتفاعل مع قضايا المجتمع وهمومه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

علاوة على هذا، تطمع (س) إلى العمل على نطاق فلسطين التاريخية دون الاعتراف بالحدود الاستعمارية). فيا عجبًا مرة بعد مرة، فهو الفكر النسوي المنحرف الذي يقتات على الصناديق المانحة الاستعمارية ويسعى في الوقت نفسه إلى القفز عن الحدود الاستعمارية، وهو الفكر النسوي المنحرف الذي يتبنى مقولات الرأسمالية منبع الاستعمار، وبات هذا الفكر يحاول ترويج مقولات مثل (المجتمعِ الذكوري) و(المجتمعِ الأبوي) و(الفكرِ النسوي) و(المثليّات) و(ثنائيّ الميول الجنسية) و(العابراتِ جندريّا) إلى آخره، ويسعى في الوقت نفسه إلى الدفاع عن ثقافة الشعب الفلسطيني. كيف ذلك؟

أم أن ثقافة الشعب الفلسطيني هي ثقافة استعماريّة؟ وهذا ما لا يقول به رجل أو امرأة. وهل قامت ثقافة الشعب الفلسطيني على مدار تاريخها الطويل على هذا الفكر النسوي المنحرف؟ أو على ذرّةٍ منه؟ إن تاريخ شعبنا الفلسطيني بقيمهِ وأدبه وشعره وأهازيجه وتراثه وعاداته ليس سرًا ولا غامضًا ولا باطنيًا، فهو معروف للقاصي والداني، وهو امتداد لانتمائنا الإسلامي العروبي.

وهذا الفكر النسوي المنحرف هو هجين على هذا الشعب الفلسطيني. وهذا الفكر النسوي المنحرف لا يقف عند حد ما قلت عنه في السطور السابقة، بل يسعى — كما تقول جمعية (س) عن نفسها — (تقويض النظام الأبوي الذكوري). وهكذا يدعو إلى إقصاء الآخر في الوقت الذي يَزْعُم فيه أنه يُظلَم من الإقصاء.

ثم يتناقض هذا الفكر النسوي المنحرف مع نفسه، ففي الوقت الذي دعا فيه إلى (تقويض النظام الأبوي الذكوري)، هو يعود ويقول إن من أهدافه (فتح حوار مجتمعي مسؤول حول الأنظمة القمعية المختلفة).

فلا أدري هل هو يريد أن يقمعَها أو أن يتحاور معها أو أن يتحاورَ حولها. يا للعجب. ثم إن هذا الفكر النسوي المنحرف يحمّل مجتمعنا الفلسطيني ما لم يحملهُ هذا المجتمع، وما لا يحتملهُ هذا المجتمع في يوم من الأيام، حيث تقول جمعية (س) — وهي تعرّف على نفسها — إنها تريد (مجتمعًا جذريًا نابعًا من خصوصية مجتمعنا الفلسطيني بمختلف فئاته).

نعم، هناك اختلاف في مجتمعنا الفلسطيني، قد يكون دينيًا وقد يكون سياسيًا، ولكن هذا المجتمع لم يحتضن في يوم من الأيام ظاهرة الشذوذ الجنسي والتحول الجنسي ويعتبرها أنها فئةً من ضمن فئاته المجتمعية. والقول بذلك هو تقولٌ على مجتمعنا الفلسطيني ما لم يقلهُ يومًا من الأيام.. يتبع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى