أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

استطلاع “المدينة” في الذكرى الـ 21 لهبة القدس والأقصى: غالبية ساحقة بين الشبان ترى أنه لا يتم إحياء الذكرى كما يليق بها

د. مهند مصطفى: لا بد من مراجعة جدية لمشروعنا السياسي

د. مهند مصطفى: لا بد من مراجعة جدية لمشروعنا السياسي

عائشة حجار، ساهر غزاوي

يُحيي فلسطينيو الداخل، السبت، الذكرى الـواحدة والعشرين لهبّة القدس والأقصى، والتي ارتقى فيها 13 شهيداً فلسطينياً من الداخل، خلال تظاهرات احتجاجية إثر اقتحام أرئيل شارون، بصفته زعيم المعارضة الإسرائيلية، في 28 سبتمبر/أيلول من عام 2000، المسجد الأقصى، بموافقة من رئيس الحكومة إيهود براك، على الرغم من تحذيرات أجهزة أمن الاحتلال من تبعات الخطوة، وتحت حراسة مشددة.

واضطرت حكومة باراك، على أثر سقوط الشهداء، إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية برئاسة القاضي ثيودور أور عرفت باسم “لجنة أور”، لكن اللجنة وإن أقرت بتوصياتها بسياسة العداء التي تحكم تعامل الشرطة الإسرائيلية مع المواطنين الفلسطينيين في الداخل، إلا أنها برأت ساحة المستوى السياسي، ووجهت بدلاً من ذلك إنذاراً إلى ثلاثة من القادة الفلسطينيين في الداخل، بزعم تحريضهم على العنف وهم رئيس بلدية ام الفحم في تلك الفترة الشيخ رائد صلاح، وعضو الكنيست عن حزب التجمع آنذاك عزمي بشارة، وعضو الكنيست عن القائمة العربية الموحدة آنذاك عبد المالك دهامشة.

ويظهر استطلاع أجرته صحيفة “المدينة” شارك فيه 206 من ابناء الداخل الفلسطيني، أنّ هبًة القدس والاقصى حاضرة في الوعي الفلسطيني بين من عايش الأحداث عام 2000 ومن ولد بعد ذلك العام. حيث قال أكثر من 72% من المشاركين أن أحداث الهبة أثرت على مسار حياتهم. كما ترى الأغلبية المطلقة أن ذكرى الهبًة لا يتم احياؤها كما يجب، حيث اجاب 100% من المشاركين الذين عايشوا الهبة أن ذكرى الهبة لا تحيى كما يجب، وأكثر من 80% ممن لم يعايشوها. اما عن مسؤولية إحياء الذكرى فقد اختار معظم المشاركين أكثر من جهة واحدة لتتوزع هذه المسؤولية بين لجنة المتابعة والحراكات الشبابية والأهالي بشكل شبه متساوٍ.

كما يظهر الاستطلاع أنّ المدارس هي الأقل حظًا في ان تكون مصدر التعريف بهبة القدس والأقصى بين اولئك الذين لم يعايشوا الحدث، وأن واحدًا من كل خمسة اشخاص لم يعايشوا هبة القدس والاقصى لا يعرف شيئًا عن الحدث أو يعرف تحت مسمى اخر.

وفي حديث مع الناشط الفحماوي، المحامي ابراهيم محاجنة، عقّب على نتائج الاستطلاع بقوله: “أرى أن هناك صلة مباشرة بين كل الأحداث التي عايشها شعبنا منذ النكبة وحتى الاحداث في أيار الأخير، فبين 1948 و2021 سلسلة من الاحداث لا نراها منفردة، بل هي سياسة اسرائيلية مستمرة في قمعنا. وفي المقابل رفض شعبنا لمحاولات اقتلاعه من جذوره. هبة القدس والأقصى ليست حدثًا منفردًا، بل حلقة في سلسلة الاضطهاد الاسرائيلي. والحراكات الشبابية جاءت بنهج يرفض انتزاع الاحداث من سياقها وإظهارها كأنها منتزعة السياق، بل نراها كرواية متكاملة لشعب يرفض نسيان هويته والتنازل عن ثوابته”.

حول اعتقاد المشاركين أن الحراكات الشبابية مسؤولة عن إحياء ذكرى الهبّة بشكل مشابه للجنة المتابعة قال محاجنة: “الناس يثقون بالحراكات الشبابية برأيي لأنها ليست حراكات محزبة، وهذا ما نسمعه من الشارع حيث يبرر الكثيرون دعم الحراكات الشبابية بكونها اجسامًا شعبية غير مأطرة في أي إطار سياسي يقيدها. وليس في هذا اي انتقاص من قيمة الأحزاب والقوى الموجودة، بل العكس، فلجنة المتابعة لها دور كبير في الحفاظ على الهوية الفلسطينية ولا بد من أن أشيد بدعم اللجنة الشعبية في ام الفحم لحراكنا منذ بدايته، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على اننا جميعًا نطمح لخدمة شعبنا كل من مركزه”.

 

لا بد من مراجعة جدية لمشروعنا السياسي

وقال مدير مركز مدى للدراسات التطبيقية د. مهند مصطفى في تعقيبه على نتائج الاستطلاع: “واضح انه كلما ابتعدنا عن هذا الحدث فإن الزخم لإحياء هذه الانتفاضة يتراجع ويتحول الى احياء فولكلوري تقليدي كما في كل عام. في اعتقادي أن هناك خيبة امل من إحياء الذكرى بسبب أن هذه الانتفاضة كانت حدثًا مهمًا في تاريخ الفلسطينيين ومع ذلك لا يتم احياء هذه الذكرى والذاكرة كما يجب”.

ووضّح د. مصطفى: “هناك نوعان من إحياء مثل هذا الحدث الذي يؤثر علينا حتى اليوم، فهناك احياء فولكلوري فيه زيارة اضرحة الشهداء واعطاء محاضرات، وهناك احياء من خلال مراجعة الاحداث سياسيًا وللخطاب والسلوك السياسي بناء على خلاصات الانتفاضة. الجانب الاول يحدث على الرغم من أن فيه قصورًا كبيرًا والجانب الثاني هو جانب مغيب وهو محاولة مراجعة برامجنا السياسية ومبادئنا الفكرية على ضوء ما حدث عام 2000. خاصة ونحن كفلسطينيين في الداخل نعيش حتى هذه اللحظة تداعيات عام 2000، فلم يحدث في تاريخ الفلسطينيين اي حدث سواء من طرفنا او من طرف الدولة يحدث قطيعة عن تداعيات عام 2000، حتى الأحداث التي حصلت في أيار العام الماضي لم تؤسس لمرحلة جديدة منفصلة عن عام 2000، لذلك هناك حاجة لإحياء ذكرى انتفاضة القدس والاقصى ليس كإحياء ذاكرة وليس كإحياء فولكلوري وحتى ليس للتذكير، وإنما من خلال مراجعات سياسية جدية على مستوى الاحزاب ولجنة المتابعة والسلوك والخطاب السياسي والعلاقة مع الدولة”.

د. مهند مصطفى
د. مهند مصطفى

وحول الجيل الذي لم يعايش الهبّة قال مصطفى: “هناك جيل كامل لم يعايش الانتفاضة وهذا الجيل لا يعلم شيئًا عن الانتفاضة واهميتها. فليس المهم فقط ان نقول له إنه كان هناك انتفاضة وشهداء وأحداث، بل أن نقوم بصياغة وعي هذا الجيل ليفهم ما هي الاسباب التي ادت الى اندلاع هذه الانتفاضة، وماذا حدث للفلسطينيين في سنوات التسعينات ما أدى الى اندلاع هذه الانتفاضة، وما معنى ذلك على مستوى البرنامج والخطاب السياسي. لذلك ليس المهم ان نحيي الذكرى وليس المهم أن نتذكر، فحتى التذكر ليس الجانب الاساسي في إحياء انتفاضة القدس والاقصى، الجانب الاساسي هو ماذا تعني هذه الانتفاضة وما هي أهم الدروس والخلاصات المستفادة منها على ضوء واقعنا السياسي الحالي، وعلى ضوء خطابنا السياسي الراهن ومشروعنا السياسي الراهن، هل ما زلنا مع ذات المشروع السياسي الذي انطلقت منه الانتفاضة واندلعت بسببه، أم أن هناك تراجعًا في الخطاب السياسي؟ هذه مهمة جميع مركبات المجتمع سواء الاحزاب أو لجنة المتابعة والنخب والمؤسسات، وحتى في البيت والمدارس والمكتبات والمقاهي الثقافية، فلا بد من مراجعة بعد 20 عامًا لمشروعنا السياسي، ولذلك قضية خيبة الامل الظاهرة في الاستطلاع نابعة من عدة أسباب، اولها الاحياء الفولكلوري الضعيف، ثانيًا عدم مراجعة الخطاب السياسي مراجعة جدية عشرين عامًا بعد الانتفاضة، وثالثًا ظهور جيل يعرف ان هذه الانتفاضة حدث تاريخي، فعندما يتحول حدث مؤسس له تداعيات الى مجرد حدث تاريخي فهذا بحد ذاته يدل على حالة الضعف السياسي بداخل المجتمع”.

 

مقاربات ومقارنات بين هبتّي القدس والأقصى والكرامة

بين عامي 2000 و2021 ثمة مقاربات في طبيعة صراع لا يمكن الفصل فيه بين الدين والقومية والجغرافيا. فبين ما جرى في “هبة القدس والأقصى” عام 2000 وبين “هبة الكرامة” التي اندلعت يوم الثامن والعشرين من شهر رمضان (10 أيار/مايو 2021) يرى محللون وخبراء تشابهًا لا يمكن تجاهله، حيث تجمعهما مركزية القدس والمسجد الأقصى بالصراع مع اختلاف بالأدوات المستخدمة وكيفية تطبيقها.

هبة القدس والأقصى عام 2000 انطلقت إثر اقتحام أرييل شارون حينها، للمسجد الأقصى. بينما في هبّة الكرامة عام 2021 اندلعت المواجهات على إثر اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى مرتين في صباح يوم 28 من شهر رمضان واعتدت على المصلين والمعتكفين وأوقعت أكثر 350 إصابة منهم بعد أن نجح الفلسطينيون بإفشال أكبر وأوسع اقتحام للمسجد الأقصى دعت إليه الجمعيات والجماعات الاستيطانية الحاخامية المتطرفة بمناسبة ما يسمى “يوم القدس”.

هبة القدس والأقصى عام 2000 شكّلت لحظة فارقة في تاريخ الفلسطينيين، خاصة في مناطق الـ 48، وجسّدت تعميق الوعي الوطني في صفوفهم، ووعيهم الذاتي والجمعي في تعزيز الهوية الفلسطينية، ولا سيما أنها اندلعت أساسًا لأسباب لا تتعلق بالمساواة المدنية، إنما بقضية تتعلق بالدين والقومية والجغرافيا ومركز محورها المسجد الأقصى المبارك. وكذلك هبة الكرامة بددت أوهام مشاريع الاندماج والأسرلة وما يسمى بـ “الحياة المشتركة” التي تسعى لسلخ مجتمعنا من هويته الدينية والقومية الوطنية، كما وبدت ملامح التغيير في صراع الوجود واضحة للعيان لخلق حالة من التلاحم والوحدة بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني وتحريك مشاعر الشعوب العربية والإسلامية في العديد من المدن العربية والعالمية بالخروج بالمظاهرات والاحتجاجات والمسيرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة والقدس والأقصى وبقية المناطق الفلسطينية.

هبة القدس والأقصى عام 2000 افضت الى اقامة لجنة أور بعد انتهاء أحداثها والتي وجهت الاتهام الى قيادات الجماهير العربية التي فقدت 13 من ابنائها، بينما في هبة الكرامة عام 2021 لم تنتظر السلطات الإسرائيلية انتهاء الأحداث لتشكل لجنة تحقيق، إنما شنّت حملاتها التحريضية مبكرًا واعتقلت القيادي الإسلامي البارز الشيخ كمال خطيب في مقدمة مئات المعتقلين من كافة أبناء المجتمع.

(نتائج استطلاع صحيفة “المدينة”)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى