كي لا ننسى…هكذا أعدمت المؤسسة الإسرائيلية أبناءنا في هبة القدس والأقصى عام 2000

في هذا التقرير تستدعي صحيفة “المدينة” أحداث هبة القدس والأقصى في الداخل الفلسطيني، أواخر أيلول/ سبتمبر وأوائل تشرين أول/ أكتوبر عام 2000، يوم قتلت المؤسسة الإسرائيلية، بدم بارد، 13 شابا من أبناء شعبنا، ارتقوا شهداء، وجرحت واعتقلت المئات، ثم لاحقت بعد ذلك الضحية وعملت على قمعه أو محاولة تهجينه أو “حقنه” بالرواية الإسرائيلية وخطاب الأسرلة.
نعيد سرد الأحداث حتى يعرف أبناؤنا حقيقة ما جرى وكيف تنظر إليهم المؤسسة الإسرائيلية، من أجل أن يحافظوا على حصانتهم ويعززوا وعيهم بالذاكرة والرواية الفلسطينية، التي تتحدث عن واحدة من الملاحم الكبرى التي خاضها شعبنا في صراعه مع الإسرائيلي على أرضنا المباركة.
الخميس: 28/9/2000
المصلون يتصدون لشارون خلال اقتحامه للمسجد الأقصى، ويمنعونه من الوصول الى المصلى المرواني، وقوات الاحتلال تعتدي على المصلين، ما أسفر عن جرحى وشهداء، ثم اندلاع مظاهرات ومواجهات في مختلف الأراضي الفلسطينية استمرت لنحو 5 سنوات فيما عرف بانتفاضة الأقصى.

الجمعة: 29/9/2000
بدأت الاخبار تتوارد عن سقوط الشهداء في الاقصى الشريف من الركع السجود، وشهود عيان يؤكدون ان قوات البطش الإسرائيلي، والشرطة والجيش وحرس الحدود تفتح النيران على المصلين في المسجد الاقصى وساحاته الشريفة هادفة ارتكاب مجزرة بين المصلين، وفي ظل هذه الانباء يترك الشيخ رائد صلاح، رئيس بلدية أم الفحم حينها، ورئيس الحركة الاسلامية، معسكر الوقف الاسلامي في اللد ويتوجه الى القدس الشريف للاطلاع عن كثب على ما ارتكبته قوات الاحتلال من تقتيل وإعدام للمصلين والآمنين، ويظل حتى ساعات متأخرة من الليل يتفقد احوال الجرحى والشهداء، وما بزغ فجر يوم السبت حتى تجاوز عدد الشهداء الخمسة عشر شهيدا، وعشرات الجرحى.
السبت: 30/9/2000
قوات القمع الإسرائيلية تقتل الطفل محمد الدرة في قطاع غزة، ووسائل الاعلام العالمية تتناقل بالصوت والصورة، مشهد إعدام الدرة، فيما يقوم شباب من طلاب المدرسة الثانوية كفركنا بالاحتجاج على سقوط الشهداء، من المصلين والركع السجود في ساحات الاقصى المبارك. صباح يوم السبت، لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، تعقد اجتماعا طارئا لبحث الاوضاع والمجزرة التي ارتكبتها الشرطة الإسرائيلية في ساحات المسجد الاقصى المبارك، وتتخذ العديد من القرارات، من بينها التظاهر ضد هذه المجازر وزيارة أسر الشهداء والجرحى في المستشفيات.
الأحد: 1/10/2000
مسيرات بالآلاف، من مختلف القرى تطوف القرى والمدن العربية، والجماهير الغاضبة تهتف: “بالروح بالدم نفديك يا اقصى”، “بالروح بالدم نفديك يا شهيد”، “الله أكبر ولله الحمد”.
تحوّل الغضب الجماهيري على المجزرة التي اركبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحام شارون ثم استشهاد الطفل محمد الدرة، إلى مواجهات مع الشرطة في العديد من البلدات العربية، وواجه المتظاهرون قوات القمع الإسرائيلية بصدورهم.
في أم الفحم خرجت أكبر المظاهرات، يوم الأحد 1/10/2002، شارك فيها عشرات الآلاف من ابناء ام الفحم، والقرى المجاورة، وانطلقت المظاهرة من منطقة مسجد ابي عبيدة الى الملعب البلدي القديم لأداء صلاة الغائب على أرواح الشهداء. ثم انطلقت المسيرة الغاضبة، تجوب شوارع المدينة منددة بالمجزرة ومرتكبيها وعلى رأس المسيرة الشيخ رائد صلاح، رئيس بلدية أم الفحم آنذاك، والمرحوم هاشم محاميد (كان حينها نائبا في الكنيست)، والقيادات السياسية في المدينة، وانتهت في ملعب كرة القدم القديم في حي الباطن غربي المدينة، حيث خطب الشيخ رائد، بالمتظاهرين مؤكدا: “ان هذه المسيرة لا تأتي تضامنا مع ما يجري في الضفة والقطاع، ذلك ان قضية الاقصى هي قضيتنا وقضية كل مسلم على وجه الارض”. في هذه الاثناء كانت الشرطة تحشد قواتها على مشارف المدينة وعلى الجبال المحيطة، فيما كانت ام الفحم تشهد هدوء ما قبل العاصفة لتشهد المدينة مواجهات لم تعرفها من قبل.
ونصرة للمسجد الأقصى والتحاما مع الكل الفلسطيني، ارتقى في أم الفحم في هذا اليوم، 3 شهداء، هم: الشهيد محمد أحمد جبارين والشهيد أحمد إبراهيم صيام، والشهيد مصلح أبو جراد وهو من سكان قطاع غزة وتواجد حينها في المدينة. هذا إلى جانب إصابة العشرات كان من بينهم الشيخ رائد صلاح رئيس بلدية أم الفحم وقد أصيب برصاصة مطاطية في جبينه.
كذلك شهدت قرية جت في الأول من تشرين أول عام 2000 مظاهرة حاشدة اعتدت عليها الشرطة وقوات البطش الإسرائيلية، واسفرت عن استشهاد رامي غزة والعديد من الإصابات.
الاثنين: 2/10/2000
حوّلت الشرطة وقوات الأمن الإسرائيلية البلدات العربية إلى ثكنات عسكرية مغلقة، تحسبا للغضب الجماهيري بعد استشهاد شبان أم الفحم وجت، وتواجدت الشرطة على مفارق الطرق في كافة البلدات العربية، والقناصة يتمترسون بمناطق حساسة.
وتدحرجت الأحداث سريعا واندلعت مظاهرات عارمة في كافة البلدات العربية في هذا اليوم (الاثنين 2/10/2000)، وواصلت الشرطة والوحدات الخاصة بطشها في: الناصرة وسخنين وعرابة ودير الأسد، والبعنة وشفاعمرو وكفر قاسم وكفر كنا وام الفحم، ليلتحق الاثنين، بقافلة شهداء، الأحد، الشهداء: أسيل عاصلة وعلاء نصار من عرابة، ووليد أبو صالح وعماد غنايم من سخنين، وإياد لوابنة من الناصرة.
كل هذا بالرغم من ان ممثلي لجنة المتابعة اجتمعوا صباح الاثنين، بوزير الشرطة والأمن الداخلي حينها، شلومو بن عامي، ووعدهم بسحب الشرطة، الأمر الذي لم يحدث. حتى منتصف ليلة الاثنين مساء استمرت المواجهات في كل انحاء الوسط العربي. واجتمعت لجنة المتابعة حتى ساعات متأخرة من ليلة الثلاثاء تنظر فيما آلت اليه الاوضاع، وبدأ واضحا من اجتماع اللجنة أن ثمة اصوات تطالب بموقف الاضراب واعادة الحياة لطبيعتها على الرغم من الدماء الزكية التي سالت، ومع فجر يوم الثلاثاء اتفقت اللجنة على دمج الرأيين: المطالب بالإضراب والرافض له فكان قرارها التوفيقي، حيث اصدرت قرارها فجر الثلاثاء بإعلان الاضراب (ما عدا المدارس) والمشاركة في تشييع جثامين الشهداء في الناصرة وسخنين وعرابة.
وهكذا انتهى يوم الاثنين بكوكبة طاهرة من الشهداء، قتلوا على يد قوات شرطة اليسار الاسرائيلي بزعامة البروفيسور (بن عامي) ورئيسه إيهود باراك!!
الثلاثاء: 3/10/2000
في يوم الثلاثاء شارك أكثر من (20) الفا من اهالي عرابة والقرى والمدن العربية، في تشييع جنازتي الشهيدين: علاء خالد منصور نصار (20 عاما) والطالب اسيل حسن عاصلة (18 عاما).
وخيّم الحزن والأسى على عرابة، وارتدت البلدة حلة سوداء، حدادا على الشهيدين، وبدأت منذ ساعات صباح ذاك اليوم، الوفود بالتقاطر من كل المدن والقرى العربية، الى بيتي العزاء لتقديم التعازي وللمشاركة في تشييع الجنازتين.
كما وصلت مسيرة حاشدة من دير حنا، ضمت الآلاف الذين كانوا في انتظار وصول الجثامين الى الشارع الرئيسي الذي يربط بين سخنين وديرحنا، وفي الثالثة بعد الظهر، انطلق موكب مهيب وجبار، تتفجر الجماهير المشاركة فيه غضبا، من بيت (اسيل عاصلة)، حيث سجي الجثمان وألقى الأهل والاصدقاء والمعارف النظرة الاخيرة عليه، وسار الموكب المهيب يتقدمه حمله الاكاليل وترددت الهتافات ((بالروح بالدم نفديك يا شهيد)) ، ((ويا شهيد ارتاح ارتاح واحنا حنكمل الكفاح)) ((ولا اله الا الله والشهيد حبيب الله))، ((بالروح بالدم نفديك يا اقصى))، وغيرها.
وسار الموكب المهيب حتى الساحة التي سجي فيها جثمان الشهيد (علاء)، ومن هناك انطلق الموكب المهيب الجبار الذي لم تشهد له عرابة مثيلا، فقد خرجت عن بكرة ابيها، من الطفل حتى الكهل، لتوديع شهيديها الغاليين.
منذ ساعات الصباح الباكر من يوم الثلاثاء، بدأت الجماهير بالتهافت جماعات، من كل حدب وصوب باتجاه مسجد السلام في الناصرة حيث سجي جثمان الشهيد (اياد لوابنة) (27 عاما).
وعلى الرغم من ان الشارع الرئيسي كان مغلقا بالاطارات والحجارة في عدد من الاماكن، الا ان اهالي المدينة قاموا بإزالة هذه الحواجز ليتسنى للضيوف القادمين من خارج المدينة بالوصول بدون عوائق للمشاركة في تشييع الجنازة.
وفي موكب مهيب اهتزت له القلوب والضمائر، انطلق موكب الشهيد من (مسجد السلام) باتجاه الشارع وسط هتافات “بالروح بالدم نفديك يا شهيد”، “بالروح بالدم نفديك يا اقصى”، وقد رفع المشيعون الاعلام السوداء والخضراء وعلم فلسطين.
وبعد تشييع الجنازة حدثت مواجهات عنيفة بين مئات من حي (الصفافرة وحي بلال)، بدأها الشبان بإلقاء الحجارة على الشارع الرئيسي حيث تدخلت الشرطة المعززة بوحدتها الخاصة وشرطة الجيش التي باشرت باطلاق النار بشكل عشوائي واسقطت عددا من المصابين الذين نقلوا الى مستشفيات الناصرة، كذلك تجددت المواجهات في منطقة (عين العذراء) بعد انتهاء مراسيم تشييع الجنازة عبّر الشبان عن غضبهم بحرق الاطارات في وسط الشارع واغلاق الطريق الرئيسي بينما تمركز قناصة الشرطة في بعض المواقع المرتفعة المحيطة بمنطقة العين واطلقوا الرصاص المطاطي على الشبان واصابوا عددا منهم بجروح.
شهيد كفر كنا: كان الشاب محمد خمايسي يبلغ من العمر 18 عامًا حين ارتقى شهيدًا في هبة القدس والأقصى عام 2000، باغته النار في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر من ذاك العام. مع استشهاد شبان أم الفحم وجت والناصرة وعرابة وسخنين، خرجت كفر كنا بجماهيرها للتظاهر والاحتجاج، يوم 03/10/2000، وتواصلت الاحتجاجات حتى ساعات المساء، وأطلقت الشرطة وقناصتها الرصاص الحي والمطاطي على المتظاهرين، ما أسفر عن إصابة الشهيد محمد خمايسي بجراح، ورغم أن الشهيد أصيب بفخذه لكنه أصيب بمضاعفات بسبب المواد السامة التي تواجدت بالرصاصة، وقرابة الساعة السادسة فجر يوم الأربعاء، زف شهيدا لاحقا بكوكبة الشهداء الآخرين خلال الهبة.
شهيد كفر مندا: في اليوم الثالث من المظاهرات، التي اجتاحت الداخل الفلسطيني، تواصلت الاحتجاجات كذلك في قرية كفر مندا، وتهيأ المواطنون في البلدة من أجل المشاركة في جنازات الشهداء بالبلدات المجاورة، وفوجئ الجميع بهجوم جديد نفذته الشرطة وتجددت المواجهات وكانت الأشرس منذ بداية المواجهات، في هذا اليوم جُرح أكثر من 70 شابا، استمرت المواجهات حتى صلاة المغرب وعندها توجه بعض المسنين وأعضاء من المجلس المحلي للشباب مطالبين بإنهاء المواجهات لأنهم شعروا أن حدثا جللا سوف يقع فتجاوب الشباب مع هذا الاقتراح شريطة أن تغادر الشرطة القرية، وتوجه ممثلون عن القرية نحو قوات الشرطة من أجل مطالبتها بمغادرة القرية، وما أن وصلوهم حتى اصطف أفراد الشرطة صفا واحدا وأطلقوا النار بكثافة على الشباب، ما أسفر عن استشهاد رامز بشناق.
الأحد 8/10/2002
في الثامن من تشرين أول 2000، اي بعد ايامٍ من ارتقاء آخر شهيد، ارتقى الشهيدان، عمر عكاوي، (42 عاما) ووسام يزبك (25 عاما)، في مجزرة بدأها مستوطنون يهود من مدينة “نتسيرت عليت” (نوف هجليل) في “ليلة الغفران”، بمهاجمة الحي الشرقي في مدينة الناصرة، وجاءت شرطة القمع لتكملها، فبدل ان تحمي المعتدى عليهم، اهالي الحي الشرقي في الناصرة، وقفت حاجزا منيعا فاصلا بين المعتدين اليهود والعرب المعتدى عليهم، وصبت وابل قنابلها الغازية، ورصاصها المطاطي، ثم رصاصها الحي باتجاه اهالي الناصرة العربية، فقتلت وبدم بارد الشهيدين (عمر ووسام)، وجرحت عشرات المواطنين الاخرين الذين هبوا للدفاع عن مدينتهم.




