استباقا لموجة لجوء محتملة من الشرق الأوسط.. كيف أغلقت أوروبا أبوابها؟
قبل اندلاع العدوان الإسرائيلي الأعنف منذ نحو عقدين على لبنان في 23 سبتمبر/ أيلول الجاري، بدأت أوروبا استعدادات حثيثة لإغلاق أبوابها أمام موجة لجوء محتملة، عبر وضع عراقيل لمنع وصول المهاجرين غير النظاميين، أو على الأقل تقليل أعدادهم.
ويعدّ لبنان الذي يطل على البحر المتوسط، ويبلغ عدد سكانه 5.2 ملايين نسمة، ويعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، واحدا من أعلى الدول في نسب اللاجئين مقارنة بالسكان، إذ يستضيف أكثر من 1.5 مليون لاجئ أغلبهم سوريون فروا من حرب ببلادهم في 2011.
ومنذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها “حزب الله”، مع الجيش الإسرائيلي، قصفا يوميا عبر الحدود البرية، أسفر عن مئات القتلى والجرحى في الجانب اللبناني.
وتطالب هذه الفصائل بإنهاء حرب إبادة تشنها إسرائيل بدعم أمريكي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، خلّفت أكثر من 137 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
نزوح يمهد للجوء
في 24 سبتمبر الجاري، قال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن عدد النازحين بسبب التصعيد الأخير في الجنوب، يقترب من نصف مليون نازح.
وفي اليوم نفسه، أوضحت إيتي هيغنز نائبة ممثل منظمة يونيسيف في لبنان، التي تحدثت من بيروت أمام جلسة للأمم المتحدة في جنيف، أن “النازحين الجدد، يضافون إلى 112 ألفا نزحوا بالفعل منذ أكتوبر الماضي”.
وخلال الإحاطة عينها، قال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين ماثيو سالتمارش، إن لبنان يعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، ويستضيف أكثر من 1.5 مليون لاجئ، كثير منهم قد يواجهون خطر النزوح مرة أخرى، وهو ما يشكل أزمة جديدة.
وفيما يبدو تخوّفا من تحول قضية النازحين إلى أزمة لجوء، حذر المجلس النرويجي للاجئين، في 23 سبتمبر الجاري، من تداعيات التصعيد لا سيما تزايد أعداد النازحين في لبنان الذي يعاني أزمات حادة ويستضيف مئات آلاف اللاجئين.
ومنذ أكتوبر الماضي، يشهد لبنان حركة نزوح متواصلة من الجنوب والشرق باتجاه بيروت وشمال البلاد، وبدأت الحكومة ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” فتح مراكز ومدارس لإيوائهم.
موجة لجوء جديدة
ما يرشح إمكانية حدوث موجة لجوء جديدة حال تصاعد الحرب، أن لبنان نفسه خرجت منه موجة مشابهة خلال حرب يوليو/ تموز 2006 مع إسرائيل، إذ فرّ حينها لبنانيون إلى سوريا، فيما توجه آخرون عبر البحر إلى أوروبا.
لكن وضع لبنان اليوم بات أكثر تعقيدا، إذ يعاني أوضاعا صعبة مستمرة منذ سنوات لا سيما تداعيات جائحة كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت عام 2020.
وما يكابده اللبنانيون يعانيه أيضا اللاجئون، لا سيما السوريين الذي كانوا يشتكون قبل توسع الحرب احتمالية إعادتهم إلى بلادهم قسرا.
ويرى مراقبون أن اللاجئين السوريين في لبنان هم الحلقة الأضعف التي قد تدفع ثمنا باهظا بسبب الحرب، فهم أمام خيارين إما العودة مع لبنانيين إلى سوريا وهو أمر مستبعد خاصة لمعارضي النظام، أو الهجرة بحرا إلى الدول الأوروبية.
ونتيجة للتوترات المتزايدة في لبنان وأوضاعه الاقتصادية الصعبة، زادت بالفعل أعداد المهاجرين غير النظاميين إلى جزيرة قبرص، أقرب الأراضي الأوروبية إلى لبنان.
فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2024، سجلت قبرص الرومية وحدها، وصول 2000 مهاجر غير نظامي عبر البحر المتوسط، مقابل 78 مهاجرا فقط خلال الفترة نفسها من 2023.
أوروبا تغلق أبوابها
عدوان إسرائيل على جنوب لبنان، يبدو أنه أثار مخاوف أوروبا من احتمالات وصول اللاجئين إليها، وذلك بالتزامن مع سيطرة اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين على حكومات دول عدة بالقارة.
وفي أول تصريحاته عقب تشكيل الحكومة الفرنسية، أعلن وزير الداخلية والهجرة الجديد برونو ريتايو، في 24 سبتمبر الجاري، تبنيه خطة عمل متشددة مع ملف اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين.
وقال ريتايو، لصحيفة “لو فيغارو” الفرنسية: “هدفي هو وضع حد للهجرة غير القانونية، وزيادة عمليات الترحيل، وخصوصا للمهاجرين غير النظاميين، لأنه ينبغي ألا يبقى في فرنسا من دخلها خلسة”.
وفي هولندا، أعلنت وزيرة الهجرة مارغولين فابر، في 18 سبتمبر الجاري، عبر منشور على منصة إكس، أن بلادها تقدمت بطلب إلى المفوضية الأوروبية للانسحاب من قواعد اللجوء الأوروبية.
وتُلزم هذه القواعد جميع الدول الأعضاء باتباع سياسة موحدة بشأن استقبال اللاجئين. وتنص “الاتفاقيات الدولية للبحث والإنقاذ” البحري للأمم المتحدة على مسؤولية الدول عن إنقاذ من يحتاجون المساعدة على مقربة من أراضيها.
وفي ألمانيا، بدأت الحكومة في 16 سبتمبر الجاري، فرض ضوابط مؤقتة على جميع الحدود البرية للبلاد، وذلك لـ”محاولة مواجهة الهجرة غير النظامية وحماية مواطنيها من التهديدات الإرهابية”.
وقالت الحكومة الألمانية إن الإجراءات “تشمل عمليات تفتيش ومراقبة عشوائية على كافة حدودها مع جيرانها”، وتعهدت بأن تجريها بسلاسة ودون اختناقات مرورية وبالتنسيق الوثيق مع دول الجوار.
أما في بريطانيا، فتوجه رئيس الوزراء كير ستارمر، في 16 سبتمبر الجاري، إلى روما للتنسيق بشأن ملف الهجرة غير النظامية، وبحث سبل الاستفادة من التجربة الإيطالية في التعامل مع المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط.
وخفضت الحكومة الإيطالية عدد المهاجرين غير النظاميين الواصلين إليها عبر قوارب في البحر المتوسط “60 بالمئة مقارنة بـ 2023″، وفق بيان لرئيسة الوزراء جورجيا ميلوني في يونيو/ حزيران الماضي.
وتسعى إيطاليا إلى إبقاء طالبي اللجوء الواصلين إليها عبر البحر المتوسط بمراكز احتجاز في ألبانيا خلال تقييم أوضاعهم، إضافة لتحسين أمن الحدود لدول شمال إفريقيا كتونس وليبيا عبر منحها مزيدا من المساعدات والصفقات.
الاتحاد استعد مبكرا
لكن يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد استعد مبكرا لموجة اللجوء المحتملة من لبنان، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة للبلد العربي، قبل أن تأتي الحرب على غزة وتشعل أوضاعه.
وقال المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة “ICMPD”، وهو منظمة دولية تضم 18 دولة معظمها أوروبية، إن “الصراع الأخير في غزة أدى إلى نشوء وضع إنساني خطير للغاية، وترك سكان القطاع في حالة يرثى لها”.
وأضاف المركز، في ورقة أصدرها في 4 أبريل/ نيسان الماضي، أنه من غير المرجح نزوح سكان غزة خارج القطاع وذلك بسبب عدم رغبتهم، إضافة لمخاوف جادة لدول الجوار (مصر) فيما يتعلق بعملية النزوح إليها.
لكنه بالمقابل، رجّح استمرار تداعيات الحرب الإسرائيلية على استقرار وآفاق اقتصاد دول الجوار، وبينها لبنان الذي يعاني أساسا وضعا اقتصاديا هشا وبيئة معادية للاجئين، ما قد يحفز تحركات اللبنانيين واللاجئين للهجرة.
وأشار المركز إلى أن جهود الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة تركز على شمال إفريقيا، رغم توقعات بأن يكون للتطورات المستقبلية في الشرق الأوسط، وخاصة في لبنان، تأثير مهم على آفاق الهجرة الإقليمية عام 2024.
وهو تحديدا ما فعله الاتحاد الأوروبي عقب أسابيع، ففي 2 مايو/ أيار الماضي، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تقديم مساعدات مالية للبنان بقيمة مليار يورو، للفترة بين 2023 و2027.
وعن أسباب المساعدات، أوضحت فون دير لاين، في بيان، أن “الدعم سيجرى تقديمه للجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى، على شكل معدات وتدريب لإدارة الحدود ومكافحة التهريب”.
وأضافت أن “الدعم المستمر من الاتحاد الأوروبي سيعزز الخدمات الأساسية مثل التعليم والحماية الاجتماعية والصحة للشعب اللبناني، كما أنه سيواكب الإصلاحات الاقتصادية والمالية والمصرفية الملحة”.
وعدّ مراقبون، مساعدات أوروبا محاولة لإبقاء اللاجئين في لبنان، لا سيما أن نحو 736 مليون يورو منها تهدف لرعاية اللاجئين، والمبلغ المتبقي حوالي 200 مليون يورو لمساعدة الدولة على تحسين مراقبة الحدود ومنع الهجرة.