أخبار رئيسيةالضفة وغزةتقارير ومقابلاتومضات

النازحة من “نور شمس” نهاية الجندي: شتاؤنا بلا تدفئة ولا أثاث ولا أمان

في صباح بارد من شتاء النزوح القسري، تجلس نهاية الجندي، الناشطة المجتمعية من مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة، في منزل مستأجر.

تحاول أن تستعيد تفاصيل بيتها الذي غادرته قسرا قبل نحو عام تحت وطأة عدوان عسكري إسرائيلي مستمر لإجبارهم على التهجير من منازلهم وأراضيهم.

ولا تتحدث، عن جدران وأثاث فحسب، بل أيضا عن حياة كاملة تركتها خلفها، وعن إحساس بالأمان لم يعد موجودا منذ خرجت من المخيم.

“نهاية”، التي نزحت مع زوجها وابنتها في 9 فبراير/ شباط الماضي، قالت إن الخروج من المخيم لم يكن مجرد انتقال اضطراري.

وأضافت: بل كان اقتلاعا مؤلما من الجذور، “ما عايشناه لا يمكن لأي شخص أن يفهمه إلا إذا جربه بنفسه”، ومعاناة النازحين لا تُختصر في صورة أو خبر عابر.

وبيتها في المخيم كان حصيلة عمر كامل من العمل والتعب والادخار، كما تابعت.

وأوضحت أنها اختارت الاكتفاء براتب بسيط لسنوات طويلة، فقط لتتمكن من بناء منزل يوفر لها ولعائلتها حياة مستقرة.

وأردفت: “كنت أعتقد أن هذا البيت هو مملكتي، حياتي الخاصة، المكان الذي أعود إليه مهما تعبت”.

لكن في لحظة وجدت نفسها خارجه دون أن تحمل معها سوى قليل من الملابس.

وقالت: “لم يبقَ معي شيء، لا أثاث، لا ذهب، لا مدخرات، ولا حتى خاتم في يدي. كل ما جمعته على مدى سنوات ضاع تحت ركام البيت المدمّر”.

وعلى الرغم من أن أسرتها مكونة من ثلاثة أفراد فقط، فإن “نهاية” شددت على أن النزوح كان قاسيًا بكل تفاصيله.

ومستنكرة تساءلت: “أنا امرأة قادرة على الحركة، وزوجي معي، ومع ذلك عانيت، فكيف حال عائلات لديها خمسة أو ستة أفراد، أو فيها مرضى أو كبار سن؟”.

ومنذ 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، يواصل الجيش الإسرائيلي عدوانا شمالي الضفة، بدأه بمخيم جنين ثم انتقل لمخيمي طولكرم ونور شمس، وأسفر عن تدمير آلاف المنازل وتهجير أكثر من 50 ألف فلسطيني.

بلا مقومات حياة
اليوم تعيش “نهاية” في منزل قديم استأجرته في إحدى القرى، ويفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.

وقالت إن البيت غير صالح للسكن من حيث البنية والخدمات، لكنهم اضطروا إلى قبوله لعدم وجود بدائل.

وتابعت: “دخلنا الشتاء ونحن بلا تدفئة حقيقية، وبلا أثاث، وبلا شعور بالأمان”.

أبسط تفاصيل الحياة اليومية تحولت إلى معاناة مستمرة، فإعداد الطعام وغسل الملابس والاستحمام وحتى النوم، باتت جميعها تحديات يومية، كما أضافت.

وأردفت: “أغسل الملابس وأتركها أربعة أو خمسة أيام حتى تجف، لأنني لا أملك نشّافة ولا وسيلة تدفئة”.

واعتبرت أن فقدان الأدوات المنزلية البسيطة كان مؤلما بقدر فقدان الأثاث الكبير.

وزادت: “حتى المبشرة، السكين، أدوات الطبخ، كل شيء فقدناه”، وهذه التفاصيل الصغيرة هي ما يصنع الإحساس بالبيت.

ولا تخفي “نهاية” معاناتها الصحية ومعاناة زوجها، موضحة أن ظروف السكن الجديدة فاقمت أوضاعهما.

وأكملت: “كنا في بيتنا ننام بطمأنينة، اليوم النوم متقطع، والبرد قاسٍ”.

وتتوقف الأم عند معاناة ابنتها، الطالبة في الصف التاسع، التي فقدت غرفتها الخاصة وكل مقتنياتها.

“كانت لها غرفتها، سريرها، كتبها، أشياؤها الخاصة.. اليوم تنام على الأرض”، بحسب “نهاية”.

واستطردت أنها تحاول إقناعها بأن هذا وضع مؤقت، رغم عدم وضوح الأفق.

ومنذ أن بدأت حرب الإبادة بقطاع غزة في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كثفت إسرائيل جرائمها تمهيدا لضم الضفة الغربية المحتلة رسميا إليها، وبينها هدم منازل وتهجير فلسطينيين وتوسيع البناء الاستيطاني.

تدمير إسرائيلي
أما بيتها المدمر في مخيم “نور شمس”، فلم تتمكن “نهاية” من دخوله منذ لحظة النزوح، قائلة: “منذ 9 شباط لم أفتح باب بيتي”.

وقالت إنها تلقت صورا من جيران تمكنوا من الوصول إلى الحي، أظهرت حجم الدمار.

وأوضحت أن “البيت مكسّر بالكامل، الأثاث محطّم، الخزائن مقلوبة، والثلاجة مثقوبة بالرصاص”.

وأضافت أن أوراقها الرسمية ومقتنيات ابنتها وغرف النوم كلها دُمّرت.

وبصوت يختلط فيه الغضب بالحزن، أضافت أن “كل زاوية في البيت تحمل ذكرى، واليوم كل هذه الذكريات مكسورة”.

ولم تنس “نهاية” الحديث عن الحديقة الصغيرة أمام منزلها، حيث زرعت شجرتي ليمون وزيتون.

وقالت: “كانت شجرة للبيت وشجرة للناس، يستفيد منها الجيران”.. الأشجار اليوم يابسة، لم تُقطف ثمارها لموسمين متتاليين.

تهجير متكرر
“نهاية” توقفت عند معاناة والدتها المسنّة، التي تجاوزت مئة عام، وعاشت النكبة الأولى عام 1948.

وقالت: “أمي نزحت من قبل، واليوم تُهجّر مرة أخرى”، وهذا المشهد يعيد للأذهان ذاكرة اللجوء الأولى بكل قسوتها.

وترى “نهاية” أن ما يجري في “نور شمس” يتجاوز كونه تدميرًا للبيوت، ليصل إلى تدمير الكرامة والخصوصية والإنسان نفسه.

وشددت على أن “التعليم تضرر، الصحة تضررت، حتى اللعب عند الأطفال تضرر”.

وتحدثت عن غياب التكافل المؤسسي، خاصة في مشاهد النزوح الأولى.

ومتسائلة عن دور المؤسسات الإغاثية، قالت: “لم تكن هناك شاحنات تنقل أغراض الناس، والعائلات الفقيرة تُركت لمصيرها”.

وشددت على أن معظم العائلات المتضررة لا علاقة لها بأي نشاط مسلح، وما يجري هو عقاب جماعي بحق المخيم وسكانه.

وأضافت أن “المخيم عوقب بكل تفاصيله: بيوته، شوارعه، مدارسه، مؤسساته”.

“نهاية” قالت إنها تمثل حالة واحدة فقط من مئات الحالات المشابهة.

وتابعت: “هناك نساء لا يستطعن الكلام، يخجلن أو ينكسرن، لكن معاناتهن أكبر”.

وختمت بدعوة المؤسسات الإنسانية إلى زيارة النازحين والاطلاع على واقعهم عن قرب، قبل أن يتحول النزوح المؤقت إلى واقع دائم يهدد مستقبل أجيال كاملة.

المصدر: الأناضول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى