أخبار رئيسيةالضفة وغزة

تكرار العمليات العسكرية في غزة: استنزاف ميداني وفشل استخباري

أعادت العمليات العسكرية في غزة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق بالقطاع سبق وأن عمل فيها برّيًا، في إطار حربه المتواصلة للشهر الثامن على التوالي من دون أي أفق لقرب انتهائها، التساؤلات حول استراتيجيته للحرب، وتداعياتها على المشهد الميداني، لاسيما مع فشل كل محاولات الوسطاء إلى حدّ الآن للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب.

وخلال الشهر الأخير من الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ عمليات عسكرية في مناطق عدة في قطاع غزة، زعم سابقًا أنه قضى فيها على التشكيلات العسكرية لكتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، خلال العمليات البرّية في المرة الأولى. ومع تنفيذ عمليات عدة في جباليا شمالي القطاع، والزيتون شرق مدينة غزة، ومناطق بيت لاهيا وبيت حانون، ومنطقة مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة، يواجه الاحتلال انتقادات عدة على الصعيد الداخلي بفعل المقاومة الشرسة التي واجهها جنوده. في المقابل، تطرح ضراوة العمليات العسكرية في غزة التي تتم في هذه المناطق للمرة الثانية، تساؤلات تتمثل في دوافع الاحتلال الميدانية من العودة إلى مناطق سبق وأن عمل فيها وانعكاسات هذه العمليات على استدامة الحرب.

ويبدو المستوى السياسي الإسرائيلي متمثلًا في رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو معنيًا باستمرار الحرب، لا سيما في ضوء عدم وجود تصور لليوم التالي للحرب على غزة وحالة الانشقاق المتصاعدة في الائتلاف الحكومي. في المقابل، تبدو المقاومة الفلسطينية متفطنة لاستمرار الحرب فترات طويلة، وهو ما يجعلها في كثير من الأحيان تقاتل باستراتيجية الدفاع البطيء القائمة على عدم استخدام كافة الأسلحة الميدانية في ظل استمرار الحرب فترة طويلة.

وإلى جانب هذا الأمر، شهدت المعارك في الجولة الثانية في جميع مناطق العمليات العسكرية في غزة تغيرًا في التكتيك العسكري للمقاومة، يستند إلى حالة الاستنزاف في صفوف جنود الاحتلال والعمل من المناطق المدمرة أو حتى شبكات الأنفاق.

في الوقت ذاته، فإن المقاومة عمومًا وكتائب القسام خصوصًا، باتت تسير باستراتيجية حرب الاستنزاف، وهو ما عبّر عنه المتحدث العسكري للقسام أبو عبيدة في خطابه الأخير، والذي جدّد فيه جاهزيتهم لحرب استنزاف طويلة جدًا.

العمليات العسكرية في غزة تدخل مرحلة ثالثة
وبرأي مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الإستراتيجية الفلسطيني، أحمد الطناني، فإن الاحتلال يستهدف مناطق القطاع بعمليات عسكرية مركزة على جولات كجزء من نمط العمليات الموجود ضمن استراتيجية المرحلة الثالثة من الحرب الذي أعلن جيش الاحتلال بدء العمل فيها. وفي سياقها بحسب قوله، جاءت عملية إعادة التموضع الواسعة لجيش الاحتلال خارج المناطق المأهولة وتسريح جزء من وحدات الاحتياط.

وأوضح الطناني، أن صلب أهداف العمليات العسكرية في غزة للمرحلة الثالثة، يكمن في الاستنزاف الأقصى لقدرات المقاومة من جانب، ومن جانب آخر تثبيت مبدأ حرّية الحركة لجيش الاحتلال، وهو ما يسمح بتنفيذ عمليات “المطاردة الساخنة” لقيادات وكوادر المقاومة الفلسطينية. وفي صلبه أيضًا، بحسب شرحه، تأكيد إمكانية فرض جيش الاحتلال لسيطرته الأمنية على القطاع حتى دون تواجد جيش الاحتلال على الأرض في الأحياء والمدن، بل الحفاظ على حرية الحركة للجيش وقتما استدعت الحاجة العملياتية لذلك.

لكن الطناني اعتبر أن واقع الأمر مغاير تمامًا، فرهان الاحتلال بعد ما يقارب الثمانية أشهر على استنزاف قدرات المقاومة التسليحية، وتفكيك البنية الرئيسية للمقاومة في المناطق التي نفّذ فيها عدوانًا واسعًا خلال المراحل الأولى من الحرب وتحويل عمليات المرحلة الثالثة إلى “ملاحقة لجيوب المقاومة المتبقية”، بات واضحًا أنه رهان بعيد كل البعد عن التحقق وفق المعطيات الميدانية.

المقاومة أكثر شراسة
وأشار مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، إلى أن كل عمليات الاقتحام المستجدة لمناطق سبق أن أنهى جيش الاحتلال عملياته العسكرية فيها، جوبهت بمقاومة أكثر تماسكًا وشراسة واستبسال، حتى من المقاومة في المراحل الأولى للحرب. وبرأيه، فإن ذلك يعطي إشعارًا حول الآلية الدفاعية التي اعتمدتها المقاومة وارتكازها إلى تكتيكات “حرب المدن” التي لا تعمل وفق استراتيجية الخطوط الدفاعية ومحاولة منع الجيش من التقدم، بل تعمد إلى حفظ قدراتها وإدارة مواردها بشكل ذكي يسمح لعقده القتالية بتوجيه ضربات مباغتة للقوات المتوغلة واستنزافها طوال فترة تواجدها على الأرض، وهو ما يسمح للمقاومة بالحفاظ على سلامة البنية والموارد والبنية التحتية، بحسب قوله.

ولفت الطناني إلى أن الاحتلال يستهدف في اقتحاماته للمناطق المستهدفة ما استجد في بنك أهدافه خلال فترة الانسحاب، إذ يرصد الاحتلال عن كثب تحركات المقاومة في هذه المناطق وعمليات ترميم البنى التحتية وترتيب الصفوف وتجاوز أثر الضربات. ونوّه إلى أن التصدي الكبير والواسع للمقاومة يهدف بدرجة أساسية إلى تحويل كل عملية اجتياح جديدة لمناطق القطاع إلى مقتلة لجيش الاحتلال وبالتالي إفشال سعي الاحتلال إلى تثبيت مبدأ حرية الحركة، وتحويل هذا المبدأ إلى عنوان استنزاف لجيش الاحتلال وآلياته ورفع كلفة هذا التقدم قدر الإمكان، وبالتالي إسقاط هذا الخيار من مستقبل خطط جيش الاحتلال للبقاء في القطاع.

من جهته، رأى الخبير العسكري واللواء الفلسطيني المتقاعد واصف عريقات، أن عودة العمليات العسكرية في غزة بمناطق عدة سبق أن شهدت عمليات وقتالًا في السابق، تعني فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه من العمليات البرّية السابقة. ولفت عريقات، إلى أن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت تعهد قبل أربعة أشهر بالقضاء على الأذرع العسكرية للمقاومة الفلسطينية وحلّ كتائبها وتطبيق خطة أمنية في القطاع. لكنه أشار إلى أن الميدان أثبت بعد مرور ثمانية أشهر فشل الخطط العسكرية للاحتلال وفشل العمليات العسكرية في غزة فيما باتت المقاومة تتبع تكتيكات جديدة في القتال تعمل من خلالها على جرّ جيش الاحتلال إلى حرب استنزاف طويلة توجه من خلالها ضربات موجعة لوحداته القتالية.

ووفقًا لعريقات، فإن المقاومة تتبع استراتيجية تشتيت الجهد في المرحلة الحالية، وهو أمر يتضح في محور القتال برفح أو جباليا والزيتون، وهو ما يُمكّن المقاومة من توجيه ضربات قاتلة لجنود الاحتلال في ظلّ المشهد الميداني. وأعرب عن اعتقاده بأن المشهد الحالي يعكس حالة الوهم لدى المؤسسة العسكرية والأمنية لجيش الاحتلال بعد هجوم السابع من أكتوبر، حيث إن الاحتلال كان يراهن خلال الفترة الماضية على نفاد قدرات المقاومة، وهو ما لم يتحقق.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى