أخبار رئيسيةعرب ودولي

أميركا وإيران في سورية… مناوشات ورغبة بتفادي الأسوأ

يسود الترقب أقصى الشرق السوري، الذي شهد، الخميس والجمعة الماضيين، تصعيداً هو الأعنف بين أميركا من جهة وبين مليشيات تابعة إلى إيران، سقط خلاله قتلى ومصابون من الطرفين، في مؤشر واضح على تأزم العلاقة بين واشنطن وطهران الحريصتين كما يبدو على إبقاء التصعيد، الذي تواصل لمدة 3 أيام، ضمن نطاق محدود، على الرغم من تبادل التهديدات بينهما.

وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، في أوتاوا مساء الجمعة الماضي، أنّ “الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران”. وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، قال بايدن: “لا تخطئنّ الظنّ، الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنها مستعدّة للعمل بقوة لحماية شعبها”.

وكان البنتاغون أعلن، أول من أمس، أن هجوماً بطائرة مسيّرة “إيرانية المنشأ” الخميس الماضي على موقع عسكري أميركي قرب الحسكة في شمال شرق سورية، أسفر عن مقتل متعاقد أميركي وإصابة آخر وخمسة جنود.

وذكرت وكالة “أسوشييتد برس” أن الطائرة من دون طيار الانتحارية حلقت على ارتفاع منخفض فوق سياج داخل القاعدة، وضربت منشأة صيانة حيث كانت القوات الأميركية والمقاولون يعملون.

وأعلن الجيش الأميركي أنه أرسل الجرحى إلى العراق لتلقي العلاج. وقالت المتحدثة باسم القيادة المركزية الأميركية، أبيغيل هاموك، في بيان أمس السبت، إن حالة الجنود الستة المصابين في الهجمات مستقرة، وعاد اثنان منهم إلى العمل. وأوضحت أن جندياً ومقاولاً تم علاجهم في بغداد، في حين يجري معالجة جنديين آخرين في أربيل. وأضافت هاموك أن أولئك الذين عولجوا في بغداد سيتم إرسالهم إلى الولايات المتحدة قريباً لمتابعة وضعهم الصحي، مؤكدة أن الهجوم نفذته جماعات مدعومة من إيران.

وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس السبت، أن عدد قتلى الضربات الجوية الأميركية على مواقع مليشيات تابعة لإيران في محافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري ارتفع إلى 19 عنصراً. وذكر أن الغارات الجوية الأميركية أدت إلى مقتل ثلاثة من القوات السورية و11 مقاتلاً سورياً من المليشيات الداعمة للنظام، وخمسة مقاتلين غير سوريين.

وكان الطيران الأميركي شن فجر الجمعة الماضي غارات على مواقع للمليشيات في مركز الحبوب والتنمية الريفية، ضمن حي هرابش، وسط مدينة دير الزور، وموقع آخر في محيط شارع بور سعيد، وسط دير الزور، ونقطة حراسة في بادية الميادين، شرق محافظة دير الزور، شرق البلاد، وبادية مدينة البوكمال الواقعة على الحدود السورية – العراقية.

المليشيات تهدد الأميركيين

وكان ما يسمّى “المركز الاستشاري الإيراني” في سورية أكد، في بيان أمس السبت، أن الضربات الجوية الأميركية خلفت عدة قتلى وجرحى في صفوف المليشيات التابعة لطهران جنوب نهر الفرات شرقي سورية.

وحذر “المركز الاستشاري الإيراني” الولايات المتحدة من تنفيذ مزيد من الضربات، وخلاف ذلك “سيتعين علينا الانتقام”، معتبراً أنه “لن يكون انتقاماً بسيطاً”.

وشدد على أن لديه “اليد الطولى” للرد على أي ضربات أميركية أخرى على مواقعه، قائلاً: “لدينا القدرة على الرد في حال تم استهداف مراكزنا وقواتنا على الأراضي السورية”.

وذكر أن الغارات الجوية الأميركية “استهدفت أماكن تستخدم لتخزين المنتجات الغذائية ومراكز خدمة أخرى في دير الزور”، مشيراً إلى مقتل سبعة أشخاص وإصابة سبعة آخرين، دون ذكر جنسيات القتلى. وقال مسؤول في جماعة مدعومة من إيران في العراق، لوكالة “أسوشييتد برس”، إن الضربات قتلت سبعة إيرانيين.

في موازاة ذلك، نفى المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كيوان خسروي، أي دور لإيران باستهداف منشآت أميركية في سورية، قائلاً لوكالة “نورنيوز”: “لا تنفك أميركا تسعى للتملّص من تبعات وتداعيات احتلالها غير القانوني لجزء من الأراضي السورية على القوات العسكرية لهذا البلد، ومحاولة توجيه اتهامات لإيران لا صحّة لها”.

واعتبر أنه “لا يمكن لواشنطن أن تنسب المواجهة الطبيعية والقانونية للدول المحتلة مع القوات العسكرية الأميركية إلى دول أخرى من خلال خلق أزمات مصطنعة ومفبركة”. وأشار إلى أن “أي مُسوّغ لاستهداف القواعد التي تم إنشاؤها بناءً على طلب الحكومة السورية للتصدّي للإرهاب وعناصر داعش الارهابي في هذا البلد، سيقابل بردّ مضاد وحاسم”.

واتهم في المقابل مروحيات أميركية بأنها نفذت “في اليومين الماضيين عدة طلعات جوية بهدف زعزعة الاستقرار في سورية وأقدمت على نقل إرهابيي داعش داخل الأراضي السورية، وهو ما يستدعي ردّا صارماً”.

وبحسب شبكات إخبارية محلية، فقد وسّعت المليشيات نطاق استهدافها للمواقع الأميركية في ريف دير الزور، حيث أطلقت صواريخ فجر أمس السبت على قاعدة “العمر”، أكبر قواعد التحالف الدولي في سورية، والواقعة شمال نهر الفرات ضمن ما بات يعرف اصطلاحاً بـ”شرقي الفرات”.

وكانت المليشيات التابعة إلى إيران استهدفت بالصواريخ، مساء الجمعة الماضي، حقل كونيكو للغاز، الذي يتخذ منه التحالف الدولي و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدعومة منه، مركز تدريب.

ووفقاً لمسؤولين أميركيين، لوكالة “أسوشييتد برس”، فإن الهجوم على حقل كونيكو للغاز، أدى إلى إصابة جندي أميركي، لكنه في حالة مستقرة. كما تم إطلاق عدة طائرات من دون طيار على “القرية الخضراء” (حقل العمر)، في محافظة دير الزور. وقال أحد المسؤولين إن جميع الطائرات بدون طيار أسقطت باستثناء واحدة، ولم تقع إصابات أميركية هناك.

وفي السياق، ذكرت شبكة “نهر ميديا”، أمس السبت، أن مناطق سيطرة المليشيات التابعة لإيران في عموم محافظة دير الزور شهدت الجمعة الماضي عمليات إخلاء لمقرات، واستنفارا، خوفاً من استهدافها من الطيران الأميركي.

وتشهد محافظة دير الزور منذ سيطرة المليشيات على الجانب الواقع جنوب نهر الفرات أواخر عام 2017 عقب طرد تنظيم “داعش” منه، توتراً وتصعيداً بينها وبين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، كلما تأزمت العلاقة بين واشنطن وطهران حول ملفات “ساخنة” في الشرق الأوسط.

وكان الطيران الأميركي هاجم منتصف العام الماضي تسعة مخابئ ضمن مجمع يستخدم لتخزين الذخيرة ولأغراض لوجستية، تابع للمليشيات الإيرانية. وهاجم الطيران الأميركي خلال السنوات الماضية مرات عديدة مواقع وقواعد تابعة لطهران في ريف دير الزور الشرقي الذي بات منطقة نفوذ إيرانية خالصة جنوب نهر الفرات.

وتخلو المنطقة من أي وجود مهم لقوات النظام السوري الذي تخلى حتى عن السيطرة الرمزية عن جلّ ريف دير الزور الشرقي لصالح المليشيات الإيرانية، التي تولي هذا الريف أهمية كونه محطة مهمة في ممر بري يبدأ من طهران وينتهي على ساحل البحر المتوسط.

ويتشاطر الأميركيون والإيرانيون السيطرة على ريف دير الزور الشرقي، إذ تسيطر المليشيات الإيرانية على المنطقة الواقعة جنوب نهر الفرات، والمعروفة محلياً بـ”الشامية”، بينما يسيطر الأميركيون عن طريق “قوات سوريا الديمقراطية” على شمال النهر، أو ما يُعرف محلياً بـ”الجزيرة”.

ضربات موجعة لإيران

وأشار المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في تصريحات صحفية، إلى أن إيران “تلقت مؤخراً ضربات موجعة عندما قُصف مطار حلب، وخروجه عن الخدمة أكثر من مرة، مثلما تلقت ضربات في دمشق وريف حماة”. وقال إن “طهران تعتبر نفسها جزءاً من تحالف روسي صيني، وتستغل ذلك للقيام بهجمات انتقامية ضد الأميركيين”.

وأعرب عن اعتقاده أن التوتر “سيظل ضمن الأراضي السورية، ولن يصل إلى هجمات داخل إيران”، مضيفاً: واشنطن منشغلة بالتحدي الصيني والروسي عن إيران، لذا تتعامل مع الهجمات الإيرانية بشكل تكتيكي، ولا تبني استراتيجية مواجهة مفتوحة.

وكانت المليشيات التابعة لإيران تحرص سابقاً، في كل رد على الهجمات الأميركية، على عدم وقوع قتلى ومصابين بين جنود التحالف الدولي، إلا أن هجوم الخميس الماضي أدى إلى مقتل متعاقد أميركي وإصابة جنود، وهو ما استدعى رداً من واشنطن يتوقع أن يمتد إلى مواقع أخرى للمليشيات في حال استمرار الأخيرة في التصعيد.

وتقع قاعدة التنف، التي أنشأها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2014، على بعد 22 كيلومتراً من الحدود السورية – الأردنية – العراقية، وهي تعد من أهم القواعد العسكرية للتحالف الدولي في سورية. ورسم التحالف الدولي حدود منطقة محرمة على قوات النظام والمليشيات التابعة إلى إيران بنطاق 55 كيلومتراً حول القاعدة، يقطن فيها سكان محليون، إضافة إلى آلاف المهجرين يقيمون في مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية.

وينتشر 900 جندي أميركي ضمن قوات التحالف في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إلى جانب عدد غير معلن من المتعاقدين، وهم موجودون في قواعد عدة في محافظة الحسكة (شمال شرق سورية) والرقة (شمال) ودير الزور (شرق). كما تتحرك قوات العمليات الخاصة الأميركية داخل البلاد وخارجها، لكنها عادة ما تكون في فرق صغيرة، ولا يتم تضمينها في الإحصاء الرسمي.

وتتعرّض قواعد للتحالف والقوات الأميركية بشكل دائم للاستهداف عبر طائرات مسيّرة وصواريخ، تقف خلفها مجموعات موالية لطهران حيناً وخلايا تابعة إلى تنظيم “داعش” حيناً آخر. وذكرت وكالة “أسوشييتد برس” أن تزايد النفوذ الإيراني والمليشيات في جميع أنحاء المنطقة يشكل مصدر قلق أمني للولايات المتحدة، فيما يصعب وجود القوات الأميركية في سورية على إيران نقل الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان، إذ إن قاعدة التنف وحقل العمر يقعان على طرق رئيسية لمرور الأسلحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى