أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

استقبال أوردغان لهرتسوغ..  والحذر من اللعب على التناقضات

ساهر غزاوي

من الصحيّ جدًا أن ينشغل الرأي العام في الساحتين العربية والإسلامية على وجه الخصوص في منصات التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت ومختلف وسائل الإعلام في الزيارة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي لتركيا واستقباله من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مستوى عالٍ من الحفاوة وما تنطوي عليه من رموز وطقوس، وذلك إلى جانب مشهد العلم الإسرائيلي المرفوع في القصر الرئاسي بصورة مستفزة و”صادمة سياسيا”، كما عبرّت عن ذلك باستياء العديد من شعوب الأمتين العربية والإسلامية.

أقول من الصحيّ جدًا، لأن هذا الاستياء يدل على حيوية شعوب هذه الأمة وارتباطها في القضية الفلسطينية العادلة من منظور إسلامي وعروبي وما تحمله من أبعاد دينية وسياسية وثقافية وحضارية، كما لا يفوتنا في هذا السياق أن نشير إلى أن هذا الاستياء الشعبي العارم من هذه الزيارة والاستقبال لم يغب عن القواعد الشعبية للرئيس أوردغان في تركيا نفسها، فقد شهدت أنقرة وإسطنبول وبلدات تركية أخرى وقفات احتجاجية ومظاهرات غاضبة تم من خلالها حرق العلم الإسرائيلي في تركيا.

السؤال؛ هل هذا الاستياء والغضب العارمين من هذه الزيارة والاستقبال كان سيشغل الرأي العام في الساحتين العربية والإسلامية بهذه الحرارة العالية وبهذا المستوى من التنديد والرفض لو أن عبد الله بن الحسين ملك الأردن أو السيسي زعيم الانقلاب الدموي في مصر استقبلا الرئيس هرتسوغ أو أي مسؤول رسمي إسرائيلي آخر؟ باعتقادي أن الجواب سيكون لا، مع أن الأردن ومصر تقيمان علاقات تطبيع مع إسرائيل منذ زمن طويل وفي هذه البلدين تحديدًا يوجد شعوب عربية وإسلامية حيّة إلى اليوم لا تزال ترفض تطبيع العلاقات وتعتبرها خطيئة سياسية لا تغتفر.

يقودنا هذا الحديث إلى حقيقة نظرة الشعوب العربية والإسلامية إلى تركيا الحديثة في هذه المرحلة بقيادة حزب العدالة والتنمية التي تبدو لهم “استثنائية” مقارنة مع أنظمة الاستبداد العربي التي تحكم شعوبها بالحديد والنار والتي تكاد تكون إنجازاتها لصالح شعوبها وقضايا الأمة ولا سيّما قضية فلسطين تصل إلى الصفر، في حين أن حزب العدالة والتنمية بقيادة أوردغان لعب دورًا أساسيًا في الحياة السياسية التركية والدولية والنجاحات والإنجازات الكبيرة التي حققها في المجال الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي والعسكري، وعزّز من مكانة تركيا وموقعها ودورها في الساحتين الإقليمية والدولية، ولا يزال هذا الحزب بقيادة أرودغان الذي جاء من خلفية إسلامية يتمتع بصدارة المشهد السياسي من دون منازع منذ عشرين سنة.

بالإضافة لهذا كله، فإن الشعوب العربية والإسلامية تنبعث منها نظرة التفاؤل لدور مستقبلي مهم وإيجابي لتركيا يخدم القضايا الإسلامية والعربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية في ظل الدور السلبي الذي تؤديه أنظمة الاستبداد العربي. ومن هنا تأتي حرارة هذا العتاب الكبير والاستياء العارم من استقبال الرئيس التركي أوردغان لنظيره الإسرائيلي هرتسوغ، مع أن الشعوب الإسلامية والعربية تدرك جيدًا أن هناك ثمة فروقات كبيرة بين إنشاء علاقات تطبيع جديدة (بشكل علني) بين أنظمة دول عربية وإسرائيل لم تكن موجودة من قبل، مثل علاقات تطبيع بعض دول الخليج والمغرب ومصر والأردن، ولا يُستثنى منهم السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني الذي تعتبره “مقدسا”، هذه الدول المذكورة وغيرها قامت باسم التطبيع مع إسرائيل بالحد من علاقاتها مع الفلسطينيين وإلغاء حصار غزة تمامًا من أجندتها، وبين تركيا التي لها علاقات تطبيع مع إسرائيل منذ عام 1949 وكانت موجودة من قبل والتي شهدت منذاك الحين إلى يومنا هذا الكثير من التوترات والتقلبات غير البسيطة خاصة في فترة حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس أوردغان.

من المهم جدًا أن ننتبه أيضًا إلى أن النظرة الإسرائيلية لزيارة هرتسوغ لتركيا وإلى الأجواء العامة الإسرائيلية ما زالت تشكك بنوايا أوردغان الرئيس القوي المسؤول عن قوة إقليمية نافذة، ونظرته إلى المتغيرات السياسية والإقليمية والدولية في المنطقة المُتوترة، لإجراء هذا التغيير الدراماتيكي، تجاه إسرائيل دون أن يعني ذلك تنازل أردوغان عن مساعيه في تحويل تركيا إلى دولة مهيمنة في المنطقة، وهو الذي بدأ حياته الرئاسية طامحا لتحويل تركيا إلى إمبراطورية عثمانية معاصرة، ولن يتفاجؤوا إذا استأنف تصريحاته المعادية لهم في أي مواجهة عنيفة أخرى في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. بحسب تصريحات وتقديرات إسرائيلية.

ختامًا، وهنا بيت القصيد، تختلف الرؤى ووجهات النظر بين مؤيدٍ ومعارضٍ وناقدٍ وحاقدٍ من زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا واستقباله بحفاوة من الرئيس التركي أوردغان، فوفقًا للمواقف والآراء المُسبقة ووفقا للنظرة إلى تركيا في فترة حكم حزب العدالة والتنمية، إيجابية كانت أو سلبية، فيوجد الكثير من المصطلحات والعبارات المختزنة في القاموس السياسي التي ممكن استخدامها في هذا السياق مثل: (مناورة، حنكة، تكتيك سياسي، فهم للواقع، مداراة للظروف الخاصة، ثقة مفرطة لخلفية وتاريخ أوردغان.. وفي المقابل: غدر، خيانة، تطبيع، طعن في الظهر، مصالح تركيا أولا، الخ…)، غير أن الذي لا يمكن أن نتفهمه أبدًا هو أن يقع كل من يعتبر نفسه جزءا أصيلًا ومهمًا في مسيرة شعبنا الفلسطيني ونصرة قضاياه العادلة في (لعبة التناقضات) ويضع نفسه في خانة التبرير والتفسير لهذه الزيارة والاستقبال، لأن ذلك لا يتفق أبدًا مع مواقفنا الواضحة ولا يمثل رؤيتنا للقضية الفلسطينية وما تحمله من أبعاد دينية وسياسية وثقافية وحضارية، ويتناقض كليّا مع موقفنا الثابت وثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية ولا يمكننا في هذه الحالة إلا أن نرفض مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل جملة وتفصيلا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى