أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرعرب ودوليومضات

مسح يرصد إمبراطورية المخابرات المصرية.. “تقنين سري”

في ظل تغول إمبراطورية الجيش على الاقتصاد المصري وفق تقارير محلية ودولية، تنمو في سرية تامة إمبراطورية المخابرات العامة المصرية في قطاعات البناء والإسكان، والإعلام والإنتاج الفني الدرامي والسينمائي، إلى جانب ملف استيراد الغاز من المؤسسة الإسرائيلية.

ووسط تكتم إعلامي، اعتمد النظام العسكري الحاكم الثلاثاء 22 شباط/ فبراير 2022، خطوة جديدة نحو تقنين تغول جهاز المخابرات العامة المصرية على الحياة الاقتصادية، وانتزاعه لقطاعات هي الأهم من كعكة الاقتصاد الذي يسيطر عليه هو والمخابرات الحربية بجانب شركات الجيش منذ الانقلاب العسكري منتصف 2013، وفق مراقبين.

“امتيازات غير مسبوقة”

ووافق مجلس النواب المصري، بغالبية ثلثي أعضائه على تعديل قانون جهاز المخابرات العامة رقم (100 لسنة 1971)، وكذلك القانون الخاص بأفراده رقم (80 لسنة 1974)، ولكن دون حصول النواب على نسخة من القانون أو اطلاع الصحفيين على مواده.

تلك التعديلات تمنح جهاز المخابرات العامة حق تأسيس الشركات بجميع أنواعها أو المساهمة في شركات قائمة أو مستحدثة، وتعيين أعضائه كرؤساء إدارة تلك الشركات، ومعاملة رئيس الجهاز ونائبه معاملة وزير ونائبه فيما يخص المستحقات المالية.

كما أقرّ التعديل امتيازات مالية جديدة للعاملين بالجهاز، وتمديد الخدمة للخبرات التي يتعذر الاستغناء عنها، وهي التفاصيل التي نشرها عدد قليل من الصحف المحلية، فيما حذفت صحيفة “الأهرام” الحكومية الخبر بعد نشره، ما يشير لوجود تعليمات عليا بمنع النشر.

وسبق هذا التعديل، إصدار قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في تموز/ يوليو 2015، قانونا يمنح المخابرات العامة ووزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة التابعة لهما حق تأسيس شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال، والتي كان أشهرها لاحقا “فالكون” التابعة للمخابرات الحربية.

وفي سياق التغول الأخير للجهاز المصري العريق، أصدر وزير داخلية الانقلاب محمود توفيق قرارا يسمح فيه بإيداع المتهمين في قضايا “أمن الدولة” بمقر المخابرات الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث يمتلك الجهاز مقرا على أحدث الطرق التكنولوجية واللوجستية.

ومقر المخابرات العامة بالعاصمة الإدارية هو الأكبر في مصر إذ يقع ضمن مبنى “الأوكتاغون” الضخم الذي يضم مقر قيادة الجيش ومباني الرئاسة والوزارات، وجميعها في مساحة 70 ألف فدان يحيطها سور عملاق بارتفاع 7 أمتار.

إقرار قانون المخابرات العامة الجديد، ومنحها امتيازات جديدة، يأتي في ظل سيطرة نجل السيسي العقيد محمود (40 عاما)، على الجهاز، ليصبح الرجل الثاني بعد اللواء عباس كامل رئيس الجهاز ومدير مكتب السيسي السابق، وفق حديث الباحث تقادم الخطيب لموقع “الحرة” الأمريكية 24 شباط/ فبراير 2022.

وجرى تصعيد محمود السيسي، بالسنوات الماضية ليمسك بملفات شديدة الحساسية منها التنسيق مع إسرائيل التي كشفت تقارير عبرية أنه زارها 16 كانون الثاني/ يناير 2022.

“حجم الإمبراطورية”

وعلى الرغم من أنه وفقا لقانون المخابرات المصري (رقم 100 لسنة 1971)، فإن دور جهاز المخابرات العامة “حماية الأمن القومي ووضع السياسة الأمنية للبلاد”، إلا أن البعد الاقتصادي كان حاضرا.

وبعد 3 سنوات من عمل المخابرات العامة، أسس رئيس الجهاز الأشهر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، صلاح نصر، شركة “النصر للاستيراد والتصدير” عام 1957، لتنمو لاحقا إمبراطورية المخابرات بمجالات الطيران والسياحة والمقاولات.

تلك الإمبراطورية تضخمت بشكل لافت في عهد الرئيس حسني مبارك، وخاصة في ظل عهد آخر رئيس للجهاز حينها، اللواء عمر سليمان، خاصة مع تعيين قيادات الجهاز المتقاعدين بمجالس إدارات كبرى الشركات التابعة للدولة، وتأسيس بعض القيادات شركات خاصة ليكونوا واجهة للجهاز، بحسب تقرير لمركز “كارنيغي”، بعنوان: “عسكر ورجال أعمال”، 14 كانون الأول/ديسمبر 2019.

لكن، وفي عهد السيسي ووسط صراعات جهازي المخابرات “الحربية” و”العامة”، على السلطة والنفوذ والتأثير في قرارات الدولة وتوجهاتها، كان هناك صراع من نوع آخر على كعكة الاقتصاد، بحسب مقال بموقع الجزيرة آذار/ مارس 2018، بعنوان “من يحكم الظل؟ القصة الكاملة لصراع الاستخبارات في مصر”.

ووفق مقال للباحث محمود جمال نشره المعهد المصري للدراسات في حزيران/ يونيو 2021، فإن الجهاز عانى بداية عهد السيسي من تصفية “114” من قياداته وحرسه القديم من (2013- 2017).

لكن الجهاز ورغم ذلك حصل تماما مثل شركات الجيش على الإعفاءات الضريبية والجمركية ولم يخضع للأجهزة الرقابية الحكومية، بحسب تقرير للصحفي محمود السبكي، في موقع “daraj” 29 أيلول/ سبتمبر 2021، بعنوان “هكذا تعمل جمهورية العسكر الاقتصادية”.

البناء والتشييد

ووفق المعلومات القليلة المتداولة عبر بعض المواقع المصرية المعارضة ومراكز الأبحاث فهناك 3 كيانات كبرى للمخابرات، أولها وأقدمها قطاع الإنشاءات، وثانيها وأكثرها ضجة قطاع الإعلام، وثالثها ملف استيراد الغاز من إسرائيل أشدها سرية وغموضا.

أهم الكيانات الاقتصادية، للمخابرات العامة هي الشركة “الوطنية للمقاولات والتوريدات”، التي تنفذ من خلالها أعمال المقاولات العامة والتشييد والبناء والإنشاءات والتوريدات، وأعمال المرافق والطرق والصيانة، التركيبات الميكانيكية والكهربائية، وغيرها، وفق تقرير “درج”، 29 أيلول/ سبتمبر 2021.

وفي هذا الإطار تنفذ شركة “وادي النيل للمقاولات والاستثمارات العقارية” قطاعا كبيرا من مشروع تطوير الريف المصري، الذي أعلن عنه السيسي كانون الثاني/ يناير 2021.

كما تستحوذ الشركة المملوكة للمخابرات العامة على 40 بالمئة من عقود ومناقصات وتكليفات بناء وإعادة إعمار المستشفيات الحكومية، وتوريد المعدات الطبية لوزارة الصحة، بحسب تقرير لموقع “الدستور” المحلي 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

وقامت الشركة ببناء 100 مستشفى، وطورت 47 أخرى بجانب 1800 وحدة صحية، ووردت نحو 3500 سيارة إسعاف، بحسب موقع الشركة عبر الإنترنت.

كما تمتلك المخابرات مصنع المستنسخات الأثرية بمدينة العبور، بشركة “كنوز مصر للنماذج الأثرية”.

“الإعلام والدراما”

تحسين صورة مصر بالداخل والخارج، قام عليها الجهاز عبر شراء الصحف والفضائيات والسيطرة على قطاعات الإنتاج الدرامي والسينمائي والإعلانات، وعبر التعاقد مع شركات علاقات عامة عالمية، برغم وجود “الهيئة العامة للاستعلامات” المنوطة بهذا الدور.

الجهاز وفي هذا الإطار، أبرم اتفاقا مع شركات “جلوفر بارك”، و”كاسيدي أند اسسوشيتس”، و”أيكو”، بنحو 5 ملايين دولار سنويا، وفق مقال بصحيفة “الشروق” المحلية، للخبير بالشأن الأمريكي محمد المنشاوي، 28 كانون الأول/ ديسمبر 2017.

ومع قدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وانتقاداته ملف السيسي في حقوق الإنسان، عقدت المخابرات العامة اتفاقا مع شركة الضغط والمحاماة الأمريكية (Brownstein Hyatt Farber Schreck)، لذات الغرض.

لكن؛ إدارة قطاع الإعلام والصحافة والإنتاج الدرامي والتليفزيوني، كعكة اقتصادية كبيرة تحرص عليها المخابرات العامة منذ العام 2014، من خلال مجموعة “إعلام المصريين” برئاسة رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة الذي عمل كواجهة للمخابرات العامة لشراء الصحف والفضائيات، بحسب تقرير للكاتب حسام بهجت، بموقع “مدى مصر”، 21 كانون الأول/ ديسمبر 2017.

الجهاز، أنهى دور أبوهشيمة، بتأسيس شركة “إيجل كابيتال للاستثمارات المالية” عام 2016، برئاسة وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، زوجة طارق عامر محافظ البنك المركزي.

واستحوذت “إيجل كابيتال”، على قنوات “أون” و6 صحف ومواقع أهمها “اليوم السابع”، وشركتين لإنتاج الأفلام والدراما، و7 وكالات تسويق وإعلان، لتضم لاحقا مجموعة قنوات “سي بي سي” وصحيفة الوطن من رجل الأعمال محمد الأمين.

ليظهر العملاق الجديد المملوك للمخابرات العامة والتابع لـ”إيجل كابيتال”، وهو الشركة “المتحدة للخدمات الإعلامية” عام 2016، نتيجة اندماج “إعلام المصريين” و”دي ميديا”.

ويشتري الكيان الجديد قنوات؛ “أون” و”الحياة” و”دي إم سي” و”سي بي سي” وقنوات الدراما الخاصة بها، و”سي بي سي سفرة” و”الناس” و”مصر قرآن كريم”، و”المحور”، كما تدير قنوات “أون تايم سبورتس” و”تايم سبورتس” و”القناة الأولى”، مع تأسيس منصة “ووتش إت”.

وفي مجال الإعلام المسموع، استحوذت “المتحدة” على محطات راديو “نغم إف إم” و”ميجا إف إم” و”أون سبورت إف إم”، و”راديو 9090″ و”شعبي إف إم”، بجانب إنشاء شركة “بريزنتيشن سبورتس” لتسيطر على مجال الدعاية والإعلان، مع “ميديا هب” و”سينرجي” و”بي أو دي”.

ومن الصحف والمواقع المملوكة للشركة “اليوم السابع”، و”video 7″ و”الوطن” و”الدستور” و”الأسبوع” و”مبتدأ” و”بيزنس توداي مصر” و”إيجيبت توداي” و”دوت مصر” و”صوت الأمة” و”المصري اليوم”، وغيرها.

“ملف الغاز”

من أخطر الملفات التي تديرها إمبراطورية المخابرات المصرية العامة منذ عقود، وهو ما أزاح عنه الستار حوار رجل الأعمال حسين سالم لصحيفة “المصري اليوم”، في نيسان/ أبريل 2015، والذي أكد فيه أن جميع صفقات الغاز التي أبرمتها مصر مع إسرائيل في عهد مبارك بتوجيه من المخابرات العامة.

لكن، ومع الإعلان عن اتفاقية الغاز الإسرائيلية المصرية 18 شباط/ فبراير 2018، بين مجموعة “ديليك” الإسرائيلية، وشركة “دولفينوس” المصرية، بقيمة 15 مليار دولار لبيع 7 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، لمدة 15 عاما، أثيرت التكهنات حول دور المخابرات المصرية في الاتفاق.

ولأن قطاع الغاز كان خاضعا بشكل تام إلى الحكومة المصرية، فقد أقر مجلس النواب في تموز/ يوليو 2017، قانون “تحرير التجارة في الغاز”، ليتمكن القطاع الخاص لأول مرة من استيراد وبيع الغاز الطبيعي، في خطوة وفق مراقبين، لتقنين استيراد الغاز الإسرائيلي الذي تمت صفقته بعد 8 شهور من التصديق على القانون.

ووفق تقرير صحفي بموقع “مدى مصر” 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، فإن شركة “غاز الشرق” التي تمتلك غالبية أسهمها المخابرات العامة وأنشأها الجهاز عام 2013، تهيمن على تعاقدات الغاز الطبيعي بمصر.

“أراض بالأمر المباشر”

وفي الوقت الذي يمتلك فيه الجيش المصري 94 بالمئة من أراضي الدولة، بحسب “لوموند” الفرنسية 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فإن للمخابرات العامة نصيبا حيث يمتلك الجهاز مساحات شاسعة من الأراضي، والتي جرى السيطرة عليها ونيلها بالأمر المباشر أو عبر شركات المخابرات أو بالتخصيص الرسمي من قبل الحكومات المصرية.

ونشرت “الجريدة الرسمية” في 11 كانون الثاني/ يناير 2021، قرار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتخصيص قطعة أرض من أملاك الدولة بمدينة المنصورة لإقامة مقر لجهاز المخابرات العامة بشرق الدلتا عليها، وذلك في قرارات تتوالى بتخصيص أفضل المناطق في مصر للجهاز السيادي.

بعيدا عن الدولة

ممتلكات الجهاز السيادي غير خاضعة لأية جهات رقابية مدنية، فلا يخضع لمحاسبة البرلمان أو مراجعة الجهاز المركزي للمحاسبات أو مراقبة الرقابة الإدارية، ولا يجوز لأي جهة مدنية الاطلاع على حسابات ومكاسب أو خسائر الجهاز وجميع الأجهزة السيادية الأخرى، بحسب تقرير لـ “المعهد المصري للدراسات” 7 حزيران/ يونيو 2018.

كما أنه ليس من حق القضاء المدني محاسبة العسكريين وبينهم قادة الجهاز في قضايا الكسب غير المشروع حيث يتم إحالتهم للنيابة والقضاء العسكري، بحسب دراسة للباحث يزيد صايغ بعنوان “أولياء الجمهورية” عام 2019.

“ابتلاع الدولة”

ويرى مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية بإسطنبول، الدكتور ممدوح المنير، أن “المخابرات العامة كباقي الأجهزة الأمنية والعسكرية في مصر منخرطة بشكل مباشر في الاقتصاد المصري”.

وفي حديث صحفي، أكد أن “قانون المخابرات الذي تم تمريره لا يستحدث واقعا جديدا ولكنه يقنن وضعا قائما بالفعل؛ فالمخابرات تمتلك على سبيل المثال لا الحصر شركة (النيل للمقاولات) ومجموعة إيجل كابيتال للاستثمارات المالية، التي تمتلك بدورها (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية)، والتي تسيطر على أغلب وسائل الإعلام المصرية”.

وأعرب الباحث المصري عن أسفه من أن هذا يأتي “على حساب رجال الأعمال البعيدين عن هذه الأجهزة ويخرجهم من المنافسة الاقتصادية، لأن أنشطته الاقتصادية معفاة من الضرائب والجمارك والرسوم”.

وختم حديثه بالقول: “النظام يتحول تدريجيا إلى غول يبتلع الاقتصاد لصالحه، ولن يتوقف حتى يبتلع الدولة نفسها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى