أطفالنا لنْ يبقوا صغارًا إلى الأبد!

ابتهال حسن- المشهد (جمعية سند لصلاح الأسرة وبناء المجتمع)
كان هذا في أصيل يومٍ حافلٍ بالنشاط والعمل، عدت للبيت مرهقة أبحثُ عن لحظةِ راحة وسكون. دخلت البيت الذي غادرته صباحًا من دون أن أرتب ما حصل فيه من فوضى نتيجة تحضير أطفالي للمدرسة وإعداد طعام الإفطار لهم. ألقيتُ نظرة على الأواني المتكدسة، وعلى الملابس المبعثرة هنا وهناكْ. تمنيت لو أنني أملك عصا سحرية لتحويل ما أرى من فوضى إلى وضعه الطبيعي ولأنعم بلحظة هدوء بعد يوم عملٍ شاقّ.
أيقظني من أحلام يقظتي طفلتي وهي تطلبُ مني أن أساعدها في تبديل ملابسها وطفلي يطلب مني أن أُعدَّ طعام الغداء.
وضعت أحلامي جانبًا وهممت إلى أشغالي وأعمالي اليومية التي لا تنتهي: تحضير الطعام، مساعدة الأطفال في الدروس، تهيئتهم للنوم، وقراءة القصة التي تفرض عليّ أن أقوم بتقليد جميع أصوات الشخصيات كلٌ حسب دوره في القصة.
وأخيرا جاءت اللحظة الموعودة؛ اللحظة التي أخلو بها إلى نفسي ومشروبي الساخن المفضل، أجلس، أتأمل وأفكر كثيرًا.
في ذلك المساء بالذات كنت في غمرة التمني بأن يمر الزمن بسرعة ويكبر الأطفال، يكبرون ليعتمدوا على أنفسهم ويتخلوا عن حاجتهم إلي في كل صغيرة وكبيرة.
أن يتركوا لي على الأقل مساحة حتى أعيش حياة طبيعية هادئة من دون أن يقاطعني طفلي مئات المرات في اليوم ليسألني لماذا لا نتنقل في البيت بواسطة الحبال كما يفعل طرزان في الغابة! أن أنعم بشرب فنجان قهوتي في وقتي المفضل من دون أن تحاول صغيرتي أن تمسك به عشرات المرات وتحاول تبريده لتشرب هي أيضا. فكرت في كل اللحظات التي تمنيت أن أعيشها كما أريد، من دون مضايقة أو مقاطعة أو تنغيص.
حوّلت نظري عن شاشة التلفاز إلى هاتفي وتذكرت حين قرأت التاريخ، غدًا هو يوم ميلاد ابنتي التاسع! يا إلهي ما أسرع الأيام! لا أصدق أنه قد مرت تسع سنوات منذ حملتها بين ذراعيّ لأول مرة!
الزمن لا ينتظر، سيأتي ذلك اليوم الذي سأستيقظ به على مهل من دون ان أنظر الى الساعة او حتى اضبط المنبه. ستمرّ الأيام وسيغلق صغاري أبوابهم لأن عالمهم ببساطة أصبح مختلفًا عن عالمي. وسيتركون أحاديثي ويستأنسون لأحاديث أصحابهم وأقرانهم.
ربما تمنينا كثيرًا ليمرّ هذا الوقت، لتمر الليالي الطويلة التي نقضيها بجانب طفل مريض، أو يمرّ الوقت الذي نقوم فيه بتدريب طفل على استعمال المرحاض، أو تمر ساعات الدراسة الطويلة جدا بجانبهم، أو تمر أيام الرضاعة الطبيعية بسرعة لأننا لم نعد نطيق الالتزام أكثر. نعم تمنينا كثيرًا لدرجة أننا نسينا أن نعيش اللحظة التي لن تعود أبدا!
همسة في أذن كل أم:
- إذا طلب منك طفلك أن تلعبي معه لعبته المفضلة لا تقولي له أنك مشغولة، بل شاركيه ألعابه وشغفه.
- إذا حدثك بحماسٍ عن يومه في المدرسة اصغي له بكل حواسك وكأنك تسمعين أجمل قصة سردها أحد عليك.
- إذا رفض أن ينام بدون قبلة قبل النوم لا تتأففي بل اغمريه حنانا لأنك ستبحثين عنه يومًا وسيكون في غمرة انشغاله عنك.
الأمومة لحظات ثمينة لا تضيعيها بالتمني والتأفف والشكوى، كوني أجمل مثال لأطفالك لأن صورتك الجميلة ستبقى محفورة في أذهانهم الى الأبد.



