أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

“المدينة” في لقاء مع د. حسن صنع الله…  دلالات الأحداث الأخيرة وارتداداتها على الفلسطينيين في الداخل

هذا الجيل بدأ يتعرّف على حقيقة الواقع السياسي وكسر حاجز الخوف وعنده استعداد لإدارة النضال الشعبي

*أبرز ملامح هذا الصراع في هذه المحطة هو فضح حقيقة الصراع

 

*على الداخل الفلسطيني أن يحافظ على حالة الوحدة التي تجلت من خلال الأحداث الأخيرة

 

* السياق الطبيعي للموضوع أن الداخل الفلسطيني هو صاحب قضية وليس متضامنا معها

 

*هذا الجيل بدأ يتعرّف على حقيقة الواقع السياسي وكسر حاجز الخوف وعنده استعداد لإدارة النضال الشعبي

 

ساهر غزاوي

مجددًا، أثبتت الأحداث الأخيرة أن الفلسطينيين في مناطق الـ 48 هم جزء أصيل لا يتجزأ من القضية الفلسطينية، وأثبتت عُمق ارتباطهم الوجداني الديني والوطني بالقدس والمسجد الأقصى المبارك، في الوقت الذي أكدت هذه الأحداث فيه على سقوط سياسات التدجين والخطاب الذي يدعو إلى الإندماج في النظام السياسي دونما تحدٍ لجوهره الاستعماري، وإلى فصل الحقوق الوطنية عن الحقوق المدنية وأعادت وضع الأمور في سياقها الحقيقي.

حول هذه الأحداث وملامحها ودلالتها وما يترتب عليها من تداعيات على الفلسطينيين في الداخل، كان هذا الحوار لصحيفة “المدينة” مع الباحث في الشؤون الفلسطينية د. حسن صنع الله، وعضو في حزب الوفاء والإصلاح.

 

المدينة: الأحداث التي اندلعت شرارتها يوم 28 رمضان وتداعيتها، هل هي انتفاضة فلسطينية ثالثة تبلورت أحداثها في القدس والمسجد الأقصى؟

صنع الله: ما حصل في 28 رمضان وما تلاه من مواجهات على الصعيد الفلسطيني بشكل عام وعلى صعيد الداخل الفلسطيني بشكل خاص يمكن تسميته بهبة أو انتفاضة ثالثة شَكَلت القدس والأقصى مركز الحدث فيها، فالشعب الفلسطيني برمته انتفض من أجل الثوابت ومن أجل العقيدة والمقدسات، ونتيجة الكم الهائل من سياسات الظلم والاجحاف الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني أينما كان. وقد أثبت الشعب الفلسطيني من خلال هذه الهبة أنه لا يساوم على العقيدة ولا يقبل انصاف الحلول، فالعقيدة أغلى من الدم والروح والولد. وقد جاءت هذه الهبة ردًا على الاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية في القدس والمسجد الأقصى المبارك، فمنذ 29 من أبريل بدأت جماعات يهودية بالحشد بالقدس من أجل استعادة ما يسمى “بالكرامة اليهودية”، وبدا واضحا أن هناك حملة ممنهجة تحمل الفكر “الكاهانستي” لتغذية الكراهية ضد العرب والمسلمين وتهدف إلى طردهم، وما حصل في حي الشيخ جراح من إرهاب دولة وقرصنة استيطانية وتطهير عرقي، وما واكبها من اعتداءات وتضييقات على المصلين في المسجد الأقصى وخصوصًا في العشر الأواخر من شهر رمضان، دفعت الشعب الفلسطيني إلى التوحد والانتفاض دفاعًا عن القدس والمسجد الأقصى المبارك.

 

المدينة: يعتبر الكثير أن الأحداث هي محطة فارقة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا سيما في مناطق الـ 48، لماذا؟

صنع الله: لا شك أن الأحداث الأخيرة تُشكل محطة فارقة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفي مسيرة نضال الشعب الفلسطيني بشكل عام ونضال الداخل الفلسطيني بشكل خاص، فالأحداث جاءت في فترة، بعد لا أقول فشل بل اختطاف الربيع العربي وحصول حالة من الترهل والانبطاح العربي ودخول العديد من الدول العربية في عمليات تطبيع مخزية همشت القضية الفلسطينية، لا بل تآمرت عليها وسعت إلى تصفيتها، كما وعملت المؤسسة الإسرائيلية على معاقبة تيّارات فلسطينية وملاحقتها على صعيد الداخل والخارج، وعلى صعيد الداخل الفلسطيني شهدنا حالة من الانحدار السياسي والتآمر على مشروع لجنة المتابعة والعمل تحت سقف المؤسسة الإسرائيلية ومشروعها الصهيوني، وشهدنا حاله حزبية مريضة تدعو بشكل غير مباشر إلى التخلي عن الثوابت الفلسطينية مقابل الالتزام بالمواطنة الإسرائيلية، كل ذلك مقابل توحش وتغول اليمين الإسرائيلي وحكومته التي هندست الإرهاب “الشعبي” من خلال جماعاتها الاستيطانية المتطرفة في الضفة والقدس والأقصى، وفي ظل هذه الصورة القاتمة وفي ظل حالة النشوة التي عاشتها المؤسسة الإسرائيلية، جاءت الأحداث الأخيرة لتصفع المؤسسة الإسرائيلية وجمهور المطبعين والمنبطحين وأصحاب مشروع المواطنة والمطلبية ولتعيد الأمور إلى نصابها الوطني الحقيقي، وليعبر هذا الشعب الفلسطيني عن وحدة منقطعة النظير، وليعبر الداخل الفلسطيني عن أنه جزء أصيل من الشعب الفلسطيني وأن مشاريع المواطنة والمطلبية والتدجين قد فشلت، وليؤكد كل الشعب الفلسطيني أن الصراع يتعلق برواية وثوابت ومقدسات وكرامة وطنية وليست حقوق هنا وهناك. لقد توحد الشعب الفلسطيني كله خلف ثوابته وليعبر عن مركزية القدس والمسجد الاقصى المبارك وأنه لا يوجد سلطة قانونية للمؤسسة الإسرائيلية في القدس والأقصى والأراضي المحتلة، وجاءت هذه الانتفاضة لتعبر عن عمق الانتماء لدى الداخل الفلسطيني الذي كسر حاجز الخوف والاحباط.

 

المدينة: ما هي أبرز ملامح هذا الصراع في هذه المحطة؟ وما هي أهم المكتسبات؟ وكيف يمكن استثمارها؟ 

صنع الله: أبرز ملامح هذا الصراع في هذه المحطة هو فضح حقيقة الصراع. فالصراع على القدس والأقصى والمقدسات، فضح كل من حاول أن يدعي ان الصراع ليس دينيا وأنه مجرد صراع جغرافي فقط. ومن مكتسبات هذه المحطة هو توحيد بوصلة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية من جديد باتجاه القدس والمسجد الأقصى، فقد توّحد الشعب الفلسطيني كله حول القدس والمسجد الأقصى، ولأول مرة تدخل المقاومة الفلسطينية في المواجهة مع الجانب الإسرائيلي كردّة فعل على الاستفزازات الإسرائيلية بحق القدس والمسجد الأقصى والداخل الفلسطيني. وهنا نقول إنه لا بد من العمل على بناء هوية متجددة للأمة من خلال ربطها بالقدس والأقصى وتحويلهما إلى هوية في الوجدان العربي والإسلامي.

 

المدينة: كيف تقرأ ردّة فعل الفلسطينيين في مناطق الـ 48 التي أخذت منحى التصعيد مع المؤسسة الإسرائيلية في هذه الأحداث؟ وكيف تُقيم دور القيادة في هذه المرحلة؟

صنع الله: الداخل الفلسطيني هو صاحب قضية وليس متضامنا مع القدس والأقصى، هذا هو السياق الطبيعي للموضوع، فالداخل الفلسطيني جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وهو جزء من الصراع شئنا أم أبينا، فالداخل الفلسطيني تظاهر بشكل سلمي كردّة فعل على انتهاك المؤسسة للمسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان وضد التطهير العرقي الحاصل في الشيخ جراح، هذا شيء طبيعي ويكفله القانون، ولكن الصلف والعنجهية الإسرائيلية التي أرادت أن تحرمهم هذا الحق بالقوة كان دافعا مهما إلى كسر حاجز الخوف والمواجهات. أما فيما يتعلق في دور القيادة فقد كانت الأدوار متفاوتة فهناك من ذهب إلى المسجد الأقصى ليدافع عن المسجد الأقصى بجسده ودعا إلى النفير وتواجد بين الجماهير، وهناك من اكتفى بالتصريحات الإعلامية والادانة، مقابل من حاول استرضاء المؤسسة الاسرائيلية.

 

المدينة: ما هي الرسالة التي تلقفتها المؤسسة الإسرائيلية من ذلك؟ وما هي أثارها على الصعيد الفلسطيني (48) الإسرائيلي؟ وهل نحن في سيناريو شبيه لما بعد هبة القدس والأقصى عام 2000؟

صنع الله: هناك أفكار مسبقة عن الداخل الفلسطيني في المنظومة الفكرية الإسرائيلية والصهيونية، فالعرب في الداخل هم أعداء، وطابور خامس ولا يمكن الوثوق بهم، وهذه المفاهيم لم ولن تتغير، والمؤسسة الإسرائيلية بعد الحكم العسكري تعاملت ولا زالت تتعامل مع الداخل الفلسطيني من خلال سياسة الضبط والسيطرة، لذلك حاولت حرمان الداخل الفلسطيني من حق التظاهر على أساس قومي.

من خلال المواجهات الأخيرة، المؤسسة الإسرائيلية تعلمت درسًا قاصيًا وهو أنه لا يمكن تحدي المسلمين في عقيدتهم فالقدس والأقصى عقيدة وثابت من الثوابت والدفاع عنهم أمر ضروري لحفظ الهوية الوطنية الفلسطينية والإسلامية، وعليه لن تجد طريقا لمساومتهم على ثوابتهم أو سلخها من منظومتهم الفكرية، ولإدراك المؤسسة الإسرائيلية ذلك فهي ستستمر في سياستها المعادية ضد الداخل الفلسطيني، وسيستمر تحريضها الاعلامي وستستمر بالتعامل مع الداخل الفلسطيني من خلال سياسة الضبط والسيطرة، لذلك شاهدنا كيف لأول منذ الحكم العسكري استخدمت المؤسسة الإسرائيلية وحدات من الجيش وحرس الحدود من أجل قمع المظاهرات في مدن وقرى الداخل، وكيف أن هذه الوحدات استخدمت الرصاص الحي ضد المواطنين، وكيف أنها استجلبت سوائب المستوطنين من أجل الاعتداء على المواطنين العرب، فما حصل في المدن والقرى العربية هو تشكيل جيش من المستوطنين المدججين بالسلاح تم دعمهم من قبل الأجهزة الأمنية من أجل بث الرعب والهلع في صفوف عرب الداخل. ورأينا كيف أن السواد الأعظم من المعتقلين والذين تم تقديم لوائح اتهام ضدهم هم من العرب.

المؤسسة الاسرائيلية ترى أن الصراع هو على الهوية والرواية، ولذلك سوف تستمر في سياسات الترهيب والقمع والاستفزاز وستستمر في ارتكاب الجرائم وعمليات التهويد والتطهير العرقي، وخصوصا في القدس والأقصى.

 

المدينة: هل فعلًا أن هذه الأحداث وارتداداتها أسقطت أو حجّمت نهج الأسرلة والتأثير وأعادت الاعتبار للقضية الوطنية؟

صنع الله: مما لا شك فيه أن الأحداث الاخيرة كشفت للقاصي والداني من هم قادة الشعب الفلسطيني الحقيقيين على صعيد الشعب الفلسطيني بشكل عام وعلى صعيد الداخل الفلسطيني بشكل خاص، وبات واضحا من يعمل من أجل وأد الثوابث ويسترضي الجلاد ومن يعمل من أجل الثوابت والمسجد الأقصى بشكل فعلي وليس مجرد رفع شعارات. صحيح أن الأحداث الأخيرة خلقت حالة من الاستعداء العام ضد العرب بشكل عام مما دفع إلى انسحاب بعض أبناء الداخل الفلسطيني من سلك الخدمة في الجيش والشرطة الإسرائيلية، وهذا الانسحاب يمكن اعتباره صحوة ضمير من هؤلاء، ولكن الواضح أن الأحداث الأخيرة ولّدت حالة من الوعي الوطني النظيف وهذا الوعي حجّم نهج الأسرلة وأعاد الاعتبار للقضية الوطنية والثوابت، وهناك شباب بدأ يعرف الواقع السياسي بشكل أوضح، وعليه يجب استثمار هذه الحالة ووضع برامج عملية وجدية لمواجهة نهج الأسرلة في الداخل والمواجهة تكون من خلال وضع استراتيجيات وبرامج مضادة وتفكيكية لهذا النهج.

 

المدينة: تكملة لسياق السؤال السابق، أظهرت الأحداث مواضع القوة في المجتمع العربي وأظهرت مظاهر إيجابية كثيرة من مظاهر التكافل الاجتماعي وتقديم مبادرات ومقترحات لإقامة صناديق لدعم المشاريع العصامية، كما ويشاد بدور المحامين الذين ترافعوا تطوعًا عن مئات المعتقلين ويشاد بنخوتهم وانحيازهم لأبناء شعبهم.. إلى ماذا تشير هذه المظاهر؟ 

صنع الله: هناك الكثير من مواطن القوة في الداخل الفلسطيني، وهناك الكثير من مظاهر ومشاريع التكافل وهي خيرة ومباركة وتدل على عمق الانتماء الوطني والديني لأهلنا في الداخل، ولكن لا يمكن لهذا الداخل الفلسطيني أن يبقى يعيش على ردّة الفعل، فالعصامية مشروع له مرتكزات أولية ثلاث وهي المال والأرض والعقول وكلها بحمد الله موجودة، وما ينقص هنا الإرادة الجماعية التي يجب أن تمثلها مؤسسة جامعة للداخل الفلسطيني تتخذ مثل هذا القرار، والأمر الثاني هو التخطيط الاستراتيجي لمشروع من هذا القبيل، لأننا على علم مسبق أن مشروع من هذا القبيل سيحارب وسيفكك، وعليه لا بد من بناء مركز تفكير استراتيجي من أجل وضع خرائط عمل وبرامج لسياسات اقتصادية وتطويرية وتمويلية وكيفية الاستفادة من تجارب الأخرين وما إلى ذلك من عمل التفكير الاستراتيجي…

 

المدينة: الحراكات الشبابية والهبات الشبابية العفوية كان لهما الدور البارز في قيادة الشارع، ما هي دلالات ذلك؟ وهل نحن أمام تشكل مرحلة سياسية جديدة؟

صنع الله: لا شك أن حالة كبت الحريات السياسية التي تمارسها المؤسسة الإسرائيلية اتجاه الداخل الفلسطيني، وتعمدها ان تبقينا في حالة انفلات، وضعتنا أمام مرحلة جديدة عنوانها الوعي الوطني عند الشباب الذين يقودون الحراكات الآن في الداخل الفلسطيني. هذا الجيل بدأ يتعرّف على حقيقة الواقع السياسي وكسر حاجز الخوف وعنده استعداد لإدارة النضال الشعبي، وعلينا في الداخل أن نحسن استثمار هذا الوعي لدى الشباب، وهنا لا بد من تنظيم هذا الحراك ليكون حراكًا مسؤولًا وراشدًا وصاحب مشروع نضالي شعبي وطني له أهداف.

ما ميز المواجهات الأخيرة هو دور الشباب الشجاع الذي دافع عن القدس والأقصى بدمه ولحمه، وهذه المواجهات أربكت المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها الأمنية.

 

المدينة: بعد توقف الأحداث، أمام المجتمع تحديات كبيرة داخلية وخارجية، ما هي أولوياته وما هي الطرق والأساليب التي تُمكنه من مواجهة التحديات على جميع الأصعدة والخروج منها بأقل الخسائر؟

صنع الله: على الداخل الفلسطيني أن يحافظ على حالة الوحدة التي تجلّت من خلال الأحداث الاخيرة، لا شك أن الأيام الحالية والقادمة سيتخللها اعتقالات وتحريض هي جزء من الحملة القمعية التي تمارسها المؤسسة الإسرائيلية، لذلك على الداخل الفلسطيني أن يمتنع عن سياسة الاستجداء والاسترضاء، وأن يعمل جاهدًا على اعادة وبث الروح في النضال الشعبي من جديد لأنه هو الكفيل الوحيد لمواجهة كل سياسات التمييز العنصري ضد الداخل الفلسطيني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى