أخبار رئيسيةأخبار وتقاريرمحليات

كعك العيد…هوية وحنين

عائشة حجار

في كل عام وفي نهاية شهر رمضان المبارك، تستعد العائلات الفلسطينية لاستقبال عيد الفطر بطاولات مزينة بأصناف مختلفة من الحلوى والفاكهة، استعدادًا لاستقبال الضيوف في العيد، كل حسب مقدرته وحسب الضيافة الدارجة في هذا العام. الا أن صنفًا من الكعك لا تخلو منه طاولة العيد الفلسطينية، وهو كعك العيد، الزرد، كعك الاساور، الكعك بالعجوة، واسماء أخرى تطلق عليه تبعًا للمنطقة ولهجة اهلها. وعلى الرغم من الاختلاف حول تاريخ الكعك كرمز للأعياد الاسلامية إلا أن المؤرخين يتفقون أن هذه العادة قديمة جدًا، وقد بدأت في مصر القديمة، حين كان المصريون القدماء يصنعون كعكًا على شكل حلقات يتم توزيعه في الاعياد والمناسبات.

 

ماضٍ وذكريات

 

كعك العيد الذي يعد جزءًا من التراث الفلسطيني وبعضًا من الهوية الفلسطينية وليس مجرد صنف من الحلوى يستطيبه معظم الناس، بل تدور حوله ظاهرة اجتماعية كاملة من الاجتماعات النسائية والتواصل الاسري، كما تحدثنا الحاجة حورية حجازي، أم علاء (71 عامًا) من مدينة طمرة: “الفرق بين الماضي واليوم كبير، في الماضي كانت هناك بهجة كبيرة لصنع الكعك وكان الناس يساعدون بعضهم بعضًا. فمثلًا إذا اردت صنع الزرد فكل نساء الحي وقريباتي كن يأتين، فتحضر كل منهن طابع الكعك والصينية لتساعد، وهكذا كنا نقضي أسبوعين نصنع في كل يوم الكعك في بيت آخر”.

وتقارن الحاجة حورية، الماضي باليوم بشيء من الحنين فتقول ضاحكة: “أمّا اليوم فما زال صنع الكعك جميلًا، لكن كل سيدة تصنع لوحدها وبكميات صغيرة، ففي السابق كنا نصنع الكعك بعشرة كيلو طحين، ولم نكن نعتمد على مقادير أو وصفة، كنّا نصنع العجين ونجد أن العجوة قليلة، فنذهب لإحضار المزيد. هذا ما كان لدى كل الناس سابقًا”.

وتستذكر موقفًا طريفًا عايشته حين “كنا نصنع الكعك وكانت إحدى السيدات تصطحب طفلها الذي يبلغ من العمر سنة فقط، وبعد أن أنهينا صناعة كمية كبيرة من الزرد أفسد الطفل معظمه، كان الأمر مضحكًا وبعض السيدات بدأت تضحك بينما غضبت أخريات، لكنها ذكرى لطيفة”.

 

ثقافة وتراث

 

على الرغم من مضي السنين، إلا أن هناك مميزات لا تتغير لكعك العيد تبقيه بارزًا بين باقي أصناف الحلوى، فتذكر الشيف كونديتور صابرين خالد، أن أكثر ما يميزه هو البهارات التي تضاف إليه، كالمحلب واليانسون والمستكة، فالمحلب هو أحد التوابل التي تميز المطبخ الفلسطيني ويصعب إيجادها في غيره، وعلى الرغم من أن طعمه ليس بارزًا، لكنه يضيف نكهة خاصة. بل تؤكد أن المحلب بهار فلسطيني خاص فأهل الشام لا يستخدمونه مثلما يفعل الفلسطينيون.

وبينما كان الكعك في الماضي مدورًا بلا نقوش أو تزيين، فاليوم يتميز كعك العيد بالنقوش التي تزينه وتتميز به صانعاته، فمعظم النقوش تصنع يدويًا، وحول هذا الاهتمام بدقة العمل تشرح صابرين: “في الماضي كان الكعك يصنع بدون نقوش، لكن اليوم لا نكاد نجد كعكًا غير مزين”.

وتوضح هذا الاصرار على العمل الدقيق بثقافة لدى النساء الشاميات: “تتميز نساء الشام عمومًا بالاهتمام بأن تكون الاطباق التي يصنعنها بأجمل شكل ممكن، فيمكن ملاحظة تطور شكل الكعك والتعامل معه على أنه جزء من ديكور طاولة العيد كونه رمزًا وصورة للعيد. فنساء الشام وفلسطين يميزهن النفس والحب لما يفعلنه، خاصةً لكعك العيد، فهن يعطين كل حبهن وجهدهن لصناعته بدون تذمر”.

وتفيدنا صابرين بمعلومة حول وجود حلوى المعمول في المكان الثاني بعد الكعك وتفسرها بأن: “الوصفات تتطور على مدى الزمن، في حالتنا الوصفة الأصلية هي الحلوى بالطحين، أي كعك العيد، أمّا المعمول بالسميد، فهي وصفة مطورة. ففي الماضي لم يكن جميع الناس يملكون المال لشراء السميد، أمّا اليوم فاختلف الوضع، إلا أن الوصفة الأصلية هي التي تبقى جزءًا من موروثنا الثقافي”.

وتتوجه صابرين برسالة حول صناعة الكعك في البيوت: “فأولًا فرحة صناعة الكعك وتعبه هي مما يشعرنا بقدوم العيد. الأمر الثاني هو أهمية الحفاظ على التراث الذي توارثناه من أجدادنا وتوريثه لأطفالنا”.

 

رمز للمحبة والتقدير

ويلاحظ أن كعك العيد يستخدم كهدية قيمة في الكثير من الأحيان، حيث يمكن ملاحظة العديد من المبادرات في الأسبوع الاخير من رمضان، لإهداء كعك العيد للجيران وكبار السن والأسر المتعففة. حول هذا تقول الحاجة سعدة ياسين-خطيب، مديرة المنتدى النسائي البلدي في أم الفحم، والذي احتضن مبادرة لصناعة كعك العيد وتوزيعه على كبار السن هذا الاسبوع: “لقد اخترنا كعك العيد كهدية للسيدات المسنات لهدفين أساسيين، فأولًا نحن نعلم أنهن كنّ يصنعن الكعك في السابق، ويشعرن بالحنين الى هذا الرمز المبهج، فحاولنا إعادة بعض الذكريات والمشاعر الجميلة عبر إهداء الكعك. والأمر الثاني كان اهتمامنا بأن نهديهن كعكًا صنعناه بأنفسنا، وكنا نخبر السيدات أن هذا الكعك هو من صنع أيدينا، لأن قيمة الكعك المصنوع يدويًا أعلى، وفيها رسالة من المحبة والتقدير”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى