أخبار رئيسيةأخبار عاجلةتقارير ومقابلات

العلاقات الأردنية ــ الإسرائيلية بانتظار “الصدام الكبير”

توحي كل الأجواء في الشرق الأوسط بانفجار قريب، بانتظار المنطقة يوم “الصدام الكبير” بين الأردن وإسرائيل، طرفي معاهدة وادي عربة للسلام الموقّعة في عام 1994، مع إعلان الحكومة الإسرائيلية نيّتها ضمّ المستوطنات في الضفة الغربية وغور الأردن وشمال البحر الميت، بشكل رسمي في يوليو/ تموز المقبل. ويشكّل ضمّ الأغوار تهديداً حقيقياً للأمن القومي الأردني، لأنه يعني تهجير المزيد من الفلسطينيين، وإنهاء الحلم بعودة اللاجئين، وقطع التواصل بين الأردن والأراضي الفلسطينية، واللعب بالجغرافيا والديمغرافيا، واغتيال أي محاولة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة عاصمتها القدس، في وقت يترنّح فيه الأردن بسبب الأزمة الاقتصادية.

وقبل حلول يوليو المقبل، يسود التوتر العلاقة الأردنية ـ الإسرائيلية، ومع أنه غالباً ما كانت إسرائيل تفرض سياسة “الأمر الواقع”، إلا أن الوضع يبدو مختلفاً حالياً، أقلّه بحسب تصريحات العاهل الأردني عبد الله الثاني، التي أدلى بها لمجلة “دير شبيغل” الألمانية، يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، قائلاً إن إقدام إسرائيل على خطوات ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، سيؤدي إلى صدام كبير مع بلاده، ويجعل الجميع أمام احتمالات رؤية مشهد مختلف. وأضاف “لا أريد أن أطلق التهديدات أو أن أهيئ جواً للخلاف والمشاحنات، لكننا ندرس جميع الخيارات”. ومع أن الصراع العسكري مستبعد، وهو أقرب إلى المستحيل، إلا أن ملك الأردن لا يريد دفع بلاده إلى المجهول، الذي يهدد استقرارها وربما وجودها.

من جهته، لوّح رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، بإعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل، في حال مضيها بتنفيذ مخطط الضم، قائلاً “لن نقبل بالإجراءات الإسرائيلية الأحادية لضم أراض فلسطينية وسنكون مضطرين لإعادة النظر بالعلاقة مع إسرائيل بكافة أبعادها”. وأوضح الرزاز في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا” مساء الخميس، رداً على سؤال بشأن الإجراءات الإسرائيلية الأحادية لضم أراضٍ في الأغوار وشمال البحر الميت، أن “التهديدات الإسرائيلية بضم أراض فلسطينية، تأتي في ظروف جائحة كورونا، وانشغال العالم بها، وبعد انتخابات إسرائيلية تعثرت مراراً، وهناك نيّة للاستفادة من هذا الوضع لاتخاذ إجراءات أحادية على أرض الواقع”، مضيفاً “لن نقبل بهذا، وبناء عليه ستكون لدينا فرصة لإعادة النظر بالعلاقة مع إسرائيل بأبعادها كافة، ولكن لن نتسرع ونستبق الأمور”.

في السياق، يرى وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة، في حديث صحفي، أن تصريحات الملك تحمل رسائل تفهمها الأطراف المعنية، تحديداً الولايات المتحدة والاحتلال، فالأردن دولة شريكة مع العالم الغربي في كثير من المجالات والرؤى، مثل محاربة الإرهاب وبناء فكر السلام ومحاربة التطرف. ويوضح أن الصدام أو الصراع مع إسرائيل يعني تفكيك كل ما انبثق من معاهدة السلام على صعيد العلاقات السياسية والأمنية، ونقل إسرائيل من مكانة الدولة التي تربطها بالأردن معاهدة سلام إلى خصم سياسي وعدو، أي تغيير العقيدة السياسية والأمنية الأردنية تجاه إسرائيل.

ويضيف: تدرك إسرائيل أن الصدام يعني تقوية العلاقات مع خصومها، وانتقال الأردن، ولو تدريجياً، إلى طرف لا يؤمن بعملية السلام بشكلها القائم. ويتابع: أما تجميد المعاهدة أو وقف ما انبثق عنها من تعاون وتنسيق، فهو أمر مهم، خصوصاً أن حدود الأردن مع فلسطين المحتلة طويلة وتبلغ نحو 600 كيلومتر، ومن الصعب على الاحتلال ضبطها من دون تنسيق. وإذا وصلت الأمور إلى حدّ إلغاء المعاهدة، فإن هذا سيشكل حالة ضاغطة على الأطراف العربية الأخرى التي تقيم علاقات مع إسرائيل، بل سيجعل العلاقات غير المعلنة بين بعض العرب وإسرائيل في وضع صعب.

ويرى المعايطة أن حدوث صدام سياسي بين الأردن وإسرائيل، سيضع المنطقة في وضع متوتر، وقد يؤدي إلى انتفاضة جديدة في الأراضي الفلسطينية وغزة حتى من دون أن يكون للأردن دور فيها. ويشدّد على أن الصدام سيحدث إذا اتُخذ قرار الضمّ، فالأردن حينها لن يجني مما يسمّى عملية السلام إلا الخسائر، فضياع الضفة أو انهيار السلطة وقتل حل الدولتين، يعني أننا سنخسر وسنكون مهددين في استهداف الهوية الوطنية الأردنية وحتى الجغرافيا. ويعتبر أن الإسرائيليين يصنعون العداء، فعندما تصل دولة مثل الأردن، عرفها العالم مخلصة لفكرة السلام الحقيقي، إلى مرحلة اليأس من بقاء هذا السلام، ولا يعود للمعاهدة أي قيمة أو فائدة، فهذا يعني أن السلام مستحيل، وأن السبب في ذلك هو الطرف الذي يؤكد أنه لا يصلح إلا أن يكون عدواً. إلا أن المعايطة يستدرك بالقول: إن الأردن دولة واقعية وتدرك معطيات الواقع العربي والدولي، وبالتالي فإن الصدام سيبقى في الإطارين السياسي والدبلوماسي.

من جهته، يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أيمن الحنيطي، في تصريحات صحفية، إن كل المعطيات تؤشر إلى أن الأوضاع تمرّ بفترة حساسة وحرجة، يسود فيها التوتر الكبير مع إسرائيل، وهذا ما قاله الملك. ويتابع: من الواضح أن الضمّ أصبح أمراً واقعاً بعد الاتفاق الثنائي بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس على حكومة ائتلافية، ومن المتوقع تنفيذ الضمّ في مطلع شهر يوليو/ تموز المقبل، ولن يتم التراجع عنه من قبل السياسيين الإسرائيليين إلا إذا حدثت معجزة. ويشير إلى أنه لا يُمكن إبطال هذا القرار، إلا من خلال محكمة العدل العليا الإسرائيلية، معتبراً أن “إبطال أي قرار إسرائيلي يتم من خلال قرارات محكمة العدل، فهي أقوى مرجعية داخل دولة الكيان، وأقوى من قرارات الأمم المتحدة، وأي ضغوط من الاتحاد الأوروبي”.

ويضيف الحنيطي: إذا أقدمت إسرائيل على هذه الخطوة، فستنتقل العلاقة مع الأردن من التوتر إلى الصدام الذي يحمل معاني عدة، ومنها تجميد معاهدة السلام، وتجميد اتفاقية الغاز، وإعادة السفير الأردني من تل أبيب. وهي خطوات متوقعة من الطرف الأردني، بالإضافة إلى خوض الأردن معركة دبلوماسية وقانونية بكل قوة. ويرى أن تجميد الاتفاقية سيكون خطوة مهمة في المرحلة الأولى، وإذا كان هناك ضغط من الشارع وساءت الأمور أكثر، ربما يكون هناك إلغاء للاتفاقية، مستدركاً بالقول إن الأردن لا يقدم على أي خطوة إلا بعد دراسة مستفيضة للإيجابيات والسلبيات.

ويبدي الحنيطي اعتقاده بأن الاتجاه إلى تجميد معاهدة السلام خطوة مبررة على الصعيد السياسي الدولي، لأنها تحصل في ظلّ عدم جدّية الطرف الآخر في العملية السلمية، وهي رسالة قوية. أما إلغاء الاتفاقية فتترتب عليها نتائج سلبية، ترتبط بنظرة المجتمع الدولي للأردن كطرف معتدل، كذلك يضرّ بحصة الأردن من المياه وقدرته على إدارة المقدسات. ويلفت إلى أن إلغاء الاتفاقية سيصبّ في صالح اليمين الإسرائيلي، مستشهداً بتوقعات محللين إسرائيليين، يعتبرون أن هناك من يحاول من اليمين الإسرائيلي الضغط على الأردن، من أجل إلغاء اتفاقية وادي عربة والتحلل من التزاماته، خصوصاً تلك المتعلقة بحصة الأردن من المياه وإدارة المسجد الأقصى والمقدسات. ويشير الحنيطي إلى وجود مخاوف أمنية إسرائيلية من تداعيات الضمّ، ومن هؤلاء رئيس القسم السياسي ـ الأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية، الجنرال احتياط عاموس جلعاد الذي حذّر من انهيار العلاقة مع الأردن.

بدوره يقول الخبير الأمني جلال العبادي، في حديث معه، إن الأردن في الوقت الحالي لن يذهب للصراع العسكري والأمني مع إسرائيل بل سيتبنّى مواجهة سياسية دبلوماسية، أي على قاعدة تصادم المصالح، لأن أي حل مرتبط بالدولة الواحدة يعني تهجير الفلسطينيين، ولا عودة للاجئين، وإغلاق ملف القدس. ويستبعد العبادي حصول صدام عسكري بسبب العديد من المعطيات، ومنها الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها الأردن، وكذلك ما يعانيه بسبب الإجراءات المتخذة لمواجهة فيروس كورونا، فيما إسرائيل تحاول استغلال هذه الظروف لفرض سياسة الأمر الواقع. ويرى أن الأردن يملك ورقة ضغط قوية بسبب الحدود الطويلة، ويمكنه أن يقلب الطاولة على إسرائيل إذا تساهل في الرقابة على الحدود، ولا نريد القول إن الأردن سيفتحها ويتسبب بالفوضى لأنه لا يهدد بهذه الورقة إلا أنها تبقى مرتبطة بتطورات الأحداث.

ويضيف أن أمن الأردن من أمن المنطقة ومن الممكن في حال توتر العلاقات أن يتأثر التنسيق الأمني المرتبط بالمعلومات الاستخبارية بين البلدين حول الجماعات المسلحة والإرهابية، لافتاً إلى أن التنسيق الأردني مع إسرائيل يركز على مكافحة الإرهاب، وهو تنسيق يتخذ طابعاً دولياً، وإذا أوقف الأردن تدفق المعلومات فإسرائيل ستكون الخاسر الأكبر.

ويشدّد العبادي على أن لغور الأردن أهمية استراتيجية عسكرياً، وهو بعمق 50 كيلومتراً، وخاضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية حتى في ظل اتفاقات التسوية، مشيراً إلى أن سيطرة إسرائيل على الأغوار تجعله فاصلاً مع الضفة الغربية، مصعباً التواصل بين الأردنيين والفلسطينيين. ويلفت إلى أن غور الأردن الذي يشكل حوالي 28 في المائة من مساحة فلسطين المحتلة، يسكنه نحو 700 ألف فلسطيني ونحو 7 آلاف مستوطن، وهو قوة اقتصادية كبيرة، إذ أنه ليس فقط سلة غذائية بل مستودع للمياه. ويتوقع العبادي أن يقوم الأردن بتخفيض التمثيل الدبلوماسي من خلال سحب السفير الأردني في تل أبيب، وطرد السفير الإسرائيلي في عمّان، وتجميد اتفاقية وادي عربة، في حال تنفيذ القرار الإسرائيلي بضمّ الأغوار وشمال البحر الميت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى