أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

حتى المساعدات الأممية للمدنيين عطّلتها.. كيف أصبحت قرارات الأمم المتحدة حول سوريا رهينة في يد روسيا؟

كان الوقت بعد منتصف الليل في غرفة بالطابق السفلي خالية من النوافذ بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، وكان الدبلوماسيون الروس يمسكون بميزانية المنظمة البالغة 3 مليارات دولار رهينة. فبعد أيام فقط من بدء العام الجديد، كان المندوبون من عدة دول يكافحون من أجل التوصل إلى اتفاق يُغطي كل شيء، بدءاً من عدد المترجمين الذين يُرسَلون إلى جنيف وصولاً إلى مَن يحق له السفر على متن رحلات الدرجة الأولى. أُصيبت المحادثات بالشلل بسبب بند يمثل جزءاً بسيطاً من مقترح الميزانية، لكنَّه مع ذلك يترتَّب عليه تداعيات، وينص هذا البند على تخصيص 17 مليون دولار للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الصراع السوري المستمر منذ 9 سنوات.

تقويض جهود الأمم المتحدة في سوريا
تقول وكالة Bloomberg الأمريكية، كان ذلك حين دخل مسؤول روسي إلى غرفة الاجتماع وأخبر أكثر من 24 دبلوماسياً أنَّ اتفاقهم ليس جيداً بما فيه الكفاية بعد، ما تسبَّب في إطالة أمد المفاوضات إلى ما بعد عيد الميلاد، وذلك بحسب ثلاث أشخاص كانوا مشاركين بالمباحثات.
وفي حين أنَّ إجراء مباحثات بشأن الميزانية في اللحظات الأخيرة ليس أمراً معتاداً في الأمم المتحدة، فإنَّ دبلوماسية موسكو المتشددة بشأن سوريا تُعَد جزءاً من حملة حازمة على نحوٍ متزايد يشنّها البلد دائم العضوية بمجلس الأمن الدولي على المنظمة الدولية، في الوقت الذي توسع فيه موسكو نفوذها في الشرق الأوسط. وهذا مسعى يهدف لدرء التهديدات عن نفوذها في سوريا، حيث سمح سلاح الجو الروسي للرئيس الأسد بتوطيد سلطته على كامل سوريا تقريباً باستثناء الجزء الشمالي الشرقي الغني بالنفط.
يقول لوي شاربونو، مدير فرع منظمة هيومن رايتس ووتش لدى الأمم المتحدة، في مقابلة: «تبذل روسيا كل ما بوسعها لتقويض عمل الأمم المتحدة في سوريا، وهم يعرفون أنَّ أحد السبل الرئيسية لذلك هو من خلال التركيز على الميزانيات».
ولم يرد متحدثٌ باسم البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة على طلباتٍ من أجل التعليق على المسألة.

14 فيتو روسي حول سوريا
نجح الإجراء المتعلِّق بسوريا في تجاوز تصويتٍ محتدم يوم 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولو أنَّ دبلوماسيين حذروا من أنَّ روسيا ستستمر في معارضته في المفاوضات المستقبلية. واستخدمت روسيا، البلد الذي يتمتع بحق النقض (الفيتو) بمجلس الأمن الدولي، نفوذها على نحوٍ متزايد من أجل التصدي لمساعي تقويض حملتها في سوريا. إذ استخدمت حق الفيتو 14 مرة في قضايا تتعلق بسوريا منذ بدء الصراع، وهو معدل أكثر بكثير مما استخدمه أي عضو آخر على مدار نفس الفترة.
وتُعَد تلك الخطوات جزءاً من مساعي الرئيس فلاديمير بوتين الأوسع نطاقاً لصياغة الأحداث في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لتقليص دورها. وكان قرار بوتين بدخول الحرب السورية عام 2015، قد أنقذ نظام الأسد وأجبر القوى الإقليمية الأخرى على التنسيق مع موسكو بشأن مستقبل سوريا، ما أدى إلى تهميش سلسلة من محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة وعانت كي تلقى زخماً.
وسَّعت روسيا كذلك هوة في العلاقات الأمريكية التركية بإقناعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشراء منظومة صواريخ دفاعية روسية، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لإخراج أنقرة من مشروع مقاتلات F-35. ونشرت موسكو مرتزقة لدعم اللواء خليفة حفتر في ليبيا ضد الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة.
وفي حين أرسل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوات إضافية إلى الشرق الأوسط لمواجهة إيران، صعَّد كذلك مطالبه من الدول الأخرى وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من أجل بذل المزيد في ما يخص الأمن الإقليمي، بهدف تقليص التزامات القوات الأمريكية في «الحروب التي لا تنتهي»، بدءاً من سوريا وحتى أفغانستان.

روسيا تفرض قوتها على الأمم المتحدة
يقول دبلوماسيو الأمم المتحدة إنَّ ثقة روسيا بشأن استخدام قوتها تزداد وإنَّها تمارس ضغطاً عكسياً قوياً رداً على قرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش العام الماضي بدء تحقيقٍ منفصل في الهجمات التي استهدفت مناطق مدنية –بينها مستشفيات ومدارس- في سوريا. ووقعت تلك الهجمات على الرغم من أنَّ تلك المنشآت كانت قد قدَّمت إحداثيات مواقعها الجغرافية للجيشين الروسي والسوري بهدف تجنُّب التعرُّض للقصف خطأً.

وبعد أيام فقط من معركة الميزانية على خلفية التحقيق المتعلق بحقوق الإنسان، والذي من شأنه جمع أدلة لمحاكم جرائم الحرب المحتملة، تحدَّت روسيا القوى الغربية في مفاوضات ماراثونية بشأن الممرات الإنسانية إلى داخل سوريا. فكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يرغبون في توفير 3 نقاط وصول على الأقل للأمم المتحدة كي توصل المساعدات في الأشهر الـ12 التالية. في حين وضع الروس قيداً بممرين ومدة 6 أشهر فقط.

رهينة للصدفة
في مواجهة احتمال قطع كل إمكانية لوصول المساعدات في حال الفشل في إبرام اتفاق، تراجع أعضاء مجلس الأمن إلى الخلف في يناير/كانون الثاني الماضي. لكنَّ النتيجة النهائية تركت المدنيين يعانون في واحدةٍ من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم ومنقطعين بصورة أكبر عن العالم الخارجي.
أدى القرار بشأن ممرات المساعدات إلى توجيه اتهامات من جانب الحلفاء الغربيين، الذين لم يتمكنوا من الاتفاق على استراتيجية لمواجهة الروس. فوصفت سفيرة المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة، كارين بيرس، اليوم بأنَّه «واحدٌ من أكثر الأيام حزناً» لسوريا، مُتَّهِمةً روسيا بـ «ترك حياة الشعب السوري في الشمال الغربي رهينةً للصدفة». وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، إنَّ «روسيا انخرطت بلا كلل في جهودٍ لدعم نظام الأسد وتجويع خصوم النظام».
يقول السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إنَّ الظروف على الأرض في سوريا تغيَّرت، وإنَّ المساعدات الإنسانية الآن تأتي من داخل سوريا. واتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال لقاءٍ في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، الدول الغربية بتطبيق «معايير مزدوجة» في محاولاتها لتجنُّب إرسال «المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة».

هجمات «مُدبَّرة»
يقول دبلوماسي إنَّ الروس ضغطوا في البداية على غوتيريش من أجل تضييق نطاق التحقيق في استهداف المواقع المدنية ليشمل التحقيق عدد مواقع أقل، وكانوا يحاولون كذلك منعه من نشر النتائج. ورداً على ذلك، وزعت بعثة المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، على الحلفاء مسودة رسالة من شأنها أن تحض الأمين العام على إعلان النتائج.
وقال المتحدث باسم غوتيريش، ستيفان دوجاريك، في آخر تصريحاته إنَّ تقديم التقرير تأجَّل حتى 13 مارس/آذار، وإنَّ الأمين العام سيقرر ما يفعله بشأنه بمجرد مراجعة نتائجه.
تصادمت روسيا كذلك مع الدول الغربية في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهي إحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة. ففي يناير/كانون الثاني الماضي، قدَّم مسؤولون روس عرضاً تقديمياً زعموا فيه أنَّ الأدلة التي استُخرِجَت من هجومٍ وقع بالأسلحة الكيماوية في سوريا عام 2018 كانت «مُدبَّرة». ووصفت السفيرة الأمريكية لدى المنظمة، شيريث نورمان شاليه، هذه المحاولة بأنَّها «حملة تضليل وقحة تُشَن قبل النشر المُنتَظَر» لأحد تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

«القدوة» الروسية
وقالت: «حين لا تُعجَب روسيا وسوريا بنتائج الأمم المتحدة أو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فإنَّهما تستخدمان اجتماعاتٍ مثل هذا لتقويض هاتين المنظمتين والحقائق التي تقدمانها».
وتقول الولايات المتحدة وهولندا أيضاً إنَّ روسيا شنَّت هجمات إلكترونية ضد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، والتي تفحص كذلك الأدلة على استخدام غاز الأعصاب في هجومٍ وقع بالمملكة المتحدة عام 2018، يلقي المسؤولون البريطانيون اللوم فيه على الكرملين.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وبهدف التصدي للانتقادات التي وُجِّهَت لأساليبهم، عقد الدبلوماسيون الروس اجتماعاً لقادة وكالات الأمم المتحدة في نيويورك يُركِّز على إسهامات روسيا الإيجابية في مشروعات التنمية. واستخدم السفير نيبينزيا الفعالية لتسليط الضوء على التزام روسيا بجهود التنمية في مرحلة ما بعد الصراع في سوريا، وانتقد الدول التي تربط تمويلات التنمية بالظروف السياسية.
وأومأ السفير السوري لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، الذي كان يجلس في الجهة المقابلة من الطاولة، برأسه في تعبير عن الموافقة على حديث السفير الروسي. وقال الجعفري: «لطالما كانت روسيا هي القدوة».
(عربي بوست)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى