محليات

الراحل سليمان أحمد جبارين من أم الفحم… من أبناء الرعيل الأول في العمل الإسلامي.. دائم الابتسامة ونصير المحتاجين

طه اغبارية

“كان عنوان التسامح والسعي الحثيث لنصرة الفقراء والمحتاجين، لم نشاهده إلا مبتسما، عمل طوال سنوات في البلدية، نائبا لرئيس البلدية، بدون راتب، لكنه داوم وكأنه موظف”. هكذا يمكن أن نجمل مسيرة عريضة من العطاء والإخلاص في خدمة الناس والمجتمع، لأحد أبناء الرعيل الأول في مسيرة المشروع الإسلامي في مدينة أم الفحم، الحاج سليمان أحمد جبارين (أبو الأدهم) والذي وافته المنية يوم السبت الفائت، عن 73 عاما، جراء نوبة قلبية حادة.

 

عضوا مؤسسا في العمل الإسلامي

نعى الشيخ نائل فواز، رئيس هيئة الدعوة في مدينة أم الفحم، المرحوم الحاج سليمان جبارين، وقال إنه كان من أبناء الرعيل الأول في مسيرة العمل الإسلامي وقضى حياته في العمل الإصلاحي والاجتماعي في المدينة.

وأضاف الشيخ نائل لـ “المدينة”: “في مثل هذا الموقف لا نقول إلا ما يرضي الله تعالى فإنّا لله وإنا إليه راجعون، وننعى إلى أهلنا وأبناء مجتمعنا رجلا من أهل الخير والصلاح فكان بمثابة الأب والأخ للجميع، كان عضوا مؤسسا في مسيرة العمل الإسلامي ومعسكرات العمل ولجنة الزكاة، وله بصمات خالدة في مسيرة العمل البلدي مع الكتلة الإسلامية وكان عضوا ممثلا عنها في البلدية إلى جانب اشغاله منصب نائب رئيس بلدية أم الفحم”.

ختم الشيخ نائل بالقول: “عزاؤنا في الإرث العظيم الذي تركه المرحوم العم أبو أدهم فتلاميذه في الدعوة على العهد، نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته”.

 

الأب الحنون المتسامح

عن تفاصيل لحظة الفراق، يقول أدهم الابن البكر للمرحوم الحاج سليمان جبارين، لـ “المدينة”: “التقينا يوم الجمعة عند الوالدين على الغداء، كان أبي في كامل وعيه يمازح الأحفاد ثم انتقل إلى شرفة المنزل لشرب القهوة، وبعد فترة لاحظت زوجة أخي أنه في حالة فقدان وعي، نقلناه على الفور إلى مشفى النور ثمّ إلى مستشفى العفولة وهناك أسلم روحه إلى بارئها”.

زلزل الرحيل المفاجئ لأبي الأدهم العائلة، وهذا الأمر يزيد نجله البكر ألما: “كنت أود أن أخدمه أكثر وأكون إلى جانبه أكثر، عملت وإياه في محلنا للزجاج وكنت أمازحه كثيرا وأحيانا “أغلبه”، ما أصعب فراقه علينا، ولكن الحمد لله على كل شيء”.

عن الصفات التي تحلى بها الوالد، يتابع أدهم: “هو أسهل أب، كان متساهلا متسامحا معنا ومع كل الناس، لم يقصر مع أي واحد من أبنائه وبناته (4 أبناء وابنتين)، كان يكتسب ثقة الآخرين من خلال أسلوبه في التعامل، مثلا، بعض التجار والموردين الذين تعاملوا معنا من سنوات طويلة، من العرب واليهود، لم يلتقوه قط وكانت معاملاتهم معه تتم عبر الهاتف، نجح والدي باكتساب ثقتهم الكاملة، وكنت حين التقي معهم يمتدحون دماثة أخلاقه وتعامله معهم ويقولون لي “دير بالك عليه”. بقي رحمه الله يعمل حتى آخر لحظة في حياته، يوم الخميس قبل النوبة القلبية التي ألمت به كان في مكتبه بالمحل، تعلق قلبه بالعمل دائما ولم يعرف الراحة”.

بحسب نجله البكر، تحوّل محل الزجاج الذي تمتلكه العائلة إلى “مخزن” للطرود الغذائية التي تقوم عليها لجنة الزكاة والتي كان الراحل عضوا فيها.

“كنت ألاحظ حرصه الشديد على خدمة العائلات التي تعيش ضائقة اقتصادية وكان يسعى لذلك بكل إخلاص حتى يوفر لمن يتوجّه إليه المساعدة اللازمة”. يؤكد أدهم.

عن علاقة المرحوم بزوجته، الوالدة، يضيف أدهم: “أعطاها كل المودّة والرحمة والحب، ويمكن اعتبار شراكتهما في الحياة نموذجية في كل شيء”.

وتقدّم أدهم جبارين عبر “المدينة”، بالأصالة عن نفسه واخوانه واقاربه جميعا، بالشكر الجزيل لكل من شارك العائلة مصابها برحيل الحاج سليمان أبو الأدهم، سواء كان ذلك بالمشاركة في تشييع جثمانه أو الحضور إلى بيت العزاء أو ارسال برقيات التعازي من خلال الهاتف أو مواقع التواصل الاجتماعي.

 

رفيق الدرب

عند الحديث عن المرحوم سليمان جبارين أبو الأدهم لا يمكن إكمال حكايته في هذه الدنيا ومسيرته بالمشروع الإسلامي الذي انتمى إليه دون لقاء رفيق دربه من الطفولة، الحاج مفيد أحمد جبارين (أبو أحمد).

يقول الحاج مفيد لـ “المدينة”: “أعرف أخي وصديقي أبو الأدهم منذ الطفولة، من الصف الأول، كانت وفاته فاجعة لي بشكل شخصي، فقد خفّ تواصلنا المباشر خلال جائحة كورونا وتواصلنا هاتفيا بشكل دائم، يوم السبت الأخير في ساعات الظهر جرى ابلاغي بما ألمّ به، لم أصدّق وأحسست بحزن شديد وتمسكت بأمل أن يقوم من هذه الوعكة اتصلت بالدكتور محمد أبو سلومة، أحد الأقارب، وهو مسؤول في القسم الذي نقل إليه أبو أدهم فأبلغني بخطورة الحالة وأن أمره بيد الله”.

عن حياتهما معا، يضيف الحاج مفيد: “كما ذكرت آنفا فقد وعينا على هذه الحياة، ونحن نعرف بعضنا. في جيل الشبيبة المبكرة (16 عاما) أسسنا فريقا لكرة القدم كان اسمه “الزمالك” وكان أبو الادهم عاشقا لكرة القدم وله فيها محطات كثيرة وكان عضوا ناشطا في إدارات الفرق المتعاقبة في أم الفحم، بعدها انتقلنا للعمل كل في مكان منفصل عن الآخر ثم عدنا للعمل في مصنع الورق في الخضيرة، وما أن انطلقت الصحوة الإسلامي حتى كنا من شبابها وفي صفوفها، وبدأنا في حارة الجبارين نزور الناس في بيوتهم ونحثهم على الصلاة في المسجد، كان في الحارة 4 مقاهي ولما أن بدأ الشباب يرتادون المسجد في الحارة أغلقت المقاهي أبوابها، ثم بدأنا مع أخوة آخرين في مشاريع إعمار مسجد الجبارين وتوسعته وكذلك العمل على بناء مسجد الفاروق في “الملساء” ومسجد “إسكندر”، وهكذا كنت وأخي “أبو الأدهم” معا. وبقي حتى آخر أيامه عضوا فاعلا في لجنة الزكاة، كما كان أحد المبادرين المخططين لمعسكرات العمل الإسلامي التي أطلقتها الصحوة الإسلامية في بلدنا، ونجحت بفضل الله وجهود المخلصين كأبي الأدهم بتنفيذ مئات المشاريع في بلدنا”.

يؤكد الحاج مفيد: “كان المرحوم أبو الأدهم متسامحا جدا جدا، لا يعرف الحقد أبدا، لا يغضب من أحد، قدرته على تحمل النقد برحابة صدر مذهلة، يمكنه استيعاب أي شخص، دخل بلدية أم الفحم عضوا عن الكتلة الإسلامية منتصف التسعينات، ثم عاد مرة أخرى من 2003 إلى 2008، كان نائبا لرئيس البلدية ومسؤول قسم الصحة في البلدية، بدون راتب، لكنه كان يعمل كموظف بدوام كامل”.

ختم الحاج مفيد جبارين حديثه عن رفيق دربه “أبو الأدهم”، بالقول: “أمثال أخي الحاج سليمان تبكيهم العيون ويفتقدهم الناس، لا حدود لعطائه ولا حدود لتضحياته وإخلاصه وتسامحه، سنفتقد ابتسامته التي لم تغادره أبدا، نسأل الله تعالى أن يلهمنا من بعده الصبر والسلوان وأن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته”.

 

جابر الخواطر

الحاج مصطفى غليون، رئيس لجنة الزكاة المحلية في مدينة أم الفحم، يعرف المرحوم منذ بدايات العمل الإسلامي من خلال معسكرات العمل وفي لجنة الزكاة، كما جمعهما العمل البلدي.

وقال لـ “المدينة”: “كان من أحرص الناس على تقديم المساعدة لكل من توجّه إلى لجنة الزكاة، عندما كنا نطلب تقريرا عن حالة عائلة تقدّمت بطلب مساعدة، كان أبو أدهم يقول “يا رجل اعطي ومتسألش مياتنا عالنار”، كان متعاطفا جدا مع كل طلب منوّها إلى أنه لولا الحاجة لما سألوا عن مساعدة”.

كانت روحه مرحة جدا يحب خدمة الناس ومصالحهم بدون حدود، يضيف الحاج مصطفى.

وختم الحاج مصطفى غليون بالقول: “نبأ وفاته كان صاعقا فقد اعتدنا في لجنة الزكاة أن نعود من مرض من أعضاء اللجنة، ولكننا لم نبلغ بأن المرحوم يشكو من شيء، لذلك كان وقع الصدمة شديدا عليّ بشكل خاص، فكما فقده أهله كلنا فقدنا المرحوم ونسأل الله أن يعوضنا فيه خيرا وأن يجعله في عليين مع الأنبياء والصديقين والشهداء”.

وقال الدكتور سليمان أحمد اغبارية، من قيادات العمل الإسلامي في أم الفحم والداخل الفلسطيني، إن “بصمات المرحوم “أبو أدهم” حاضرة في كل ميادين العمل الإسلامي، في معسكرات العمل ولجنة الزكاة والعمل الاغاثي والعمل البلدي، كان مرحا جدا، دائم الابتسامة، وقبيل وفاته بيوم كان يتابع حالات أناس توجهوا إلى لجنة الزكاة”.

عن زمالته للمرحوم في بلدية أم الفحم، يضيف الدكتور سليمان: “كان أبو الأدهم نشيطا جدا في العمل البلدي، يسعى بكل جد لحل مشاكل الناس، ويطرح قضاياهم الحارقة على طاولة البلدية والكثير من المشاريع التي أنجزت في المدينة كانت ثمرة اقتراحات تقدّم بها المرحوم، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته”.

بدوره قال الحاج علي غالب جبارين لـ “المدينة”، إن علاقته بأبي الأدهم كانت علاقة أخوة وصداقة وجيرة حسنة.

وأضاف: “كان من أحسن الجيران في تسامحه وسعة صدره واهتمامه، لم نر منه إلا كل خير. هذا إلى جانب بصماته المباركة في مشاريع الدعوة ومنها لجنة الزكاة التي ستفتقد أحد أعمدتها رحمه الله رحمة واسعة وألهمنا من بعده الصبر والسلوان”.

 

حاتم الطائي”

يقول الشيخ هاشم عبد الرحمن، رئيس بلدية أم الفحم الأسبق، عن رفيق دربه المرحوم أبي الأدهم: “رحم الله الأخ العزيز الغالي سليمان أحمد أبو أدهم، كل الكلمات لن توفيه حقه، ولا نزكي أحدا على الله، عرفناه من السابقين الأولين التائبين السائرين في ركب دعوة الله ونصرة دينه، عرفناه شابا نشأ في طاعة الله، ناصرا للدين من خلال جهده المبارك في الجمعيات الخيرية ولجنة الزكاة، من خلال معسكرات العمل، والروضات الإسلامية والمخيمات والمعسكرات الصيفية للطلاب ولجنة الإغاثة، حتى وصل الى أن يكون منتخبا في البلدية من خلال الكتلة الإسلامية، وأصبح نائبا لرئيس البلدية ورئيسا للجنة الرياضة ولجنة الصحة والرفاه”.

وأضاف: “كان لأبي أدهم توأم، لا بل كان الجميع فينا توأما له ومعه، ولكن لا أستطيع أن أذكر المرحوم دون ذكر الأخ الحبيب، أطال الله عمره، الأخ الحبيب الحاج مفيد، حيث عملا معا في معمل الورق في الخضيرة ليلا، وأتيا للعمل في البلدية نهارا، وكل ذلك كان تطوعا لوجه الله، حيث كانا عنوانا للمرح مع الجدية وعنوانا للعطاء والتضحية، كانا يضفيان على كل جلسة روحا من المرح والدعابة”.

وأكمل قائلا: “رحمك الله أخي “أبو أدهم”، أتحدث عنك بلهجة كنت، ولكن ذكراك باقية، أشهد لك بالخير، شهما كريما مضحيا معطاء متواضعا، كانت كنيتك المحببة إلي وإلى أخي الحج مفيد، حاتم الطائي، كيف لا أذكر تلك الأيام ونحن نسهر لخدمة بلدنا حتى ساعات الليل المتأخرة ونحن نأكل الحمص والفول من يد أخ حبيب لنا الحاج صلاح عارف رحمه الله تعالى، كيف لا أذكرك وأنت تطوف على مشاريع العمل الاسلامي وأنت تتابعها وقد تغبر جسدك في سبيل الله، وأنت تعمل في بناء المساجد وفي بناء الجدران وأنت تعمل في المنتزهات، نستذكر وقفاتك الطيبة وأنت تعمل ليلا نهارا لإكمال الملاعب الرياضية وأنت تعمل من أجل الصحة العامة، كنت لنا قدوة، تعلمنا منك الكثير، أحببناك في الله، اجتمعنا عليه وتفرقنا عليه… أسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياك في ظله يوم لا ظل إلا ظله في صحبة الحبيب صلى الله عليه وسلم”.

ونختم تقريرنا هذا عن الراحل المرحوم سليمان جبارين، بما كتبه ابنه، الدكتور أيمن سليمان، حيث يقول: “رحم الله أبي الحنون الغالي الحاج أبو الأدهم، عزاؤنا في سيرتك العطرة وبصماتك الطيبة في ميادين الخير ومشاريع العمل الاسلامي منذ نشأتها. اللهم أكرمنا أن نكمل برّه بعد وفاته، وأن نعوض غاليتنا أم الأدهم بعضا من لطفه وكرمه رحمه الله تعالى”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى