أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرالقدس والأقصى

موجة كبيرة من الاعتقالات والإبعادات عن الأقصى.. مختصون لـ “المدينة”: إبعادات في سياق رؤية كبيرة وخطيرة

* المحامي خالد زبارقة: لا يوجد أي تفسير أخر لحملة الإبعادات غير فرض واقع جديد على الأقصى
* د. جمال عمرو: حملة الإبعادات الكبيرة تأتي في سياق عملية شمولية لتهويد فلسطين من البحر إلى النهر

ساهر غزاوي
بعد إغلاق المسجد الأقصى المبارك بقرار من قبل دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة لمدة 69 يوما كإجراء وقائي للحد من انتشار فيروس كورونا، أعيد فتح بواباته أمام المصلين فجر 31 من أيار الماضي، في مظاهر من الفرح والسرور والبهجة وعلى وقع التكبيرات والهتافات وترديد شعارات تعكس مدى حب وعاطفة وشوق المسلمين للمسجد الأقصى المبارك.
غير أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، كعادتها، لم يرق لها أن ترى المصلين في مثل هذه الأجواء، وأبت إلا أن تنغص عليهم وتسرق منهم الفرحة والسرور في العودة إلى مسجدهم، فقامت بتصعيد سياسة الإبعاد عن المسجد الأقصى بحق المصلين من خلال موجة كبيرة من الاعتقالات والإبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة.
مثل هذه الموجة من الاعتقالات والابعادات اعتاد عليها الفلسطينيون، خاصّة قبيل مواسم الأعياد اليهودية، لكن هذه المرة قرارات الإبعاد الأخيرة ترمي لتفريغ الأقصى من رواده لفرض واقع جديد على المسجد. وإحكام السيطرة عليه، وتجريده من طابعه الإسلامي المحض زمانيًا ومكانيًا؛ وهذا ما كان يضمره الاحتلال ويهيئ له من خلال ممارسته القمعية للمصلين في محيط المسجد الأقصى قبل فتحه متذرعا بجائحة كورونا.
ومنذ إعادة فتح المسجد الأقصى أمام المصلين قبل عشرة أيام، سُلّم أكثر من 30 فلسطينيا قرارات بالإبعاد لفترات مختلفة، وفق إحصائية رصدتها وأعدّتها صحيفة “المدينة”. فيما سلم 24 قرار إبعاد للفلسطينيين خلال مايو/أيار الماضي، عشرون منهم أبعدوا عن المسجد الأقصى، واثنان عن البلدة القديمة، وآخران عن مدينة القدس، وفقا لمركز معلومات وادي حلوة. في حين أصدرت سلطات الاحتلال في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام أكثر من 120 قرار ابعاد بحق المصلين ورواد المسجد الأقصى من أبناء مدينة القدس والداخل الفلسطيني، من بينهم شخصيات قيادية ورمزية مثل الشيخ عكرمة صبري والشيخ عبد العظيم سلهب والدكتور سليمان أحمد والسيد فواز اغبارية (أبو حمزة). وفي العام الماضي (2019) أصدرت سلطات الاحتلال 355 قرار إبعاد عن المسجد الأقصى؛ و44 قرار إبعاد عن البلدة القديمة؛ و10 قرارات إبعاد عن مدينة القدس.

مناصرو الأقصى مستهدفون
وفي الحديث عن قرارات الإبعاد عن المسجد الأقصى، والملاحقة بالتحقيق لساعات والاعتقال، يقول المحامي والمختص في شؤون القدس والمسجد الأقصى خالد زبارقة لـ “المدينة” إنها لا تعتمد على أي مسوغ قانوني واضح، وهي إجراء شكلي، إذ صدرت عن جهاز عسكري بعيد عن العملية القانونية المعمول بها في مؤسسات الاحتلال ذاته، مبيناً أن هذه الإبعادات باتت تستهدف كل انسان يُبدي اهتماما بقضية المسجد الأقصى ويعتبرها قضية إسلامية وثابتة، وكل من ينصر هذه القضية في الرأي العام أصبح عرضة لملاحقة الاحتلال.
ويوضح أن الإبعادات عن المسجد الأقصى تتم على أساس معلومات استخبارية لا يطلع عليها الشخص المستهدف، ويتم أخذ أقواله على هذا الأمر ومن ثم يتم ابعاده لفترات متفاوتة حتى 6 أشهر. والأهم من ذلك، يضيف زبارقة، أن هذه الاجراءات لا تستند إلى أي قانون وهي اجراءات تعسفية فاقدة للصلاحية، لان أي اجراء تقوم به الشرطة أو أي اجراء في مؤسسة سلطوية يجب أن تكون لها صلاحية حسب القانون، لكن هذا الاجراءات تحديدا لا يوجد لها صلاحية بالقانون التي تتيح الابعادات حسب هذه القوانين.
ويؤكد أنه “لا يوجد أي تفسير أخر لحملة الإبعادات الشرسة بحق عشرات الفلسطينيين غير فرض واقع جديد على المسجد الأقصى، وهي محاولات رصدناها منذ اليوم الأول للإعلان عن جائحة كورونا واغلاق المسجد الأقصى بقرار من دائرة الأوقاف، وحذرنا في حينه من استغلال الاحتلال لهذه الجائحة والتذرع بها من أجل تمرير المشاريع التهويدية”.

المحامي خالد زبارقة
المحامي خالد زبارقة

الآن وبعد أن تم فتح المسجد الأقصى أمام المصلين، يتابع زبارقة، على ما يبدو أن الاحتلال يحاول أن يهيئ الظروف لتمرير أجندة تهودية على المسجد الأقصى المبارك ونحن عندما نتحدث عن المسجد الأقصى وسيطرة الاحتلال عليه علينا أن نستحضر نقطتين أساسيتين هامتين، الأولى: ما الذي يسعى اليه الاحتلال في المسجد الأقصى؟ وهذا أصبح معروفا للجميع. والنقطة الثانية هي خطة ترامب التي أعلن عنها هذا العام والتي تسمى “صفقة القرن” حيث تحدث فيها بشكل واضح عن ترتيبات جديدة في المسجد الأقصى المبارك.
ويستدرك المحامي خالد زبارقة حديثه: الآن، ما هي ملامح هذا الواقع الجديد؟ ترامب يريد مسألة التقسيم الزماني والمكاني هذا المخطط الاحتلالي لم يسقط من على طاولة الاحتلال ويريد أن يفرضه الآن بالقوة وهو يعتبر أن الظرف ملائم لفرض هذا الواقع لعدة أسباب أهمها، دعم الأنظمة لعربية الرسمية وخاصة بن زايد وبن سلمان والسيسي، وهو يعتقد أن هذه فرصة ذهبية له ويريد أن يستغلها حتى النهاية ليحسم مسألة المسجد الأقصى المبارك.
يضاف إلى ذلك، التخاذل العالمي وتخاذل الشرعية الدولية التي خذلت الفلسطينيين والتي خذلت وتنكرت لالتزاماتها لحقوقهم في فلسطين بشكل عام، وهذا الخذلان بدأ يأخذ مناحي واضحة في سلوك الشرعية أو ما تسمى الشرعية الدولية، وهو يعتبر الآن أن العقبة الوحيدة التي وقفت أمامه وضد اجراءاته هو الرفض الشعبي المقدسي الفلسطيني وهو الآن بدأ يتعامل مع الزخم الشعبي الفلسطيني بغطرسة وبطش من أجل أن يمرر هذه الاجندة بالقوة على الشعب الفلسطيني. كما يقول زبارقة.

استهداف الرموز استهداف للقضية
وفيما يتعلق بإبعاد الشيخ عكرمة صبري، يُبين المختص في شؤون القدس والمسجد الأقصى، أنه يدل على مدى التعسف التي تقوم به الشرطة الإسرائيلية، “لأن ابعاد شخصية بمكانة وبجيل الشيخ صبري والرمزية التي يمثلها وكونه رئيس الهيئة الإسلامية وخطيب المسجد الأقصى المبارك وعضو مجلس الأوقاف وهي الهيئة الرسمية التي تدير الأقصى وهي تابعة للمملكة الأردنية الهاشمية. لذلك فإن ابعاد سماحة الشيخ الذي يحمل كل هذه الصفات يدل أيضا على مدى البطش والغطرسة الإسرائيلية لكل من يخالفها، كما وأنها تندرج تحت سياسة كم الأفواه واسكات الأصوات التي تنصر المسجد الأقصى والتي تتبنى الخطاب الثابت بخصوص المسجد الأقصى المبارك ظنا من قوات الاحتلال أنها تستطيع أن تفسح المجال لمن يتفهمون “رواية الاحتلال” في المسجد الأقصى أو تتيح الفرصة والمجال لمن أبدوا استعدادهم لمشاركة الاحتلال في المسجد الأقصى”.
ويزيد في هذا السياق أن “سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحاول أن تبعث برسالة ردع للشخصيات والرموز الوطنية المقدسية التي لها دور في القدس وأيضا رسالة لبقية الأئمة والمشايخ من خلال ملاحقته للشيخ عكرمة مفادها أن باستطاعته ملاحقة أي شخص مهما علا مقامه ولا أحد يمكنه الوقوف في وجهه، ويوجه الرسالة ذاتها للجماهير ويردعهم من خلال استهدافهم بالإبعاد عن الأقصى أيضا”.
ويختم المحامي خالد زبارقة حديثه لـ “المدينة” بلهجة لم تخلو من العتاب حول حجم الالتفاف حول الشيخ عكرمة صبري وما يمثله من رمزية لقضية القدس والمسجد الأقصى المبارك ويقول “من خلال متابعة مدى الالتفاف الشخصيات والرموز والقيادة العربية سواء في الداخل الفلسطيني أو في القدس، هناك ضعف واضح وتقصير في الالتفاف والتضامن مع الشيخ صبري رغم أنه يدفع ثمن كبير لمواقفه الثابتة في قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك”.

إبعادات في سياق رؤية كبيرة وخطيرة
الدكتور جمال عمرو، الباحث والمختص بشؤون القدس والمسجد الأقصى، أكّد لـ “المدينة” أن الموجة الكبيرة من الاعتقالات والإبعادات عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة ليست عشوائية، إنما هي في سياق رؤية كبيرة وخطيرة جدا وهي انحراف في المجتمع الصهيوني نحو اليمينية والتطرف ونحو التفرد والفاشية والعنصرية، “المجتمع الصهيوني لم يعد في توازن فيما يسمى أحزاب يسارية ووسط ويمين، المجتمع الصهيوني تلاشت فيه قوى ما يمسى (السلام) أو حتى التي هي على استعداد، مثل عهد رابين وغيره، لتفاهمات هنا وهناك التي لم تعد، وأصبحت الأغلبية الساحقة يمينية ومتطرفة”.
ويضيف، “هذه الأغلبية تصادفت مع وجود هولاكو (ترامب) على رأس الحكم في البيت الأبيض، الذي هو في حقيقة الأمر من نفس الطينة، بل هو صهيوني من النورانيين التي ترجع جذورها إلى عام 1774 م من أيام ابرهام لينكون، هذه الحركة النورانية هي حركة مسيحية صهيونية وهي صهيونية بامتياز وهم قتلة ومجرمون وسفاحون، وهؤلاء هم أكثر صهيونية من الصهاينة انفسهم، فشجعوا الصهاينة وأقنعوهم أنهم قد اخطأوا في توقيع اتفاقية “أوسلو” المذلة وهي النكبة الثالثة للشعب الفلسطيني بعد نكبة 48 و67 التي كانت عربية بامتياز، إلا أن نكبة “أوسلو” هي فلسطينية بامتياز وهندسها الفلسطينيون وكانت كارثة عليهم. فالإسرائيليون حتى هذه النكبة الثالثة لم تكفيهم”.

د. جمال عمرو
د. جمال عمرو

الهدف ضرب النواة الصلبة
ويرى عمرو أننا أمام مرحلة تغيرت فيها المنظومة السياسية لدى المجتمع الصهيوني وتغير فيها الفكر الصهيوني المتطرف و “الداعشية” اليهودية مع الدعم الأمريكي له بلا حدود. لذلك فإن الإبعادات ليست بمعزل عن كل هذه المقدمة، الإبعادات والضم هذه كلها ضرب للرموز، بمعنى أخر تفكيك النواة الصلبة المدافعة عن قضية المسجد الأقصى المبارك.
ويقول عن النواة الصلبة،” إنها العناصر الفاعلة والناشطة في قضية القدس والمسجد الأقصى، فأول ما بدأوا، بدأوا بالشيخ رائد صلاح حارس سياج الأقصى، وللتمكن من اختراق هذا السياج لاحقت سلطات الاحتلال الشيخ رائد ولفقت له التهم العديدة بهدف تغييبه عن الساحة وابعاده عن القدس والأقصى، ثم اتبعت سلطات الاحتلال سياسة إبعاد متدرجة عن المسجد الاقصى، بدأت بإبعاد جماعي للمرابطين والمرابطات ولحراس الأقصى بشكل جماعي. وحين فشلت بذلك، بدأت بالإبعاد الفردي التي طالت أيضا بعض الشخصيات الوطنية والدينية عن الأقصى أولًا؛ ثم عن محيطه؛ ثم عن البلدة القديمة ذاتها”.
ابعاد الشخصيات الوطنية والدينية عن المسجد الأقصى، تهدف إلى ضرب الرموز القيادية واضعاف هبيتها، يقول د. جمال عمرو، ويوضح، “عندما يرى المواطن العادي أن سلطات الاحتلال تستهدف وتلاحق فضيلة الشيخ عكرمة صبري دون ردود أفعال على أرض الواقع فهذا سيؤثر سلبا عليه، وربما يساهم في تحطيم معنوياته وافقاده رمزية الانتماء والدفاع عن قضية المسجد الأقصى المبارك”.
ويعود عمرو في ختام حديثه لـ “المدينة” ويشدد على أن حملة الإبعادات الكبيرة تأتي في سياق عملية شمولية لتهويد فلسطين من البحر الى النهر. وممنوع الإشارة اليها لوحدها، غير أنها تأتي في التركيز في شكل أساسي على المسجد الأقصى الذي هو في حالة خطر شديد ودخل مرحلة التهويد في ظل صمت رسمي عربي وإسلامي، أما الشعوب العربية فهي حرة وهي شعوب عظيمة ونحن نقول إن القضية عادت إلى مكانها الصحيح في قلوب الأمة، هذه القضية الفلسطينية والمبعدين والأسرى والمسرى ورجعت الى مكانها الصحيح والأحداث في العالم العربي لصالح القضية وكلها في سياقها الصحيح، وعلينا أن نبشر بثقافة الانتصار وإن كان الأقصى بخير فالأمة بخير وإن كان في شر فالأمة بشر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى