أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

من يأتيني بحفنة تراب من الجنة؟

الشيخ كمال خطيب

تزدحم الأسواق لشراء الهدايا وتعج مواقع التواصل وصفحات الصحف بالمقالات المنمقة والكلمات والعبارات، تتحدث عن الأم وفضلها ووجوب برها واحترامها. كل ذلك يحدث في يوم واحد هو يوم 21/آذار من كل عام، اليوم الذي أسموه ب “عيد الأم”. فهذا يلتقط لنفسه صورة مع أمه وتلك تلتقط صورة سيلفي مع أمها وينهال المديح وتتنمق العبارات ساعات ثم يعود كل واحد إلى حقيقته وسلوكه الذي هو عليه بعيدًا عن التمثيل والاستعراض. فمن هو بارّ بأمه فيقينًا أنه سيمضي في برها ومن كان عاقًا قاسيًا ظالمًا فلن تغيره ساعات الموضة والتقليد والمحاكاة والتظاهر المزيف في مناسبة أسموها عيد الأم.
لأنها الأم ولأنها المرأة التي لا تختزل العلاقة معها في يوم أو مناسبة، وإنما هي التي نتقرب إلى الله تعالى ونتعبد إليه سبحانه ببرّها بل بالنظر إلى وجهها في كل لحظة وعلى امتداد العمر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “والنظر في وجه الوالدين عبادة”. فإذا كان النظر في وجه امرأة لا تحل لنا هو إثم وحرام فإن النظر في وجه الأم هو عبادة وقربى إلى الله تعالى.

# أيهما أنعم وأليَن
خرج الشاب من البيت غاضبًا صارخًا بعد خلاف مع أمه، يقول الشاب: “فلمّا هدأت نفسيتي وراجعت نفسي شعرت بالندم الشديد، فكتبت لأمي رسالة على هاتفها الجوال أداعب بها قلبها الحنون علّها تسامحني في إساءتي لها، وقد قلت في الرسالة: لقد قرأت يا أمي دراسة علمية تقول بأن باطن القدم أكثر ليونة ونعومة من ظاهرها، هل تأذنين لي أن أتأكد من صحة هذه الدراسة فأفحص قدميك.
سررت واستبشرت لمّا ردت أمي على الرسالة موافقة على طلبي، ولمّا رجعت إلى البيت وجدت أمي تنتظرني في الصالة تغالب دموعها تأثرًا على ما كان مني وفرحة بعودتي وطلبي بأن تسامحني.
كررت طلبي منها بأن أفحص قدميها لأتاكد أيهما أنعم وأليَن ظاهر القدم أم باطنه، وهي حيلة أردت من خلالها أن أصل إلى قدمها لأقبلها لعلّها تسامحني إلا أنها رفضت وقالت: لا لن أسمح لك بذلك فأنا تأكدت من صحة الدراسة، وأن المعلومة صحيحة، فقلت لها: كيف يا أمي، قالت: عندما كنت ألاعبك وأنت صغير وأقبل قدميك ظاهرًا وباطنًا.
تساقطت دموعي وما وجدت نفسي إلا مقبلًا عليها أقبل رأسها بينما هي تحتضنني وتبكي.

أيها الأبناء تذكّروا أن الوالدين يومًا سيرحلون، فتقربوا إليهم قبل أن تفقدوهم، وبرّوهم وأحسنوا إليهم قبل الرحيل، وإن كانوا قد رحلوا عن دنياكم فترحموا عليهم وليقل أحدكم {وقل ربّ ارحمهُما كما ربّياني صغيرًا} وتذكّر أيها الابن أن النصف الأول من حياتك تقضيه مع والديك وأنت الصغير في رعايتهم وهم الكبار في رعايتك، وأما النصف الثاني من عمرك فإنك تقضيه مع أولادك لمّا تصبح كبيرًا في رعايتهم. فمن أجل النصف الثاني فيه تجد من يحسن إليك من أبنائك، فأحسن أنت في النصف الأول إلى والديك.

# وصية أم
قالت أم توصي ولدها:
. يا بني ستراني في يوم من الأيام عجوزًا وقد تبدو تصرفاتي غير منطقية بل ومحرجة لك، فلا تصرخ في وجهي وتحمّل مني ما تراه واصبر عليّ.
. يا بني عندما ترتعش يداي فيسقط الطعام على الأرض أو على ثيابي فلا تضجر مني، فلطالما كنت أنظف ما يقع منك على الأرض بلا ضجر.
. يا بني إذا لم أعد أنيقة بل لعلّي لا أستطيع أن ألبس ثيابي لوحدي، فلا تعيّرني ولا تلمني، وتذكر يوم كنت لا أقبل إلا أن تكون جميلًا نظيفًا وملابسك معطرة ومكوية.
. يا بني إذا رأيت جهلي وعدم فهمي لجديد جيلكم فلا تضحك عليّ ساخرًا، وتذكر أنني أنا من علمتك الخطوات الأولى في الحياة.
. يا بني إذا كنت أحدثك فلا تتضايق من ضعف ذاكرتي ونسياني أو أكرر نفس الجملة مرات ومرات، فسعادتي أن أكون معك، فإن لم أكن معك وأحدثك فمع من أكون ومع من أتحدث.
. يا بني إذا مشيت معك في الشارع وكانت خطواتي بطيئة فكن عطوفًا عليّ ولا تغضب مني وتذكر يوم كنت آخذ بيدك لأعلمك المشي وأنا أقول لك “دادي دادي” وأصفق لك عند كل خطوة وإن كانت صغيرة. فلا تستحي أن تأخذ بيدي اليوم لأنك غدًا ستتمنى من يأخذ بيدك.
. يا بني اعلم أنني في هذه السنّ لم أعد مقبلة على الحياة مثلك، وإنما أنا أنتظر الموت، فكن معي يا بنيّ ولا تكن عليّ.
. يا بني لا تغرس سهمك في صدري فتدعو عليّ، وتذكر أن سهام الدعاء كانت تخرج من صدري أدعو لك وأنا أقول “إن قلبي يحدثني أن شيئًا غير طبيعي قد حدث لك”، إنه قلبي كان لك فلا تغرس سهامك في قلبي.

وكم كان جميلًا ما قاله المتنبي:
أحنّ إلى الكأس التي شربت بها وأهوى لمثواها التراب وما ضمّا

# كما تدين تدان
أراد حيّ من أحياء العرب أن يرحلوا إلى مكان فيه ماء وكلأ، لأن الأرض التي كانوا فيها قد أجدبت ولم تكف لإطعام ماشيتهم. وكان من هؤلاء رجل له أمّ عجوز وهو وحيدها وقد بدأت تفقد ذاكرتها وتهذي في كلامها، وتعلقت بوحيدها إذ تريد أن تذهب حيث ذهب وتخرج معه إلى حيث خرج حتى أنه ضاق ذرعًا بها.
ولمّا جاء يوم الرحيل عن تلك الأرض قال الرجل لزوجته: إذا رحلنا غدًا فاتركي العجوز في المكان واتركي معها زادًا وماء فلعلّ أحد يمر فيأخذها أو تموت أو تأكلها الوحوش فنرتاح منها فقالت الزوجة لزوجها أبشر سأفعل ما تريد. وفعلت المرأة ما أمر زوجها لكنها أبقت مع العجوز طفلها الصغير.
حمل القوم متاعهم وركبوا جمالهم وخيولهم ومشت أمامهم ماشيتهم وقطعانهم. وعندما انتصف النهار وجلسوا للرّاحة قرب واحة فيها ماء وشجر، نادى الرجل زوجته أن ترسل إليه طفله ليلاعبه ويطمئن عليه، فكانت المفاجئة أن قالت له الزوجة: لقد تركته مع أمك، فنحن لا نريده. فصرخ فيها: وكيف لا نريده وهو ابننا. فقالت: لأنه عندما يكبر سيرمينا في الصحراء كما رميت أمك، فلا حاجة لنا به. فهم الرجل مغزى ورسالة ومعاني كلام زوجته له “إنك إن فعلت هذا اليوم بأمك فإن الله سيعاقبك بابن لك يفعل ما فعلته أنت بها، فكما تدين تدان والجزاء من جنس العمل”.
أسرج الرجل فرسه وعاد مسرعًا إلى حيث كانت تسكن القبيلة قبل أن يقع السوء على أمه وابنه ليجد مجموعة من الذئاب قد أحاطت بأمه العجوز، بينما هي تحتضن الطفل بيد وباليد الأخرى ترمي الحجارة على الذئاب تحمي حفيدها. ارتمى الرجل على أمه وطفله، وأخذ يقبّل رأسها ندمًا على فعلته ورجع بها إلى قومه، وأصبح لا يخرج من الحيّ إلا أن يحمل أمه عن الناقة ويسير هو خلفها على فرسه، وليس هذا وحسب بل ازداد حبًا واحترامًا لزوجته الفاضلة العاقلة التي كانت هي السبب في تعليمه ذلك الدرس في برّ الوالدين.
وما أجمل ما قاله المرحوم الشيخ مصطفى السباعي لمّا قال: “ليس في الدنيا إنسان يتحمل العذاب راضيًا مختارًا في سبيل غيره كالأم في سبيل ولدها، وليس في الدنيا إنسان يتعرض للجحود ونكران الجميل كالأم من ولدها وهذا من أعجب مفارقات الحياة.

إنها الأم والأم فقط من عاشت وماتت وما ملّت من العطاء، إنها لم تطالب بجزاء ولا شكت من قلة الوفاء من الأبناء ولا ضعفت في حبها ولا وهنت، وإنما هي التي تكمل وبكل الحب حنان الأبناء تحمله إلى الأحفاد، تعود لتربيتهم وترعاهم لأنهم أبناء فلذة كبدها ولسان حالها يردد: ما أغلى من الولد إلا ولد الولد. وهل يقدر على جزاء الأم إلّا رب العالمين سبحانه؟

# دين لا يمكن سداده
كان الوالد يعطي ابنه مصروفه لمدة أسبوع وعليه أن يحسن إنفاقه لأنه لن يعطيه أكثر من ذلك، لكن الولد قد استهلك مصروفه وجاء خفية لأمه يطلب منها مصروفًا بدون أن يعلم والده، لكن الأم رفضت لأنها علمت أنه أنفق مصروفه بطريقه غير صحيحة، فغضب الولد لمّا ظنّ أنه ظلم وقع به من والديه.
دخل الولد على أمه في المطبخ وهي تعد طعام الغذاء، فوقف أمام أمه وبيده ورقة كتبها بيده وأعطاها لأمه حيث راحت تقرأ: أجرة تنظيف غرفتي لهذا الأسبوع 50 شيكل، وأجرة ذهابي للدكان لشراء أغراض للبيت 50 شيكل، وأجرة أنني لاعبت أخي الصغير لمّا كان يبكي 50 شيكل، وأجرة مساعدتي لك عندما نظّفت البيت 50 شيكل، وأجرة أنني حصلت على علامه 100/100 بامتحان 50 شيكل وعدتيني بها، فهذه 250 شيكل أريدها وقال: “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”.
نظرت الأم لابنها نظرة حنان وابتسمت وقلبت الورقة وكتبت على ظهرها وهو ينظر: أجرة تسعة أشهر في بطني بلا مقابل، ثمن الحليب الذي أرضعتك إياه عشرين شهرًا بلا مقابل، ثمن تنظيفي لك وللحفاظات التي لبستها ثلاث سنوات بلا مقابل، ثمن الليالي التي سهرت بجانبك وأنت مريض بلا مقابل، التعب والألم والدموع التي سببتها لي طوال السنين بلا مقابل، تحضير الطعام والشراب واللباس والتدريس بلا مقابل، فمن المديون للآخر أنا أم أنت يا حبيبي؟. بكى الولد واغرورقت عيناه بالدموع وقال: سامحيني يا أمي فأنا أحبك كثيرًا ولكن هذا دين لا يمكن سداده.
فكن معطاء لأمك وأبيك ولا تكن طالبًا للعطاء. إن كانت أمك على قيد الحياة وهي قريبة منك فزرها ولو لدقائق وقبّل رأسها، واطلب منها أن تدعو لك، وإن كانت بعيده فاتصل بها كل يوم واطمئن عليها لأن أثر هذا عظيم عليها.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الهجرة وقد ترك أبويه يبكيان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما”. وإذا كانت أمك قد توفاها الله فادع لها بالرحمة وأرسل عليها حسنات بصدقة أو عمل صالح تعمله.

# حفنة تراب من الجنة
قال أحدهم:
. عذرًا أمي هي المعادلة الأصعب.
. عذرًا نيوتن، فأمي هي سرّ الجاذبية.
. عذرًا أديسون، فأمي هي أول مصباح في حياتي.
. عذرًا أفلاطون، فأمي هي البقعة الفاضلة في قلبي.
. عذرًا روما، كل الطرق تؤدي إلى حب أمي.
. عذرًا جولييت، فأمي هي حبيبتي.
. عذرًا للجميع، فمهما أحببتكم فلن أحب أحدًا كما أحببت أمي.

وقال آخر: أمي أنفاسها رئة ثالثة، ودعواتها نجاة وأقدامها جنة، وقسوتها حياة فمن أكون بعدها. وحين أنحني لأقبل يديها وأستجدي الرضا من عينيها عندها فقط تكتمل رجولتي.
وهذا معلم يطلب من طلابه طلبًا غريبًا، إنه يقول لهم: أريد من كل واحد منكم أن يحضر لي غدًا حفنة من تراب الجنة، ومن فعل ذلك فإنني سأعطيه العلامة الكاملة والدرجة المميزة في شهادة المدرسة. استغرب الطلاب من هذا الطلب، إذ كيف لهم أن يأتوا بتراب من الجنة والجنة لم يصلها أحد بعد وهي سكن أهلها يوم القيامة.
لكن طالبًا وحيدًا عاد في اليوم التالي ومعه كيس فيه تراب، فقدّمه للمعلم قائلًا: هذا من تراب الجنة. فقال الاستاذ: وما الدليل؟ قال الطالب: لقد جمعت هذا التراب من حديقة منزلنا وجعلت أمي تدوس عليه بقدميها. ألست أنت الذي علمتنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال “الجنة تحت أقدام الأمهات” اغرورقت عينا المعلم واحتضن تلميذه وأكبر فيه هذا الفهم وهذه البراءة.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى