أخبار رئيسية إضافيةمقالات

خطاب ريفلين ومعالم الافول الحضاري..

صالح لطفي: باحث ومحلل سياسي

افتتحت الكنيست الاثنين الماضي 23-10-017 دورتها الشتوية بتوتر شديد ظهر على كافة المتحدثين سواء رئيس الحكومة او رئيس المعارضة او رئيس الدولة أو حتى رئيس الكنيست علما انهم جميعا من التيار اليميني – ولا أستثني من ذلك هرتصوغ- فقد شهدت هذه الكنيست جملة من التشريعات ستجعل اسرائيل خلال فترة قصيرة جدا في مصافي الدول الاكثر عنصرية واضطهادا ليس للأقليات التي تعيش فيها بل لأولئك الذين يخالفون الاغلبية الحاكمة الرأي او الموقف ذلكم ان الكنيست تضم تحت سقفها ممثلين عن المكون والموقف السياسي للمجتمع وبذلك هم يعبرون بشكل او بأخر عن هذه الجموع التي أوصلتهم الى الكنيست ليشرعوا ويسنوا القوانين التي بهديها تتم سياسة الناس سواء كانوا مخالفين او معارضين.

التوتر الذي شهدته  الكنيست يوم الاثنين ووقف عليه عديد المحللين ليس وليد  تلكم اللحظة ولا وليد عملية مناكفات  سياسية بين هذه الاذرع بقدر ما أنه تعبير عن حجم التوتر القائم داخل المجتمع الاسرائيلي عموما ومكوناته السياسية خصوصا وتحديدا بين اليمين الديني واليمين الليبرالي -كاتب هذه السطور يعتبر حزب كولينو والمعسكر الصهيوني ويسرائيل بيتنو وعتيد احزاب يمين  من حيث مواقفهم من الداخل الفلسطيني ، ويمين ليبرالي في علاقاته الداخلية وتحديا تلكم التي يثيرها التيار الديني-الصهيوني  والحاريدي في السنوات الاخيرة- وتماسهم للقضايا اليومية التي تهم المواطن الاسرائيلي بغض النظر عن هويته السياسية والايديولوجية  فمنذ اكثر من عقد تتم وبتسارع مستمر سيطرة اليمين-الديني على مفاصل الحياة العامة في اسرائيل ويتغلغل اليمين الديني ببطيء شديد الى معاقل العلمانية الاسرائيلية وفي مقدمتها مدينة تل-أبيب ، وقد بات واضحا ان التيار الديني الحاريدي والديني الصهيوني قد حط رحاله في هذه القلعة “العلمانية” بعد ان نجح في فرض وصايته على قضايا عديدة بفضل وجوده في مفاصل السلطة وتأثيراته المتزايدة على الجمهور الاسرائيلي  ، ولعل قضية فتح محلات يوم السبت في تل ابيب مثال حي على عمق هذه السيطرة ودخولهم حيزات ما كانت لهم سابقا.

السيطرة على التشريع والقضاء…

يعتبر خطاب رئيس الدولة الأهم في الخطابات والمداخلات التي ألقيت ويكشف النقاب عن حجم الأزمة التي تعتور المؤسسة الاسرائيلية بمختلف أذرعها وتخوفه الصريح والمبطن من تداعيات سياسات اليمين الرامية لتكبيل والسيطرة على  السلطات القضائية  والرقابية والأمنية-العسكرية  ، وتغول رئاسة الوزراء بشخص نتنياهو  على الدولة حاضرا ومستقبلا .

في خطاب رئيس الدولة تحذيرات واضحة من مخطط وزيرة القضاء أييليت شاكيد الساعية لتطبيق رؤيتها اليهودية  الاقصائية  على السلطة القضائية ، والمشهد الحياتي العام للدولة ومن سيطرة “الفرد المسيطر ” على الدولة ليتحقق المستبد السياسي الذي يبدو أنّ الكثير من الشارع الاسرائيلي بات يؤمن به وبمقدراته .

شاكيد كانت قد كتبت مقالة في دورية  “هشلواح وريثة دورية هتخيلت ذات التوجهات اليمينية ” في عددها الاول الصادر يوم 12-04-017 :” تعمل السلطة التشريعية -الكنيست- على قوننة حياتنا بيدّ أنَّ القضاء “المحكمة” العليا تتجاوز وظيفتها ، وتصرف بعض السلطات بات يهدد بشكل متصاعد حرياتنا ، ولذلك علينا المسارعة في إعادة قاطرة الحكم الى مسارها الصحيح من خلال تعريفنا لاسرائيل كيهودية وديموقراطية ” وقد طرحت في هذه المقالة  تصوراتها للعلاقة بين السلطتين التشريعية والقضائية ، وفي ضرورة الزام المحكمة العليا الاسرائيلية اعتماد القانون العبري في تلكم القضايا التي لا يوجد عليها اجوبة سواء في القوانين او السوابق القضائية .

نجحت شاكيد من خلال كتلتها ومن يؤمن بنظريتها المحافظة في سن عشرات القوانين وطرح عدد كبير  من القوانين ما زالت طور التشريع على جدول اعمال الكنيست لتحقيق هذه الرؤية ، إذ لطالما تم الحديث انه لا يجوز للمحكمة العليا ان تكبّل المشرع -أي الكنيست – لان مهمتها تنفيذ ما يسنه المشرع لا التعليق على تشريعاته أو  توقيفها  او رد ما يقوم به المشرع لإعادة النظر فيه –  المعهد الاسرائيلي للديموقراطية حذر في عشرات المقالات والدراسات والكتب الصادرة عنه في السنوات الاخيرة من هذا التوجه والانفلات الذي سيهدد اسرائيل حاضرا ومستقبلا –  ، وهذا طبعا يأتي في خضم الكم الهائل من القوانين الفردية الساعية لتحقيق مآرب مجموعات او تكتلات او فئات ، على حساب الكل المجتمعي الاسرائيلي – نحن كفلسطينيين وإن حملنا الهوية الزرقاء خارج هذه الحرب المستعرة – .. شاكيد وحزبها ومن معها من اليمين نجحت من خلال  سن القوانين تحقيق عديد الانجازات ذات الطابع المحافظ على المستوى الاسرائيلي والإقصائي على مستوى العلاقة مع الكل الفلسطيني ،  ونجحت في تحجيم  الحريات الفردية محدثة ثورة بطيئة وانقلابا على ثورة آهارون  باراك  في تحقيق الحرية الفردية ، كذلك فأنها ومن خلال الكنيست تعمل بوتيرة تراكمية على تحقيق الانقلاب الثالث – ( اسرائيل مرت في ثلاثة مراحل تشريعية مفصلية : قبيل التأسيس ومع بداياته ثبت الوجود العيني للدولة على حساب الوجود الفلسطيني وحقق قيام الدولة والعودة اليهودية ، وفي تسعينات القرن الماضي قاد آهارون باراك الثورة القانونية التي عززت مكان الفرد وليبرالية القضاء وعمقت إستقلاله  وهيبته  ورقابته الدستورية على المشرع ، وها هي شاكيد والبيت اليهودي  واليمين الديني الصهيوني يقود نقلابا على انجازات باراك ) – في مسيرة هذه الدولة إن في علاقاتها مع داخلها الاسرائيلي وإن في علاقاتها مع الحال الفلسطيني وذلك تحقيق يهودية الدولة على حساب ديموقراطيتها لتكون مساحات الديموقراطية  ضيقة مقارنة بمساحات يهودية الدولة  ومثال ذلك القوانين التي تسن بشأن القدس ومصادرة اراضي خاصة لمواطنين في  الضفة الغربية وهدم البيوت للعرب في البلاد وتعديلات  عدد من القوانين مثل : قانون الارهاب ، منع لم الشمل ، العقوبات على اهالي اطفال اتهموا بعمليات امنية ، معاقبة النواب العرب واستهدافهم ، قوانين الدعم لمستوطنات قليلة العدد في الجليل الغربي والنقب ، …كلها تحقق يهوديتهم على حساب ديموقراطيتهم .

رئيس الدولة يبدو انه وبحكم تجربته ومكانته السيادية وخلفياته القانونية والسياسية-الايديولوجية بات مدركا لحالة لتغول اليمين الديني -الذي يشكل اقل من 15% من عموم المجتمع الاسرائيلي- على مفاصل  الدولة في مساراتها الثلاثة:السياسة والاقتصاد والقضاء وبات قلقا على اقتراب اسرائيل اكثر من أي وقت مضى من سنن أفول الحضارات وإن أمسكت ” الدولة ”  بزمام القوة وظنت انها تعيش لحظتها التاريخية .وما مقالته في خطابه ” “لا يمكنني ان اصف ما اراه الا محاولة مستمرة لإضعاف حراس الديموقراطية الاسرائيلية…… في هذا الانقلاب سيكون الحاكم ايضا هو الضحية وسنفقد السيادة على هذه البلاد ليكون من بعدها الطوفان”

تفكيك الارث الصهيوني لصالح الديني اليهودي..

تنصل القائمين على سياسة الدولة من الارث الصهيوني “للدولة” لصالح  الموروث الديني  يهز ويفكك العلاقة التقليدية الدقيقة القائمة بين اليهودية والصهيونية والديموقراطية  ، ومعلوم لدى دارسي ومؤرخي وثيقة الاستقلال ان عددا من القادة الصهاينة ممن رسموا خطوات هذه الوثيقة لم يضمنوها تعريف اسرائيل بأنها دولة يهودية وديموقراطية مركزين على عضويتها الصهيونية ولولا  أنَّ بن غوريون اصرَّ على وضع اليهودية والديموقراطية من خلال قراءاته “الذكية” لعلاقة [اسرائيل الدولة ] باسرائيل التوراة والتشريع ، والحصول على الشرعية ن وبالديموقراطية وعلاقة الشرعية مع الغرب المنتصر في الحرب العالمية الثانية على الفاشية والنازية كنظم عنصرية شمولية ، لفقدت اسرائيل الوليدة شرعيتها منذ اللحظات الاولى … وهو كما يبدو السبب الذي يقلق رئيس الدولة ريفلين  ، خاصة وان رئيس الوزراء نتنياهو قد دخل في حالة صراع  فيما يبدو مع يهود الولايات المتحدة في ظل الصراعات القائمة بين التيار الديني الارثوذكسي المسيطر على المشهد الديني اليهودي في اسرائيل وبين التيار الديني التقدمي المسيطر على المشهد الديني ليهود الولايات المتحدة مضافا اليه التيار الديني الحاريدي الذي لا يعتبر اسرائيل الا لعنة تؤجل قدوم المخلص الذي يعتقدون وهم في ازدياد مستمر بين يهود الخارج ويهود الداخل.

اليهودية والصهيونية والديموقراطية..

لعل القليل يعلم ان اسرائيل قامت بعملية قيسرية  عسيرة امتدت عدد قرون -1492-1948- ، بدأت مع النفي الاندلسي والجرائم التي ارتكبها الاسبان بحق اليهود عام 1492م حيث بدأت تظهر مدرسة القبالة اللوريانية ” الباحثة عن المخلص – سميت باللوريانية نسبت الى الحبر اسحاق لوريا (1534م – 1572م)، وهو من الاحبار الصفديين، ونُقلَ علمه الى اليهود الاوروبيين – لتحدث بدايات التفكك داخل الحاخامية اليهودية ويقابلها تماما علاقة اليهود مع الرأسمال الاوروبي الاستعماري ، ويتخلق من رحمها على يد الفيلسوف الهولندي اليهودي باروخ اسبينوزا معالم العلمانية التي بدورها أسست للفكرة الصهيونية التي بدورها تعاضدت في سياق المصالح وقوة راس المال اليهودي  مع الراسمالية العالمية  لتحقيق ميلاد “اسرائيل ” ولكن بعد ان دفع اليهود ثمنا باهظا تمثل في مذابح النازيين والفاشيين  وتواطيء قيادات  صهيونية  مع النازيين وفقا لما أشارت أليه المفكرة اليهودية حنة آرنت في كتابها المشهور “آيخمان في القدس-تقرير عن تفاهة الشر” الصادر عام 1963. ولأن ريفلين يعلم يقينا أنَّ الفاشية تبدأ اول مشوارها عبر القانون وشرعيتها الانتخابية تمنحها حق التقدم بقوانين ذات طابع تمييزي وعنصري يؤسس لمزيد من سيطرتها إن في مفاصل الدولة أو في مفاصل المجتمع والمؤسسات الحاكمة ، لينتهي المطاف بها الى حالة من الشمولية والديكتاتورية التي تفكر باتجاه واحد ولا تصبر على الاخر وإن كان من دينها وجنسها  ولغتها اذ سيعتبر عندئذ مجرد الاعتراض  على الفئة الحاكمة نوع من انواع الخيانة او العمالة تستوجب النفي او الحبس او الهروب من قبل من لا يستطيعون الصبر على مثل هذه الاوضاع ، ليسود الفكر الاحادي وريفلين يعلم ان ما لَحق باليهود في اوروبا  في عصرها الحديث خاصة بعد الحرب العالمية الاولى حدث عبر صناديق الاقتراع وسن القوانين  في برلمانات تلك الدول ، وقد كانت هذه الاوضاع المبرر الاخلاقي للصهاينة  في هجرتهم الى هذه البلاد هربا من الهولوكست…. وعلى هذه الارض نجحوا في خلق التوليفة التي ابتكرها بن غوريون في جمع ثلاثية اليهودية والصهيونية والديموقراطية فلا ينفون الدين ويتبرأون منه باعتباره هويتهم ومصدر “حقهم” ومنحهم”الشرعية” للوجود على هذه الارض ، كما انه  أي الصهيوني العلماني المهاجر الى فلسطين  لا يعتبر غازيا لهذه البلاد بل وفقا للمنظور اليهودي عائد الى بلده بعد شتات  طال أمده وهو يتحصل على حق اخلاقي لا ينكره  الغرب بقدر ما سيضع اللائمة على اصحاب البلاد الذي هم وفق هذا المنطق مجرد “غزاة ” يجوز طردهم من البلاد لتحريرها ، هذا الى جانب انِّ هذا العلماني  يستطيع التوفيق بين علمانيته ويهوديته من خلال توليفة ” اليهودية [الدين] والديموقراطية [العلمانية] ، وكما المح ريفلين في كلمته عن رئيس  المحكمة العليا اهارون باراك الذي شرعن الانقلاب الثاني في مسيرة الدولة وعلاقاتها “الصامتة ” بين مكونها الديني والعلماني من خلال تعزيز مكانة الفرد وتعظيم حقوقه ، وهو ما احتجت عليه شاكيد ملمحة الى ان الصهيونية [ صهيونيتها الدينية ] أن تطأطئ رأسها للحقوق الفردية -طبعا المتعلقة باليهودي الاشكنازي فالعربي وحتى الحاريدي غير موجود على خارطة هؤلاء سواء كانوا ليبراليين او محافظين ، وفقط للعلم فالاقلية العربية في الداخل الفلسطيني لم تحقق شيئا يذكر على مستوى الحقوق الجماعية ولا القومية وما أنجزته على مستوى الحقوق الفردية لا يذكر بل وتم سحبه كما حدث في مسائل السكن في المناطق اليهودية مثلا- وهذا هو الخط الرفيع الذي يسعى المتدينون لتقطيعه  إربا إربا والعودة الى الاصول التي يعتقدون انها الحقيقية التي تمنح “اسرائيل” امتدادا عمريا ، ذلكم ان العقائد الدينية والايديولوجيات المنبثقة عنها تخلق اناسا مؤمنين هم حراس الدولة وحماتها خاصة اذا اجتمع معهم قوة العسكر والامن والعلم والمال. وهم اليوم يعتقدون ، في ظل حكومة نتنياهو وتمدد اليمين ، انهم على مقدرة من مد هذه الدولة بأكسير الحياة فهم مؤمنون ان اسرائيل قامت لتبقى ومن اجل ذلك يجوز استعمال كل شيء بما في ذلك تحطيم ” محرمات” والمس بـ”مقدسات” يعتقد من كانوا يوما اسس هذه الدولة انه لا يجوز المس بها او تجاوزها خاصة القوتين القضائية والعسكرية . وهذه المجموعة لا ترى بأسا بالانقضاض على القضاء وباطلاع متواضع على عدد القوانين المقترحة والتي في طور التشريع والقراءات او قد تجاوزت القراءات التمهيدية  فسنجد أننا أمام كم  هائل من القوانين يقضي لتحقيق ثلاثة اهداف – الاهداف هي : القضاء والتشريع ، الامن والعسكر ، الاقتصاد والمال والثروة- يسعى  التيار الديني-اليميني لتطبيقها لتحقيق عملية الانقلاب الدستوري ومن ثم السياسي والاجتماعي في الدولة الصهيونية وبذلك يتم نقل اسرائيل من طورها الصهيوني البنغريوني الى ما بعد صهيونية جيبوتنسكي وبيغن ، أي الى  صهيونية الحبر كوك ” الصهيونية الدينية التي تغلب في حقيقتها يهوديتها على صهيونيتها وتؤسس وبقوة لدولة الهالاخاة

ريفلين يتحسب من الافول الحضاري..

لا يمكن للباحث في المجالات الاجتماعية-الحضارية تحديد الساعة الدقيقة لميلاد امة وموتها بقدر ما انه يستطيع تحديد معالم كبرى لهذا الميلاد ولذاك الموت . واذا كان الميلاد عسيرا تماما كميلاد المخلوقات فأن موت الحضارات له اوجه كثيرة الا انها جميعا لها مقدمات تنذر ببدايات الأفول الذي عادة ما ينتهي بشكل مريع سواء كان هذا الانتهاء بشريا- أي بفعل البشر- او قدريا.

ريفلين يتحسب من الافول الحضاري لدولته التي تعيش لحظات مجدها التليد وقوتها الفائقة محليا واقليميا وعالميا ، وقد ألمح ريفلين في كلمته الافتتاحية المهمة ، والتي اخالها تاريخية بكل المقاييس ، في  التحذير من هوس القوة التي يتمتع بها نتنياهو ومن معه من اليمين ومساعيهم لإحكام السيطرة وفرض ما يرونه بالقوة مستغلين منطق الغلبة الديموقراطي على منطق التوافقية الديموقراطية داخل الكنيست وداخلهم الاسرائيلي  وهو ما ألمح اليه في مستهل كلمته محذرا من مغبة هذه السيطرة وهو ما جلب عليه حربا شرسة اليهود اليمين الغوغائيين  دعت رئيس الكنيست التحسب من تكرار مأساة رابين التي يسعى المعسكر الصهيوني للتخلص منها ومن إرثها .يمكننا اجمال معالم هذا الافول من خلال كلمة ريفلين سواء بتعليقاته القاسية على مساعي السيطرة على القضاء  او هوس السيطرة عند نتنياهو بثلاثة  جمل : افول اسرائيل بسبب الطغيان الديني ، وافول اسرائيل بسبب هوس القوة وديكتاتورية الحاكم ، وأفول اسرائيل بسبب طغيان  التشريع والسيطرة المطلقة على القضاء  ، وهو ما يعني تقزيم النظام الديموقراطي وتكريسه لمصلحة مجموعة وفرد بعينهم -راجع خطاب هرتصوغ-  من  خلال  فائض  القوة التي بات نتنياهو  يُمَتعُ نفسه بها وهو ما منحه نوع من الهوس جعل ريفلين يتقصده  في كلمته بشدة بالغة جلبت عليه ما اشرت اليه انفا من هجوم سافر فالتغيير الذي تعمل جماعات اليمين الديني واليمين الديني الاستيطاني على إحداثه في المنظومات السياسية والامنية والاقتصادية في الدولة هو لتحقيق اطول فترة ممكنة من السيطرة على البلاد فإذا كان المباي-حزب العمال- قد سيطر على الدولة وأسس نظامها الذي لا يزال يعمل به الى هذه اللحظات فقد آن الاوان للتغيير وإحداث سيطرة شاملة على الدولة ليس من خلال صندوق الاقتراع فحسب بل ومن خلال تغيير جذري في هياكل الدولة : القضاء ، الجيش والامن والشرطة ، الاعلام ، الثقافة ، المال ، الاقتصاد … بحيث تتم هذه العملية اما من خلال القوانين او من خلال سياسات البلطجة والتخويف ولعل ما نشاهده من حروب يشنها نتنياهو على الاعلام والشرطة  ورموزها  وعلى رئيس الدولة بعد خطابه من قبل محسوبين عليه وعلى كل من يخالفه الرأي يكشف بعضا من اساليب عمله لاحكامه السيطرة على المؤسسة عدد سنين  ويتجلى ذلك مثلا بعدة قوانين خطوات : قانون التوصيات الذي اقترح الاربعاء الماضي بدلا من قانون منع  محاكمة رئيس وزراء اثناء شغله منصبه”القانون الفرنسي ” ، اختياره عوفر فنتير سكرتيرا عسكريا على خلاف توصيات الجيش وهذه شخصية مقربة من المعسكر الصهيوني قانون تخفيض نسبة الحسم ، قوانين لارضاء اليمين الديني ….

الافول الحضاري في الدول العزيزة الجانب يلحظه علماء الاجتماع وعلماء الحضارات من زاويتين: الظلم والفساد فالظلم  الذي يوقعونه على الاخرين من مخالفين ومن اقليات والفساد الذي يُطبقُ شيئا فشيئا على الدولة بكافة مرافقها هو من مبشرات الافول الحضاري ، وهذا الافول يطول  ويقصر بحسب قوة الدولة بشرا ومادة فاذا ابتليت بهجرة العقول وهروب المال وتغلغل الفاسدين وانصاف الساسة والمشرعين فقد قارب وأزف زوالها ، وكلنا شاهد كيف انهارت امبراطوريات  كالاتحاد السوفياتي  ، فاجتماع الايديولوجيا مع نخبة فاسدة ومشرع فاسد وحاكم  طاغية مستبد فإن هذه  هي الوصفة المتكاملة لاقتراب نهايات تلكم الدول\ الدولة .

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى