أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

كيف حول نظام مصر السجون إلى مقابر مفتوحة تلتهم معارضيه؟

في أقل من 48 ساعة وفي سجنين مختلفين، توفي اثنان من معارضي نظام الانقلاب العسكري بمصر، وهما الشاب عبد الرحمن سعيد المعتقل بسجن وادي النطرون بالبحيرة، والمهندس محمد العصار عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، المعتقل بسجن برج العرب بالإسكندرية.

وحسب الحقوقيين الذين تحدثوا عنهما، فإن الأول يبلغ من العمر 23 عاما، وكانت وفاته نتيجة تعرضه لأزمة نفسية شديدة داخل السجن، قابلتها وزارة الداخلية برفض متعمد لعلاجه في مستشفى متخصص، حتى لو على حسابه، ما جعله في النهاية يسجل اسمه كأصغر سجين يقتله الإهمال الطبي في السجون المصرية.

أما العصار، فقد تجاوز السبعين عاما، وسبق أن تعرض لأزمات صحية متعددة، كانت تتطلب مكوثه في المستشفى نتيجة الأمراض والشيخوخة وظروف الزنازين القاسية في فصل الصيف، ولكن في النهاية، كتب العصار اسمه ضمن قائمة طويلة لآخرين ماتوا في السجون نتيجة الإهمال الطبي المتعمد.

وحسب آخر تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، فإن الفترة منذ تموز/ يوليو 2013 وحتى أيار/ مايو 2019 شهدت وفاة 762 معتقلا، منهم 551 نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، وقد سجلت الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 20 حالة منهم، مع توقع للمنظمة بزيادة هذه الأعداد، نتيجة البيئة غير الصحية التي يعيش فيها المعتقلون.

ورغم أن تقرير المنظمة العربية اعتمد على شهادات ووثائق قدمها الأهالي والحقوقيون المعنيون بملف المعتقلين، إلا أن تقريرا آخر أصدرته منظمة “كوميتي فور جستس” الحقوقية بجنيف في شهر آذار/ مارس الماضي، تحدث عن تجاوز قتلى الإهمال الطبي في السجون الـ 823 معتقلا، منذ انقلاب 2013، وحتى الربع الأول من العام الجاري.

من جانبهم أكد معتقلون سابقون وحقوقيون أن السجون المصرية تحولت لمقابر مفتوحة، نتيجة مخطط تقوم به الأجهزة الأمنية، للتخلص من العدد الأكبر من معارضي السيسي، ويعد ملف الرعاية الصحية هو الباب الآمن للداخلية لتنفيذ هذا المخطط.

“الموت الأبيض”

يؤكد معتقل سابق بسجني العقرب وليمان طرة، أن الأجهزة الأمنية تستخدم الملف الصحي للتخلص من معارضيها، كما جرى مع القيادي بالحرية والعدالة فريد إسماعيل، وشيخ الجماعة الإسلامية نبيل المغربي، وبعدهم المرشد العام السابق للإخوان محمد مهدي عاكف.

ويؤكد المعتقل السابق وأطلق على نفسه اسم “أنس” تخوفا من الملاحقة الأمنية، أنه شخصيا دخل في إضراب مفتوح عن الطعام والشراب لمدة شهرين حتى يتم نقله لمستشفى السجن لتلقي العلاج بعد تدهور حالته الصحية، وخلال المفاوضات التي جرت معه في بداية إضرابه، أخبره أحد قيادات سجن العقرب أن مهمتهم هو التخلص من المعتقلين بطريقة بيضاء، وعندما سأله عن مقصده، قال له “نقتلكم من غير نقطة دم … نسيبكم تمرضوا حتى تموتوا”.

ويشير أنس إلى أن المعتقلين يطلقون على مستشفى الليمان التي تعد الأفضل في التجهيز داخل السجون، يطلقون عليها السلخانة والمشرحة، لأن الداخل إليها لا بد أن يحمل معه شهادة وفاته، وإذا خرج منها فقد كتب الله له عمرا جديدا.

“القتل البطيء”

وفي تعليقه على ارتفاع أعداد الوفيات نتيجة الإهمال الطبي، يؤكد الحقوقي المهتم بقضايا المعتقلين أحمد عبد الباقي في حديث صحفي أن كل شيء في السجون يؤدي للموت، سواء كان بفعل فاعل، أو نتيجة الروتين والإجراءات العقيمة وضعف إمكانيات الرعاية الصحية، بالإضافة للحالة السيئة جدا للزنازين وأماكن الاحتجاز.

ويوضح عبد الباقي أن معدل التسكين في الزنازين يزيد عن معدله الطبيعي بثلاث وأربع مرات، رغم بناء سجون جديدة خلال السنوات الماضية، وهو ما يخلق العديد من المشاكل التي يمكن أن يكون بعضها طبيعيا، ولكن أغلبها متعمد، مثل التقصير بالرعاية الصحية، أو زيادة ساعات التهوية في ظل ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة لعدم وجود مستشفيات تابعة لمصلحة السجون يمكن أن تقدم الرعاية لأكثر من 60 ألف معتقل، بخلاف ضعف هذا العدد من الجنائيين.

ويضيف عبد الباقي قائلا: “سيظل ملف الرعاية الصحية، الورقة الرابحة التي يستخدمها النظام لتصفية معارضيه، دون أن يعرض أيا من ضباطه أو قيادته للمساءلة، لأنه في النهاية يتحجج بتطبيق اللوائح، رغم أن تعمد الإهمال ليس بحاجة لإثبات كما حدث مع عشرات الحالات في مختلف السجون المصرية”.

وعن إصرار نظام السيسي اعتقال كبار السن من قيادات الإخوان، وعدم ضمهم لقرارات العفو التي أصدرها مؤخرا، أو حتى وجودهم بالقضايا التي حصل أفرادها على البراءة، يؤكد الحقوقي والقانوني، أن هذا الأمر متعمد، بدليل أن آخر وفاة كانت للمهندس العصار، التي تم تخفيف أحكام قضيته لكل الشباب الذين كانوا معه للسجن 5 سنوات، بينما هو وقيادات الإخوان الآخرين حصلوا على أحكام 15 عاما.

ووفق عبد الباقي، فإن سياسة التخلص البطيء من كبار قيادات الإخوان، تم اعتمادها في ظل وزير الداخلية الحالي عندما كان رئيسا لجهاز الأمن الوطني، في فترة اللواء مجدي عبد الغفار، وهو الآن يقوم بتنفيذها بنفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى