أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرالضفة وغزة

فلسطين الجديدة… خطة لـ5 سنوات تلغي الحقوق التاريخية والوطنية

خطة فلسطين الجديدة والتي تأتي كتجسيد عملي وثمرة لما بات يعرف بمخطط صفقة القرن ليست فكرة متخيلة، ولا افتراضاً نظرياً لا رصيد له من الواقع، بل هي خطة حقيقية أو بشكلٍ أدق رؤية، بغض النظر عن مدى ملاءمتها للواقع والأهداف الحقيقية لها، وكل التسريبات عن بعض أجزاء ما جاء في الخطة حتى الآن تؤيد هذه النظرة، ولكن الالتباس ومكمن التشكيك يأتيان على خلفية الانحياز الواضح إلى حد الفجور لصالح إسرائيل، بما يتجاوز الحقائق والثوابت التاريخية المتعارف عليها، والصورة المشوهة للكيان الفلسطيني المستقبلي “فلسطين الجديدة” بما يفضي إلى تصفية القضية الفلسطينية وإنهائها بالكامل، وما يزيد الالتباس هو طبيعة الفريق الذي أعد الخطة والذي يترأسه مستجد على السياسة (جاريد كوشنير) ولا تتجاوز معرفته بتعقيدات الصراع إلا بقدر علاقتها بالصفقات التجارية ومتطلباتها التي يبرمها في المنطقة، ويشمل الفريق أيضاً اثنين ممن تجاوز تطرفهم قادة الاستيطان الصهيوني الأكثر تطرفاً في إسرائيل.
ومن شبه المؤكد أنها ليست خطة بالمعنى الحرفي بل هي رؤية عامة، تطغى المبادئ والعموميات على التفاصيل فيها، وهي ليست نهائية بل تحتاج المبادئ الرئيسية إلى مفاوضات، وستكتفي الإدارة الأميركية بدور الوسيط، عوضاً عن تأجيل بعض القضايا إلى المرحلة النهائية وبصيغ مبهمة، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن التسريبات هي لأغراض دعائية ولجس النبض، ولكن بالمجمل تعبر بطريقة أو أخرى عن أهم مكوناتها.

أولاً: القدس
تحسم الخطة قضية القدس سلفاً، بالإشارة إلى أنها لن تقسم وستبقى تحت السيادة الإسرائيلية، وستقدم بلدية القدس التي يديرها الإسرائيليون خدماتها للإسرائيليين والفلسطينيين، أما الحرم القدسي فسيبقى مفتوحاً لممارسة الشعائر الدينية لكافة الأديان، ويرد في الخطة مصطلح “السيادة الوظيفية” الخاصة بالبلدة القديمة والحرم، وهي سيادة من نوع خاص تتعلق بالمجال التشغيلي والوظيفي، والنقطة المهمة الأساسية الأخرى التي تتعلق بالقدس هي إخراج حوالي 120 ألف مقدسي من الحدود الجغرافية لمدينة القدس لشملهم في فلسطين الجديدة، وهي القرى التي تقع خلف جدار الفصل العنصري؛ أحياء الضاحية، وكفر عقب، والرام، ومخيم شعفاط وعناتة، وسميراميس، ورأس خميس، ورأس شحادة. وقد مهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لذلك بنقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس في 14 أيار/ مايو 2018، في اعتراف رسمي بسيادة إسرائيل على القدس.

ثانياً: اللاجئون
وفق الخطة لن يتم تحقيق مبدأ العودة للاجئين، بل هناك رؤية لاعتبار أن عدد اللاجئين نحو 50 ألفاً فقط يمكنهم العودة إلى قطاع غزة بعد الإعلان عن فلسطين الجديدة، أما اللاجئون في الأردن ولبنان فسيتم توطينهم مع التعويض وبإغراءات مالية ضخمة للدول المضيفة، مع تشجيع الدول الأخرى، خاصة الأوروبية، على استقبال مزيد من الفلسطينيين وتجنيسهم، ومهدت الإدارة الأميركية لهذا الحل بخطوات عملية تمثلت بقطع الدعم الأميركي السنوي الكلي عن وكالة “أونروا” لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

ثالثاً: المستوطنات
سيتم ضم التجمعات الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل، بالإضافة إلى ضم المستوطنات البعيدة أو الصغيرة، والمسافة بينهما بما يشمل الطرق الالتفافية والمحيط الأمني لكل مستوطنة، بمعنى أنه لن تتم إزالة أي مستوطنة، كما أن غور الأردن الذي تبلغ مساحته حوالي 28% من مساحة الضفة الغربية سيبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، وتشكل مساحة المستوطنات وملحقاتها والمناطق التي تعرفها إسرائيل بالاستراتيجية والحيوية لأمن إسرائيل ومن ضمنها غور الأردن حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية، وقد أعلن وزير الخارجية الأميركي بومبيو أن الولايات المتحدة ستعترف بضم إسرائيل لمستوطنات الضفة إذا ما قررت ذلك كما اعترفت بضم الجولان السوري إلى إسرائيل.

رابعاً: قطاع غزة
سيبقى قطاع غزة، حسب التصور الأميركي، مركز فلسطين الجديدة، غير أن ثمة ثلاث عقبات هنا لا بد من تجاوزها قبل أن تتحول رؤية صفقة القرن إلى إجراء عملي له معنى:

– سيطرة حماس المصنفة إرهابية حسب التعريف الأميركي على غزة، وبالتالي لا بد من عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة بسيطرة لا تنقص عن الضفة الغربية بجوهرها الأساسي وهو التنسيق الأمني.
– البنية التحتية العسكرية وسلاح المقاومة الثقيل والخفيف، والذي لا بد لجهة ثالثة أن تتسلمه، ربما من الممكن أن تقوم مصر بالدور، وربما السلطة الفلسطينية نفسها بعد بسط سيطرتها على غزة.
– ضيق المساحة الجغرافية وندرة الموارد، وانعدام التواصل مع الخارج، ويقترح المخطط الأميركي أن تبادر مصر بالمساهمة في حل هذه المشاكل المستعصية بتقديم تسهيلات كبيرة للفلسطينيين في المنطقة ما بين رفح وشرق مدينة العريش، بمنطقة صناعية على الحدود، ومطار وميناء وربما تطوير ميناء ومطار العريش، ومشاريع طاقة وتحلية ميناء تكفي لسد حاجة بضع ملايين، ولحساسية الموضوع لدى الشعب المصري فإن الحديث يدور حول بقاء السيادة المصرية على المنطقة المشار إليها.

خامساً: الدولة الفلسطينية
وفقاً للتصور الأميركي لمسائل الأرض والسيادة ومستقبل المستوطنات، فلن تكون هناك دولة ذات سيادة حسب ما هو متعارف عليه في القانون الدولي، بل كيان بمستوى حكم ذاتي وربما أكثر قليلاً ودون الدولة، وستفرض قيود صارمة على الكيان الفلسطيني والذي سيطلق عليه فلسطين الجديدة:
– يمنع أن يكون له جيش للدفاع عنه، ويمنع السلاح خارج نطاق السلطة الشرعية، والسلاح المسموح هو سلاح الشرطة، بينما تتكفل إسرائيل بالدفاع عن الكيان الوليد في إطار اتفاق بين الطرفين، تتكفل السلطة والدول العربية بتغطية تكاليفه.
– لن يتم تبادل أراضٍ في الضفة الغربية، ولن يتم تعديل حدود عام 1967.
– يتم ربط الضفة الغربية وقطاع غزة بجسر معلق “أوتوستراد” يرتفع عن سطح الأرض 30 متراً، تتم تغطية تكاليفه من أطراف دولية.
– لن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية الجديدة، بل يمكن اعتبار إحدى المناطق في القدس والتي ستضم إلى الكيان الجديد بمثابة العاصمة الدائمة، وتعتبر بلدة أبو ديس المنطقة المرشحة لتجسد العاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية الجديدة.
– بينما تتمتع المستوطنات، والتي ستضم إلى إسرائيل، بتواصل جغرافي، ستتمتع التجمعات الفلسطينية بربط مواصلاتي فقط عبر الطرق الالتفافية والجسور، وهو ما يحول الضفة الغربية إلى مجموعة من الكنتونات والمعازل التي تشبه مجموعة من الجزر المتناثرة والمنعزلة في وسط البحر، ولكن رغم ذلك فإن الخطة تؤكد على حرية الحركة بين المدن الفلسطينية في الضفة وإزالة الحواجز، وضمان حرية الحركة التجارية بين الضفة وإسرائيل والأردن وغزة.
– يفسح المجال بعد الإعلان عن فلسطين الجديدة للبحث عن صيغة سياسية اتحادية مع الأردن كالكونفدرالية أو أي صيغة سياسية أخرى.

سادساً: تمويل مشروع فلسطين الجديدة
يشغل بند التمويل وتوفير المتطلبات المادية للمشروع أو “المحفزات الاقتصادية” أهمية بالغة لدى الفريق الأميركي المهندس لفلسطين الجديدة، يستبطن وكأن المشروع بجوهر اقتصادي ولكن بغطاء سياسي، وضخامة الأرقام التي يتم الحديث عنها توحي بأن الأموال أقرب ما تكون للرشوة السياسية لتمرير صفقة مغشوشة الكل يتبرأ منها.
تقدر تكلفة المشروع الأولية بحوالي 30 مليار دولار قابلة للزيادة، لتغطية مشاريع البنية التحتية من مطار وميناء، ومحطات تحلية مياه، وتوليد كهرباء، والجسر الرابط بين غزة والضفة، وقطاع الإنتاج التكنولوجي، ومن المفترض أن تتكفل الدول الخليجية الحليفة للولايات المتحدة، خاصة السعودية والإمارات، بحوالي 70% من المبلغ، بينما تتكفل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية بالباقي.

سابعاً: الجدول الزمني
– عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وتفكيك البنية العسكرية لفصائل المقاومة.

– تسهيل الحركة من وإلى قطاع غزة كمرحلة أولى من خلال المعابر مع إسرائيل ومصر، وتنشيط الحركة التجارية مع الضفة.
– إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد عام من الشروع في تطبيق الاتفاق.
– خلال خمس سنوات سيتم بناء مطار وميناء وعلى الأغلب في قطاع غزة، وحتى إنجاز ذلك يستفيد المواطن الفلسطيني من تسهيلات المطارات والموانئ في إسرائيل.

ثامناً: الإجراءات التي سيتم اتخاذها في حال الرفض
حظيت العقوبات التي من الممكن أن تفرضها الإدارة الأميركية في حال رفض أيٍ من الأطراف المشروع بتغطية واسعة من خلال تسريب ممنهج ومتعمد ومن أطراف عدة، خاصة العقوبات التي من الممكن فرضها على الفلسطينيين، وهو تهديد واضح للسلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة المسلحة في غزة بالعواقب الوخيمة التي تنتظرهم في حال رفض العرض الأميركي، أما السلطة فسيتم قطع جميع أشكال الدعم المادي الأميركي عنها، والضغط على الدول المانحة لتحجب هي الأخرى مساعداتها، أي دفع السلطة إلى الانهيار، أما فصائل المقاومة، خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي وفي حال أصرت على التمسك بسلاحها فإنها تعرض نفسها للآلة العسكرية الإسرائيلية للتعاطي معها بالشكل المناسب، أما إسرائيل فهناك إشارة ملتبسة إلى إمكانية تعرضها لعقوبات اقتصادية.
والأهم من ذلك هو خطة اليمين الصهيوني الحاكم في إسرائيل، وبالاتفاق مع الإدارة الأميركية بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية في حال رفض السلطة الفلسطينية لمشروع فلسطين الجديدة، وهو المتوقع والذي ترجحه إسرائيل، وهو ما يعني ضم حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية إلى إسرائيل، وبالتالي عملياً إهالة التراب نهائياً على مشروع حل الدولتين.
ومن الواضح أن مخطط فلسطين الجديدة ليست له علاقة بالواقع، ومن أعد المخطط إما مجموعة من الهواة لا يتوافر لديهم الحد الأدنى من البديهيات المتعلقة بالقضية الفلسطينية وأبعادها وحجم تعقيدات الصراع، أو فريق من المؤدلجين المتطرفين الغارقين في التأويلات التوراتية، المتشبعين بالروح الصهيونية العنصرية لدرجة الغياب الكامل عن المجال العام للقضية الفلسطينية، أو بناء صورة ذهنية ممسوخة ومشوهة عن الواقع، وبالتأكيد إذا كانت الصورة العامة هكذا فإن مشروع فلسطين الجديدة لن يرى النور وسيدفن كما دفنت عشرات الخطط والمشاريع على طول الصراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى