أخبار رئيسيةمحلياتمرئيات

المحكمة تُصدر أمرا احترازيا بوقف انتهاكات بلدية “طيرة الكرمل” في مقبرة البلدة الفلسطينية المُهجّرة

أسد خير الله- مسؤول "أوقافنا": قرار المحكمة يدعم جهودنا في حماية سائر المقدسات المهجرة

طه اغبارية

أصدرت المحكمة المركزية في حيفا، برئاسة القاضي إحسان كنعان، يوم الأحد الماضي، أمرا احترازيا بوقف الأعمال التي باشرتها بلدية “طيرة الكرمل” -المقامة على أراضي بلدة “طيرة الكرمل” وتعرف كذلك بـ “طيرة حيفا” الفلسطينية المٌهجّرة- في المقبرة الإسلامية في البلدة المهجرة.

ونظرت مركزية حيفا في الملف، يوم الخميس الماضي (10/7/2025) بعد استئناف طاقم الدفاع عن المقبرة على قرار محكمة الصلح بحيفا التي رفضت وقف الانتهاكات التي قامت بلدية “طيرة الكرمل” في المقبرة التاريخية. وأصدر قاضي المركزية قراره يوم الأحد الماضي، والذي قضى بوقف الأعمال، محل الخلاف، احترازيا، إلى حين الفصل النهائي في القضية. كما ألزمت المحكمة بلدية “طيرة الكرمل” وأجسام أخرى شريكة في الأعمال، بدفع رسوم ومصاريف المحكمة.

أشرفت على مواكبة الملف لجنة “أوقافنا” المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، وترافع في الملف أمام القضاء، المحاميان خالد دغش، وسمر قدحة بتوكيل من الحاج حسن قصيني، متولي وقف طيرة الكرمل المهجرة. كما واكب الملف على المستوى التخطيطي، المهندس معتز كيلاني.

خطوة إيجابية

وأشاد الأستاذ أسد خير الله، مسؤول لجنة “أوقافنا”، بقرار المحكمة المركزية واعتبره خطوة إيجابية، تدعم جهود اللجنة في نضالها لحماية وتحسين وضع الأوقاف الإسلامية المهجرة في البلاد.

وقال في حديث مع “موطني 48”: “هذا القرار، يؤكد أهمية الاستمرار في الدفاع عن المقدسات الإسلامية، حتى لو كانت ثقتنا في القضاء الإسرائيلي محل شك في كثير من الأحيان”.

وختم خير الله بتقديم الشكر لطاقم المحامين والمهنيين الذين واكبوا الملف، ودعا إلى دعم هذا الملف في المراحل المقبلة حتى يتسنى إزاحة المخاطر التي تهدد المقبرة التاريخية في طيرة الكرمل.

مسار القضية

اعتبر المحامي خالد دغش، عضو هيئة متولي أوقاف حيفا والمُركّز القانوني لوقف طيرة الكرمل، قرار المحكمة المركزية بـ “الهام جدا”، نظرا لنتائجه الإيجابية على مقبرة طيرة الكرمل وسائر مقدساتها بشكل خاص، وفائدته على مجمل ملف المقدسات الإسلامية.

وقال لـ “موطني 48”: “تسلّمنا قرار المحكمة يوم الأحد الماضي، بعد أن نظرت المركزية في استئنافنا الثاني على قرار محكمة الصلح، يوم الخميس الموافق (10/7/2025)، وأصدر القاضي إحسان كنعان، قراره بالخصوص، يوم الأحد”.

حول تفاصيل القرار، أكمل دغش: “القرار يُثبّت أمر منع ضد كل من: بلدية طيرة الكرمل، وسلطة الوديان وتصريف المياه، وشركة المقاولات التي تعمل في المقبرة، بحيث يوقف القرار الأعمال في خط المجاري الذي يمر من المقبرة وسائر الانتهاكات الأخرى، إلى حين النظر النهائي في الدعوى”.

وأضاف: “نُرافق منذ فترة لجنة متولي وقف طيرة الكرمل المهجرة من خلال ممثلها الحاج حسن قصيني (أبو نزار). عندما علمنا بالانتهاكات داخل المقبرة وعمليات الحفر لتنفيذ خط مجاري داخلها بدل الخط القديم المتآكل إلى جانب أعمال حفريات أخرى تنتهك حرمة أمواتنا، بادرنا إلى عقد جلسات مع رئيس بلدية طيرة الكرمل ومسؤولين آخرين، وأبدينا اعتراضنا على الأعمال التي تجري في المقبرة وقمنا بالتعاون مع مخططين مهنيين بطرح بدائل تحفظ المقبرة وتكون مقبولة في ذات الوقت على الأطراف الأخرى، ووصلنا معهم إلى تفاهمات في هذا الشأن، لكننا فوجئنا بأنهم انقلبوا على التفاهمات وباشروا، أعمال الحفريات في المقبرة، ما اضطرنا إلى التوجه إلى القضاء”.

سمر قدحة

حول مسار التداول في القضية أمام المحاكم، أكملت المحامية سمر قدحة، في حديث مع “موطني 48”: “توجهنا إلى محكمةَّ الصلح في حيفا، بعد إنذار المعنيين بطلب إلغاء خط المجاري الجديد الذي يمرّ في المقبرة أو إزاحته بما لا يشكل انتهاكا للمقبرة والأموات ويمس بذويهم، كما طالبنا بوقف الانتهاكات الأخرى في المقبرة على اعتبار أنها تابعة للوقف الإسلامي، غير أن محكمة الصلح رفضت طلبنا بوقف الأعمال، فقمنا بالاستئناف إلى المحكمة المركزية عند القاضي إحسان كنعان، فأصدر أمر وقف تنفيذي عاجل للأعمال داخل المقبرة وأعاد الملف إلى محكمة الصلح مرة أخرى التي رفضت وقف الأعمال، فتوجهنا مرة أخرى الى المركزية، فأصدر القاضي كنعان، أمرا احترازيا بوقف الأعمال في المقبرة، حتى البت النهائي في الدعوى”.

واعتبرت قدحة القرار مهما، لأن الحديث يدور عن منطقة “خضراء” يمر بها جدول مياه، وقالت “لأننا نتحدث عن وقف مقدس وانتهاك وتدنيس للمقبرة، نرى في قرار المحكمة المركزية خطوة مهمة تدعم الخطوات المقبلة أمام القضاء في هذا الملف”.

قرار مهني

المهندس معتز كيلاني، أحد المخططين الذين تابعوا الملف من الجانب التخطيطي، قال إن قرار المحكمة المركزية بوقف الانتهاكات في المقبرة الإسلامية، مهني وممتاز، ومعلل بصورة مفصلة، وهو ينصف قضيتنا.

عن دوره وطاقم المهنيين الذي رافقه، أضاف كيلاني في حديث مع “موطني 48”: “قمنا بإجراء مسح شامل لمنطقة المقبرة والمنطقة التي يدّعون أنها “خضراء” ويمر بها جدول مياه ويتواجد فيها خط المجاري القديم منذ ثمانينات القرن الماضي، وقدّمنا اقتراحا بديلا يكون مقبولا على الوقف وعلى الأجسام الأخرى ومنها بلدية “طيرة الكرمل”، وعقدنا من اجل ذلك جلسات عدة مع المعنيين، ووصلنا إلى تفاهمات في هذا الخصوص، لكنهم التفوا على كل ذلك وباشروا الانتهاكات والحفريات من اجل مد خط المجاري الجديد، فكان الخيار هو التوجه إلى القضاء”.

انتصار كبير

حسن قصيني

أمّا الحاج حسن قصيني (أبو نزار)، الرجل الثمانيني، ابن طيرة الكرمل المهجرة، التي ولد فيها وعاش فيها بعد النكبة لسنوات طويلة، وصف القرار الصادر عن المحكمة المركزية بالانتصار الكبير لأبناء البلدة وللأوقاف الإسلامية بشكل عام.

وأكد الحاج حسن أن بلدية طيرة الكرمل كانت تسعى لتنفيذ مخطط يهدف إلى إقامة حديقة عامة تخترق المقبرة، بالإضافة إلى إقامة خط المجاري داخلها، وهو ما يعد بمثابة تعدٍ على حرمة الأموات.

وعبّر الحاج حسن عن امتنانه للمساعدات القانونية والهندسية التي قدمتها المؤسسات المعنية، وأكد أن هذا النصر لم يكن ليتحقق لولا الجهود المتواصلة من كافة الأطراف.

ويتابع الحاج حسن قصية الأوقاف الإسلامية في “طيرة الكرمل” منذ عقود، وذكر في حديثه إلى “موطني 48″، مساهمة مؤسسة الأقصى والمقدسات الإسلامية (محظورة إسرائيليا) في مساعدته بصورة لافتة خلال سنوات نضاله في الحفاظ على المقبرة والمقدسات الإسلامية في البلدة.

بيت المختار حولوه لمركز شرطة

وفي حنين إلى الزمن المشرق لبلدته التي دُمّرت وهُجّرت كغيرها من البلدات الفلسطينية خلال النكبة، تحدث قصيني عن المواقع المتبقية من بلدته، منازل ومرافق عامة، والتي حولتها إسرائيل إلى مركز شرطة أو إلى مدرسة بدل المدرسة الفلسطينية أو إلى كنس ومعابد لليهود.

مسجد حولوه إلى كنيس

ويؤكد متولي وقف طيرة الكرمل الفلسطينية، أنه سيواصل جهوده في حماية مقدسات بلدته وفي مقدمتها المقبرة، ما دام في العمر بقية.

وناشد أهل الخير بمد يد العون إلى جهوده من أجل تثبيت حق شعبنا وحفظ مقدساته التي تذكر بطبيعة هذه الأرض وهويتها الحقيقية.

قبل النكبة

مدرسة الطيرة عام 62

تعد بلدة طيرة الكرمل واحدة من القرى الفلسطينية التاريخية التي كانت تتمتع بحياة اجتماعية وتجارية نابضة قبل نكبة عام 1948. كان السكان في طيرة الكرمل يعتمدون على الزراعة، واشتُهرت البلدة بإنتاج الزيتون واللوز والقمح، إضافة إلى كونها كانت مركزًا تجاريًا مهمًا.

قبل النكبة، كانت طيرة الكرمل تضم العديد من المؤسسات الدينية والتعليمية مثل المدارس والمساجد، وكان هناك عدد كبير من العائلات الفلسطينية التي تعيش في المنطقة. ولكن بعد 1948، شهدت البلدة تدميرًا وتغيرات كبيرة، بما في ذلك تهجير السكان الأصليين وتحويل العديد من الممتلكات إلى أماكن لخدمة الاستيطان الإسرائيلي.

التوجه المستقبلي

بعد قرار المحكمة المهم، يبقى الطريق طويلًا أمام لجنة “أوقافنا”، والمؤسسات الحقوقية من أجل الحفاظ على مقبرة طيرة الكرمل وسائر الأوقاف والمقدسات والدفاع عنها في مواجهة السلب الإسرائيلي.

كما أن الناشطين في هذه القضية يأملون أن يكون قرار المحكمة في قضية مقبرة طيرة الكرمل بداية لحماية الأوقاف الإسلامية في مناطق أخرى من البلاد، وأن يساهم في وضع ملامح جديدة للتعامل مع القضايا القانونية المتعلقة بالأراضي والأوقاف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى