نزع سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان.. تمهيد لمجازر جديدة

الإعلامي أحمد حازم
الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس سلطة رام الله محمود عباس الى لبنان الأسبوع الماضي، لم تكن للاطمئنان على حالة الفلسطينيين في مخيمات لبنان والبالغ عددها 12 مخيمًا، لا تتوفر لسكانها أدنى حقوق الانسان نتيجة تعامل السلطات اللبنانية اللاانساني معهم اجتماعيًا وسياسيًا. ذهب عباس الى بيروت وأعطى الضوء الأخضر للجيش اللبناني بتجريد المخيمات الفلسطينية من السلاح الذي يعتبر الوسيلة الوحيدة للدفاع عن أنفسهم.
السلاح في المخيمات الفلسطينية في لبنان له حكاية طويلة: لقد تمَّ التوقيع على اتفاق في مصر عام 1969 بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية المعروف بـ “اتفاق القاهرة” تضمن إبقاء السلاح داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان. ليس هذا فحسب، بل مُنحت منظمة التحرير حق إدارة المخيمات أمنيًا واجتماعيًا، وممارسة الكفاح المسلح من جنوب لبنان. في كتابه “عرفات: حياته كما أرادها”، يقول مؤلفه أحمد عبد الرحمن في الصفحة (37):
“في العام 1969 وبفضل جمال عبد الناصر، أبرم ياسر عرفات اتفاقًا مع قائد الجيش اللبناني، والذي شرّع وجود المقاومة في لبنان، وحق الإشراف الفلسطيني على المخيمات في لبنان”.
هذا الاتفاق لم يستمر. فقد ألغى مجلس النواب اللبناني اتفاق القاهرة في جلسته المنعقدة بتاريخ 21 أيار/ مايو 1987، وذلك بموجب القانون رقم 25/87، في خطوة هدفت إلى إعادة تنظيم العلاقة بين الدولة اللبنانية والمخيمات الفلسطينية.
صحيح أنَّ الإلغاء تمّ لكن لم يتم وضع إطار جديد بديلًا عن الاتفاق في كيفية التعامل مع المخيمات. ثمَّ كان اتفاق الدوحة في العام 2008 الذي حدَّد أهدافه بالاستراتيجية الدفاعية والسلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الهدف من التركيز على تجريد المخيمات الفلسطينية من السلاح في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا سافر عباس الى بيروت لإنجاز هذه المهمة التي كما أعتقد تمّ تكليفه بها من جهات خارجية كونه لديه خبرة في التنسيقات الأمنية؟
موافقة عباس على نزع سلاح المخيمات في لبنان لا يعتبر موقفًا جديدًا للسلطة. فخلال زيارة عباس إلى لبنان منذ أكثر من 12 عامًا ولقائه مع الرئيس اللبناني حينها ميشال سليمان، أكّد عباس أنَّ السلطة الفلسطينية مستعدة لأن يكون السلاح الفلسطيني تحت سلطة الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية، وأن يتولى الجيش اللبناني حفظ الأمن بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية الأخرى داخل المخيمات الفلسطينية.
المعلومات المتوفرة تقول إنّ المحادثات التي جرت بين عون وعباس أسفرت عن اتفاق لسحب السلاح من المخيمات الفلسطينية، في سياق خطة لبنان لتطبيق القرار 1701، المرتبط أيضا بالقرار 1559، والذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وفرض سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها. تصوروا انَّ عباس يترك شعبه في المخيمات في العراء ويجعله في حالة تسهل الانقضاض عليه إذا تم سحب سلاحه الضامن الوحيد له في مواجهة كل خطر يهدده.
عباس أكد “التزامه؟!” بعدم استخدام الأراضي اللبنانية كمنطلق لأعمال عسكرية، واحترام سيادة لبنان وبمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية. هذا الاتفاق شبيه باتفاق التنسيق الأمني مع إسرائيل، وعباس “ما شاء الله عليه” له تجارب في الاتفاقات الأمنية ضد شعبه، وإلًا كيف نفهم موافقته على تجريد شعبه من سلاحه في مخيمات لبنان، والتي لم يقم عباس بزيارتها ولو مرة واحدة لسماع مشاكل ومعاناة سكانها. فهل هو بالفعل فلسطيني الدم؟ أشك في ذلك.
نزع سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان لم ولن يوفر استقرارًا، بل العكس من ذلك، حيث يمهد سحب السلاح لمجازر، والتجارب خير ذليل على ذلك: في عام 1976وقعت مجزرة مخيم تل الزعتر في ضواحي بيروت وتمّ إبادته بعد حصار دام أكثر من خمسين يوما، وقتل حوالي 3500 مدني فلسطيني، وفق ما وثّقته تقارير الصليب الأحمر وشهادات المراقبين الدوليين. وفي أيلول/ سبتمبر 1982، جاءت مجزرة صبرا وشاتيلا بعد تنفيذ الاتفاق الذي أُبرم بين الرئيس الراحل ياسر عرفات والمبعوث الأمريكي فيليب حبيب، والذي قضى بانسحاب قوات منظمة التحرير من بيروت وتجريد مخيمات بيروت من السلاح، وتُرك المخيم مكشوفا.
ثم جاءت حرب المخيمات (1985-1988)، إذ اندلعت اشتباكات عنيفة في مخيمات بيروت الجنوبية ومخيمات صور، وأسفرت عن مئات القتلى وآلاف المهجرين، في ظل غياب أي حماية قانونية أو سياسية حقيقية للاجئين الفلسطينيين.
يبدو واضحًا أن شيئًا ما يتم التحضير له ضد فلسطينيي لبنان بتآمر مع واحد منهم يحمل صفة “رئيس” من المفترض أن يكون معهم وليس ضدهم، لكن هذا هو محمود عباس بشحمه ولحمه.