أخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (195) وإليك الأدلة على صنائع “الجيش الأكثر أخلاقيّة”

حامد اغبارية

من المثير للسّخرية أنه بعد قرابة خمسة أشهر من الحرب المجنونة الّتي يشنّها جيش الاحتلال على قطاع غزة، تخرج النائبة العامّة العسكرية يفعات تومر- يروشالمي، برسالة فاضحة- كاشفة وجّهتها إلى الجنود والضباط، تحذرهم فيها من ارتكاب أعمال في غزة قد تعتبر!! مخالفات جنائية!

تقول تومر يروشالمي في رسالتها: نحن لسنا في حملة قتل، ولا انتقام أو إبادة شعب، ويجب الحذر من ارتكاب أفعال قد تعتبر جريمة جنائية….!!

أحقًّا؟!!!
أحقًّا أن جيش الاحتلال لا ينفذ حملة قتل وانتقام وإبادة؟

والسؤال الأهم: ماذا يعني توجيه رسالة كهذه، يدعمُها موقفٌ مشابه من قائد الأركان هرتسي هليفي؟

هذا اعتراف ضمني بأن هناك أمورا خطيرة تجري على الأرض تؤكد ما تحذر منه الرسالة. أمورًا تؤكد أن “الجيش الأكثر أخلاقيّة” يمارس في غزة من الفظائع ما لا يمكن تخيّله. إنه اعتراف ضمنيّ بأن الجيش “الأكثر أخلاقيّة” يمارس فعلا أعمال قتل وانتقام وإبادة جماعية..! لكنّه أيضا يمارس أعمالا أخرى، فما هي يا ترى؟!!

وإلا فلماذا خرجت هذه الرسالة، لولا وقوع ما يدعو إلى توجيهها فعلا؟ في العادة، وبطبيعة الحال، فإنّ الّذي يمارس أخلاقيات الحرب كما هو متعارف عليها في كل الدنيا لا يحتاج إلى مثل هذه التحذيرات، إذ تكفيه التعليمات المبدئية التي زودوه بها قبل خروجه للقتال، بل قبل ذلك، التعليمات التي يُفترض أنه تربّى عليها أثناء تدريباته العسكرية.

لن نتحدّث عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ بلا ذنب سوى أنهم فلسطينيون!
لن نتحدث عن قصف الأبراج فوق رؤوس ساكنيها!
لن نتحدث عن تسوية مربعات سكنية وأحياء كاملة على طول القطاع وعرضه بالأرض!
لن نتحدث عن تدمير الجامعات والمدارس والمستشفيات والمؤسسات الصحيّة!
لن نتحدث عن قصف سيارات الإسعاف والطواقم الطبيّة!
لن نتحدث عن قصف المساجد فوق رؤوس المصلين!
لن نتحدث عن قطع الماء والكهرباء!
لن نتحدث عن منع الوقود والدواء والغذاء من الدخول إلى غزة!
لن نتحدث عن قنص النساء والأطفال في الشوارع!
لن نتحدث عن قتل الصحافيين بالبث المباشر!
لن نتحدث عن تدمير البنية التحتية كليًّا!
لن نتحدث عن تجريف الأراضي الزراعية والشوارع والأزقة!
لن نتحدث عن استهداف الحيوانات والمواشي!
لن نتحدث عن نسف البيوت وإهدائها إلى “الأبناء الأعزاء” في يوم ميلادهم!!
لن نتحدث عن منهجية التجويع حتى الموت، ومنع الدواء حتى الموت، واقتحام المستشفيات وتدميرها بذرائع لم يقُم عليها دليل، كما تؤكد كل الجهات ذات الاختصاص حول العالم!!
لن نتحدث عن الحاخامات ورجال الدين الذين ملأوا منصات التواصل بفتاوى تبيح قتل الأطفال والنساء ونهب كل شيء في البيوت؟
لن نتحدث عن سرقة الذهب والأثاث والأدوات الكهربائية والحواسيب وألعاب الأطفال من بيوت غزة!!
لن نتحدث عن اعتقال الرجال من المدنيين وتعريتهم وتعذيبهم وتحطيم أيديهم وأرجلهم وتجويعهم وتعطيشهم…!! وإهانتهم!! قولا وفعلا..
لن نتحدث عن التبوّل على وجوه المعتقلين..!!
لن نتحدث عن إجبار المعتقلين على الحبو على أربع والنباح…!!
لن نتحدث عن الاعتداء على حرمات النساء والفتيات وإجبارهن على خلع ثيابهن…..!!
لن نتحدث عن توجيه الألفاظ النابية والخادشة للحياء للنساء الغزيات!

لن نتحدث عن هذا كلّه!
فمن نحن حتى نتحدث بكل هذا؟!

المشهد هو الذي يتحدث بالصوت والصورة، صوت يقطر ألما ووجعا وصورة تقطر دمًا!!
المجتمع الدولي ليس أعمى، فهو يعلم كل هذا ويراه ويتابعه، لكنه مجتمع دولي فاجر.. يمارس فجوره في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن وفي واشنطن وفي العواصم الأوروبيّة وفي قصور ملوك العرب والمسلمين ورؤسائهم وأمرائهم..

وبعدُ،
فإن رسالة النائبة العامّة العسكرية يفعات تومر- يروشالمي، ليست يقظة ضمير، ولا هي محاولة لتأكيد أخلاق الجيش “الأكثر أخلاقيّة”… الذي “يحدث أحيانا أن بعض أفراده قد يرتكبون مثل هذه الأخطاء” كما يزعمون دائما…!!
إنها رسالة تنمّ عن رعب دفين من لحظةٍ ربما تأتي يوما ما يُحاسب فيه “الجيش الأكثر أخلاقية” على ممارساته “الأخلاقية” في غزة… وهو رعب ربما، ربما يقف وراءه الخوف من انفلات الأمور وخروج الشعوب الحرّة من عقالها ومن سجنها الكبير الذي ضربته حولها أنظمة عار تمارس حتى هذه اللحظة كل أنواع القبائح بالمواقف والأفعال…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى