أخبار رئيسيةمقالات

معركة الوعي (192) حلّ الأزمات بإزالة المسببات! هل يمكن تحقيق شبه المستحيل؟؟

حامد اغبارية

(1)
تَروي أمُّ المؤمنين صفية بنت حُييّ، زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، خرج أبوها حُييّ بن أخطب، وكان من سادة بني النضير، وعمُّها أبو ياسر بن أخطب، بُكرةً، ليستطلعا خبره، ويتأكدا إن كان هو نبي آخر الزمان الذي جاء في كتبهم. وتقول رضي الله عنها: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. فأتَيا كالّيْنِ كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى . قالت : فهششتُ إليهما كما كنت أصنعُ، فوالله ما التفت إليّ واحد منهما، مع ما بهما من الغمّ. قالت: وسمعتُ عمي أبا ياسر، وهو يقول لأبي حييّ بن أخطب: أهوَ هوَ ؟ قال : نعم والله؛ قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته واللهِ ما بقيتُ.

لقد أيقن حُييّ أن ذلك الرجل القادم من مكة مهاجرا، وقد أخرجه قومه، وليس معه من حطام الدنيا ومادّياتها شيء، ملاحقٌ، متّهم بالإرهاب وبتهديد “السلم الأهلي والإقليمي العالمي”، مطلوب حيّا أو ميّتا، وقد وُضعت الجوائز الضخمة والمغريات العظيمة لمن يأتي به، هو نبيّ آخر الزمان، فأصابه الرعب والغم والهم، ورغم ذلك أصرّ على عداوته له، مع علمه أنه سيظهرُ، وأنَّ دينه ونهجه هو المنتصر.

يعلمون الحق وينحرفون عنه ويحاربونه بالباطل، ظنّا منهم أنهم يمنعون بذلك قدر الله تعالى، ويبدّلون سنّتَه في خلقه.

هكذا هو شأنُ الباطل منذ خلق الله الدنيا وما فيها ومَن فيها، وستبقى سُنّةً ماضية حتى يرثَ الله الأرض ومَن عليها.

وإننا منذ ما يزيد على قرن ولغاية اليوم نعيش ذات اللحظات بتفاصيلها، وإنْ تبدّلت الوجوه والشخوص والأدوات والوسائل.

وفي زماننا ليس على الأرض أعدلُ ولا أحقُّ من قضية الشعب الفلسطيني، الذي ما فتئ يدفع الأثمان الكبيرة في طريقه إلى تحقيق حريّته. ونحن نرى فُجورَ السياسة الدولية في التنكّر لهذا الحق والتآمر عليه ومحاربته، وإلى جانبها خذلان وتواطؤ من أنظمة عارٍ محسوبة على الأمة لكنها عبءٌ عليها، تعرقل تقدمها وتحرق كل بقعة ِأمل خضراء فيها.

كيف سينتهي الأمر؟
تماما كما خُتمت حادثة: أهوَ هوَ…!

(2)
لطالما راودني سؤال كبير ما زلت أفكّر ببحثه أكاديميّا: كيف أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تملك كل هذه الهيمنة والقوة، إلى درجة أنها باتت تقرر للشعوب مصيرها، وتقرر للأفراد هوياتهم، وتوزع شهادات الخير والشرّ وحسن السلوك على من تشاء وحين تشاء وكيفما تشاء؟

كيف تحوّلت عصابة من اللصوص والمجرمين، إلى القوة الأولى على وجه الأرض؟ كيف حدث أنّ مجموعة من الخارجين على القانون استولت على أرضٍ ليست لها، بل جاءت إليها من خلف البحار، وأبادت أهلها الأصليين من الهنود الحمر وأقامت على جماجمهم (حقيقية وليس مجازا) أقذرَ امبراطورية شرّ عرفها التاريخ البشري؟ أقذر امبراطورية رغم أنها تظهر لأعمى البصيرة ببدلة وربطة عنق وتفوح من جسدها الملوث بالشرور والآثام والمظالم أجودُ أنواع العطور؟

كيف أصبح الدولار الأمريكي هو المقياس لمستوى الاقتصاد في أي بلد وفي كل مكان؟

كيف أصبحت دول العالم تنتظر -خائفة مرتعدة متوجّسة- موقف واشنطن من أية قضية، صغيرة أم كبيرة، لتبني موقفها بناء عليه؟

كيف أصبحت المؤسسات الدولية، التي يزعمون أنها جاءت لتحقيق العدالة ونُصرة الضعيف والمظلوم، رهينة في قبضة الفيتو الأمريكي؟

كيف تحولّت أكذوبة الديمقراطية (الأمريكية) إلى دِين يتعبّد به رعاع البشرية حول العالم، اللهم إلا من قلة قليلة من الأحرار والشرفاء الذين رأينا فيما مضى ونرى اليوم كيف أن واشنطن ألَّبت عليهم الدنيا وحشدت لهم الجيوش؟

كيف أصبح البيض الأبيض في واشنطن هو المكان الأول والأخير الذي يحجّ إليه كل زعماء العالم، للحصول على الرضا والمباركة، اللهم إلا من استثناءات رفضت الخنوع فاتُّهمت بالإرهاب أو بدعم الإرهاب، أو أطيح بها غدرا؟

كيف أصبحت مواقف واشنطن تتصدر نشرات الأخبار في كل شاردة وواردة، وأصبحت جوقة المتحدثين بلسان هيئاتها المختلفة (من إدارة وخارجية وبنتاغون وغيرها) نجومًا في فضاء الإعلام، حتى لو كان كلامهم تفتفات وهرطقات وتأتآت وأضاليل وأكاذيب وتناقضات وتزوير للحقائق وتكاد لا تفهم منه شيئا؟

كيف أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تملك كل هذه القوة حتى تفرض العقوبات على الأنظمة (المارقة) وعلى الشعوب والمجموعات والأفراد؟

تُرى مَن الذي منحها، أو مَن الذين منحوها كل هذا وأكثر؟

الجواب بسيط رغم هول المصيبة وصعوبة الاستيعاب!
إنهم الذين استمرأوا العبودية ورضوْا بالخضوع والمهانة. إنهم الذين آثروا السلامة على الكرامة، والرضوخ على الشموخ.
وفي حقيقة الأمر، لا يهمّ كثيرا الحصول على إجابات مفصلة على كل تلك الأسئلة، فهي خاضعة للبحث الأكاديمي، وفي الظروف الحالية تجدر الإجابة على أسئلة أكثر أهمية.

(3)
فما هي الأسئلة الأكثر أهمية من هذه الأسئلة الخطيرة؟

أليس من الواجب والضروري معرفة الإجابات؟

نعم. هذا فيما يبدو في ظاهره صحيح، ومن الواجبات، ولكن هذا مناسب لأوقات غير هذه الأوقات الحرجة الحاسمة التي نعيش الآن. ومن المهم أن تعرف أيضا لماذا تريد الإجابات على تلك الأسئلة؟ هل تريدها لمجرد المعرفة الأكاديمية والرفاهية الفكرية أم لتدرس كل الوسائل التي تنفع في رفع البلاء.

هو، إذًا، سؤال واحد.

كيف يمكن التخلص من هذا البلاء المسمى أمريكا، ومن الهيمنة الأمريكية؟

الجواب: السعي إلى إنهاء هذه السيطرة؟

كيف يمكن هذا؟ إنه يشبه المستحيل!

هو يشبه المستحيل لكنه ليس مستحيلا.

هو بإخراج الوجود الأمريكي في المنطقة وقطع دابِرِه.

أحقا؟؟!! أليس هذا جنونا أو شبه جنون؟

هو شبه جنون. لكنه ليس جنونًا. هو مجرّد شبه جنون بالمعايير المادية التي عملت أمريكا على زرعها في السياسات الدولية. فكل شيء في هذه النظرية خاضع للمعايير المادية. فإن كنتَ تملك القوة المادية عسكريا وبشريا واقتصاديا فأنت سيد الموقف.

هذه ليست استهانة بالأسباب المادية وضرورة توفرها. فهي مسألة محسومة. لكنْ ماذا تفعل بها وبماذا تنفعك إن كنت لا تملك قرارا ولا إرادة ولا عقيدة؟

كم من دولة في بلاد المسلمين وحول العالم تملك الطائرات والجيوش وكل أنواع الأسلحة الفتاكة، ولكنها خواء وقلوبها هواء؟ وفي المقابل كم من دولة في بلاد المسلمين لم تكن تملك من الأسباب المادية إلا اليسير المتواضع لكنّها تملك عقيدة وإرادة وقرارا، لذلك مرّغت كبرياء أمريكا بالتراب وأخرجتها راغمة؟

هكذا تسير الأمور حتى الآن. ولذلك تجد أن “الدول” تقيس مستويات مواقفها في مواجهة المواقف الأمريكية بناء على مقدراتها المادية. لهذا لا تجد بينها من يجرؤ على الخروج عن السياق الأمريكي. وتبقى هناك حفنة دول تسير بين النقاط فتسدد وتقارب. هي ربما دولٌ مبدئية ورافضة للسياسة الأمريكية وتعبر عن ذلك من خلال مواقفها، لكنها تحرص على عدم الوصول إلى نقطة اللاعودة وكسر العظم… فهي دول، وإن كانت ذات مبدأ، تنشد الحرية وترفض السياسات الأمريكية إلا أنها لا تملك عقيدة تستند إليها وتنطلق منها وتتصرف بناء عليها.

هل يمكن إخراج أمريكا من المنطقة؟ كيف يمكن هذا والقواعد الأمريكية منتشرة كالجراد من المحيط إلى الخليج، وأوكار الجواسيس الأمريكية كأسراب الغربان، والبوارج الحربية وحاملات الطائرات تجوب البحار شرقا وغربا ترفع راية التهديد والوعيد لأهل الحق والتوحيد؟

لنسأل التاريخ؛ ففيه الجواب الشافي. نسأل فيتنام ونسأل العراق ونسأل أفغانستان.

ولنسأل التاريخ البعيد لنرى كيف أُخرج والرومان والفرس والمغول والصليبيون…

إن كنت فهمتَ فستعلم أن إخراج أمريكا من المنطقة ليس مستحيلا، بل هو ممكن. هو بين حرفين اثنين لا ثالث لهما، لكنهما يحتاجان إلى من يكون ضمن قدرهما.

وعندها سترى كيف أن الفزَّاعات الكاذبة التي نبتت كالطحالب على الشاطئ الأمريكي ستتهاوى كقصور من ورق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى