أخبار رئيسيةمقالات

يوم الضمير العالمي ويوم الطفل العالمي.. الشعارات الكاذبة والزعماء الأكذب

الشيخ كمال خطيب

الضمير العالمي مصطلح فضفاض يتشدق به المتشدقون ويتغنى به المتغنون متى شاؤوا. الضمير العالمي يوقظونه إذا شاءوا ويفرضون عليه نومًا ثقيلًا إذا رأوا في ذلك مصلحة لهم. يوقظونه فلا يجد للنوم طعمًا ويتجافى الكرى عن عينيه حتى يأخذ للضعيف حقه من القوي وللقليل حقه من الكثير وفق منطقهم وتفسيرهم مثلما صحا ضميرهم.

ولم يعرف للنوم طعمًا حتى أخذوا للمسيحيين حقهم من المسلمين وأقاموا لهم دولة اقتطعوها من أرض السودان عام 2011 مثلما فعلوا مع المسيحيين في تيمور الشرقية عام 2002 حين ساندوهم لإقامة دولة لهم لا يزيد عدد سكانها عن مليونين اقتطعوها من أراضي أندونيسيا التي يبلغ عدد سكانها 200 مليون. وفعلوها قبل ذلك حين دعموا تهجير شعب فلسطين ونفيه عام 1948 وباركوا إقامة الدولة العبرية تحت شعار ظالم يقول “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، بينما هم أنفسهم الذين غطى ونام بل مات ضميرهم قبلها بسنوات قليلة حين ارتكبت المذابح والمحارق بحق اليهود في عقر دار أوروبا، فلما أرادوا أن يكفروا عن جريمتهم وقعوا في جريمة بحق شعبنا وارتكبوا ظلمًا أكبر ومات ضميرهم ولم يستيقظ حتى بعد أن سحق القوي الضعيف، مثلما فعل الروس بالشيشان لما دمروا عاصمتهم غروزني ولم يبقوا فيها حجرًا على حجر عام 1996 لما طالبوا أن تكون لهم دولة مستقلة، ومثلما فعل الصرب بالبوسنيين بين الأعوام 1993-1996 لما طالبوا أن تكون لهم دولة مستقلة، فارتكبوا المذابح وقتلوا واغتصبوا عشرات آلاف الرجال والنساء، وكما يفعل وما يزال الصينيون بالمسلمين الإيجور، وكما يفعل أهل تايلاند عبّاد الأصنام بالمسلمين الروهينجا، وكما تفعل إسرائيل وما تزال بالشعب الفلسطيني عمومًا وبأهل غزة خصوصًا لأنهم طالبوا بأن تكون لهم على أرضهم دولة مثل كل شعوب الأرض.

من المضحك أن نفس هؤلاء وهم الذين يتسلطون على المؤسسات الدولية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، قد أعلنوا عن يوم سنوي للضمير اسمه “يوم الضمير العالمي” يُحتفى به يوم 5/ نيسان من كل عام بدعوى إحياء معاني السلام والتسامح بين الشعوب واحترام حقوق الإنسان وتوجيه أنظار العالم في ذلك اليوم إلى أهمية الالتفات لقضايا الشعوب التي تعاني من الظلم أو الفقر أو الحروب والجوع والمرض والتمييز وغير ذلك.

هذا الضمير العالمي لا تحكمه قوانين ولا ضوابط ولا أنظمة ولا أخلاق ولا أعراف، وإنما تحكمه سلطة القوي يحركه متى يشاء ويوقظه متى يشاء. إنه الضمير العالمي قام من نومه وثار ثورة البركان وقد كان خاملًا عندما أرسل الاتحاد السوفييتي الكلبة “لايكا” إلى القمر على سفينة فضائية. وإنه الضمير العالمي الذي لم يهدأ له بال لتلك البطة الغارقة في النفط الأسود الذي انبعث من آبار النفط التي اشتعلت فيها النيران خلال حرب الخليج الأولى عام 1991. إنه الضمير العالمي الذي جنّد كل إمكاناته المادية والسياسية والإعلامية من أجل تخليص نوع من أنواع قرود الشمبانزي في غابات زائير كانت مهددة بالانقراض وزاد الخطر عليها خلال الحرب الأهلية هناك. إنه الضمير العالمي الذي استنفر كل قياداته دفاعًا عن أصنام بوذا التي دمرتها حركة طالبان في أفغانستان في شهر آذار من العام 2011 بوصفها جزءًا من التراث العالمي. وكذلك فعل الضمير العالمي ورجالاته واستنهضوا همم أصحاب الضمائر الحية للقيام بحملة للحفاظ على صنم أبو الهول لما ظهرت عليه بعض علامات التآكل والتغيير في ملامحه.

إنه الضمير العالمي الذي خُصص له يوم سنوي هو 5/نيسان ظل نائمًا ولم يستيقظ ولم يصح ولم ترمش له عين ولم يرف له جفن وهو يرى الكلاب تأكل لحوم الأطفال والنساء تحت أنقاض البيوت المهدمة في غزة ولم يستطع الأهالي استخراجها، وكذلك الجثامين المسجاة في ساحات مستشفى الشفاء لم يستطع الأهالي دفنها. إنه الضمير العالمي استنفرته كلبة يُذهب بها إلى القمر للتجارب، وبطة غارقة في حفرة نفط، وشمبانزي كاد ينقرض، وصنم تآكلت بعض معالمه، بينما لم يصحُ ذاك الضمير لحرب إبادة قامت بها أمريكا ضد شعب أفغانستان، وحرب إبادة واستعمال أسلحة نووية تكتيكية ضد سكان وشعب العراق، وهي التي سبق وألقت القنابل الذرية على مدينتي هيروشيما ونكازاكي في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، وحرب الإبادة التي قامت بها ضد شعب فيتنام في ستينات وسبعينات القرن الماضي. ولعله يصدق في أصحاب الضمير العالمي النائم، بل الميت قول الشاعر:

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر

المضحك والمثير للسخرية في أصحاب يوم الضمير العالمي، أنهم قد اخترعوا يومًا آخر اسمه يوم الطفل العالمي يُحتفى به سنويًا يوم 20/11 وكانت البداية منذ العام 1954 والذي كانت ذكراه السنوية يوم الاثنين الأخير 20/11/2023.

هل خطر ببال دعاة يوم الضمير العالمي ويوم الطفل العالمي أن مئات آلاف الأطفال من المسلمين الإيجور يتم أخذهم عنوة من أهاليهم لتتم عملية غسل دماغهم وتنشئتهم على الإلحاد وتعاليم الشيوعية بزعم أن بقاءهم عند أهليهم سيؤدي إلى تربيتهم تربية إسلامية متطرفة، أم أن هؤلاء الأطفال ليسوا محل اهتمام أصحاب الضمير العالمي ويوم الطفل العالمي؟
وهل خطر ببال دعاة الضمير العالمي ويوم الطفل العالمي أن هناك مئات آلاف، بل ملايين من الأطفال السوريين الذين هجّرهم بشار من ضمن 14 مليون سوري قد قتلوا أو أصيبوا بعاهات أو أنهم خُطفوا أو بيعوا في أوروبا لسرقة أعضائهم واستخدامهم في تجارة الجنس الرخيصة؟ أو أنهم حرموا من المدارس والتعليم وقبل ذلك حرموا من آبائهم وأمهاتهم الذين قتلهم بشار؟ أم أن هؤلاء ليسوا محل اهتمام دعاة الضمير العالمي ويوم الطفل العالمي؟!

وهل خطر ببال دعاة الضمير العالمي ويوم الطفل العالمي الذي مرّت ذكراه السنوية يوم الاثنين الأخير 20/11 أنَّ قريبًا من ستة آلاف طفل قد قتلوا في قطاع غزة خلال الحرب الدموية السافرة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة منذ ما يقرب من خمسين يومًا، وأن عشرات منهم قد قُتلوا في نفس يوم الطفل العالمي، وأن عشرات بل مئات آلاف الأطفال أصبحوا لاجئين ومهجرين بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء ولا ماء ولا كساء، أم أنه لا يشملهم قاموس العبارات المنمقة التي يستعملها أصحاب البدلات الرسمية وربطات العنق الزاهية وهم يتبجحون بحقوق الأطفال في العالم في يوم الطفل العالمي؟!

إنه من نافلة القول أننا نطالب بحماية الأطفال وضد الإساءة للأطفال أو قتلهم أو سوء معاملتهم أيًا كان عرقهم أو دينهم أو لغتهم، مسلمين أو يهودًا أو مسيحيين، عربًا أو عجمًا أو بوذيين، فالطفولة هي الطفولة والإنسان هو الإنسان.

إن كل الأيام التي أعلنت وكل المواثيق التي كتبت والتي تتحدث عن الضمير وعن الإنسانية وعن حقوق الأطفال، فإنها تتقزم أمام هدي وتعاليم رسول الله ﷺ الذي كان إذا بعث سرية قال: “اغزوا باسم الله وفي سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا ولا امرأة ولا شيخًا”. ومن هدي وصية رسول الله ﷺ لجيوش الفتح كانت وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لجيوشه لما قال يوصيهم: “لا تخونوا ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له”.

إن مصطلحات الضمير العالمي والإنساني باتت ممجوجة ومرفوضة وبائسة، لأنها أصبحت فضفاضة ولا قيمة لها، بل سلاح يستعمله الأقوياء والظالمون يفسّرونه وفق مصالحهم، بل لعله أصبح سلعة تُباع وتُشترى في مزادات السياسة العالمية، وكما قال الشاعر:

يباع يباع فمن يشتري ضميرًا يسمى ضمير البشر
فقد كان يومًا شعار الرجال فأمسى بسعر النوى والحجر
وكان يشعّ كشمس النهار وها هو أعمى الرؤى والبصر
وصرنا بغير ضمير كأننا سحاب ورعد بغير مطر

أليست هي السخرية بعينها من الضمير الإنساني أن أمريكا التي تبارك وتمول قتل الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء شعبنا وبسلاحها تهدم وتدمر المستشفيات والبيوت والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس، بينما هي ترفع تمثال الحرية ينتصب على ساحل نيويورك. وهل الضمير الإنساني يتجزأ ويفرّق بين لون ولون، وعرق وعرق، ودم ودم؟ أم أنه الضمير فعلًا أصبح يباع ويشترى؟!

أليست هي السخرية من مصطلح الضمير لما يتباكى بوتين السفاح على أطفال غزة بينما هو الذي بطائراته وصواريخه وبراميل عميله بشار قد مزّقت أجساد أطفال الشام ونسائها؟!
وعليه ولأن الدول العظمى ينفضح أمرها حين تستغل ما يسمى حق النقض الفيتو عند التصويت في مجلس الأمن حيث لا يكون التصويت وفق أحاسيس وموازين الضمير، وإنما وفق موازين المصالح والسياسات، ولذلك فإنه لا خير يرتجى من هؤلاء، وكما قال الشاعر:

فلا ترجُ السماحة من بخيل فما في النار للظمآن ماء

أمام هذه الحالة المرضية التي أصابت البشرية، وأمام اختلال الموازين الذي بات حاضرًا في كل زاوية من زوايا الأحداث العالمية، وأمام انتكاس القيم والأخلاق والمبادئ، فإننا على يقين أن هذا لن يستمر، وأن هذا التردي لا بد له من نهاية ، وإنا نحن على يقين أن هناك قدرًا علويًا يحرك الأحداث ويدفعها ويهيئها لميلاد جديد. وكما كانت البشرية عند كل انحطاط وتردٍ على موعد مع رسالة ورسول يصحح ذلك الانحراف ويرفعها من ذلك الانحطاط والتردي، ولأن عصر الرسل والرسالات قد انتهى برسالة محمد ﷺ، لذلك فإن أمل البشرية اليوم ببعث جديد ونهضة وصحوة وعودة جديدة لرسالة الإسلام يكون هو المنقذ وهو الدواء والشفاء والبلسم.

يا أيها الناس فلتنجوا بأنفسكم ولا تكونوا كمن ضلّت مساعيه
عودوا إلى الله ينقذكم برحمته من الشقاء الذي بتنا نعانيه
ولتستقوا من كتاب الله منهجكم فليس في الأرض منهاج يدانيه
ولتدركوا هذه الدنيا بدعوتكم حتى تطبوا لها جرحًا تعانيه
فقد تردت وهدي الله يدركها وجرحها غائر والدين يشفيه


إن أعداء الإسلام يملكون محاولة إعاقة هذا البعث الإسلامي الموعود، ويملكون زيادة آلام المخاض للمولود القادم، لكنهم أبدًا لا يملكون منع قدومه وميلاده، وأنه قادم ولن نظل كالأيتام على موائد اللئام ننتظر صحوة ضميرهم الذي نام بل الذي مات.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى