أخبار رئيسيةالضفة وغزةتقارير ومقابلاتومضات

سعت إسرائيل لعرقلته.. ما دلالات توثيق أريحا لدى اليونسكو؟

بعد جهود مضنية بذلها الفلسطينيون محليا وعالميا لـ5 سنوات، أضحت مدينة أريحا القديمة (تل السلطان) على قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، لتكون بذلك خامس موقع فلسطيني يتم إدراجه على هذه القائمة العالمية.

وفي خطوة وصفت “بالإنجاز الكبير”، وثّق الفلسطينيون مدينتهم الأقدم في العالم والأكثر انخفاضا على سطح الكرة الأرضية (250 مترا تحت مستوى سطح البحر)، خلال انعقاد الجلسة 45 للجنة التراث العالمي بالعاصمة السعودية الرياض يوم 10 سبتمبر/أيلول الجاري.

وأصبحت أريحا القديمة خامس موقع موثق رسميا على قائمة التراث العالمي بعد القدس (البلدة العتيقة وأسوارها) والتي أُدرجت خلال الحكم الأردني للضفة الغربية.

كما سُجلت بيت لحم، وبتير، والخليل (البلدة القديمة)، وأريحا الآن خلال فترة حكم السلطة الفلسطينية.

اعتراف أممي

وشدد خبراء آثار ومسؤولون فلسطينيون على أن هذا الإنجاز “ليس تأكيدا على هوية التراث الفلسطيني فحسب، بل اعتراف أممي آخر بأحقية الشعب الفلسطيني على هذه الأرض”، كما يقول إياد حمدان مدير وزارة السياحة والآثار في أريحا والأغوار الفلسطينية.

ويضيف أنه “عندما يتم توثيق أن بدايات الحضارة البشرية كانت في فلسطين وأريحا، وأنها أقدم المدن المسورة، وبُني فيها أول برج حجري للمراقبة، وشكلت بداية تحول الإنسان من حياة الالتقاط والجمع إلى حياة الزراعة وتدجين الحيوان والاستقرار، فإن ذلك يُعد اعترافا عالميا صريحا بدور فلسطين وإسهامها في الحضارة الإنسانية”.

وإضافة إلى تعزيزه الهوية التراثية والثقافية الفلسطينية، “سيسهم التسجيل العالمي في حماية الموقع من الاحتلال الإسرائيلي وغيره، وسيكثف الجهود الفلسطينية القائمة أصلا والدولية لتحمل مسؤولية أكبر تجاهه”.

ويؤكد حمدان أن “وضع الموقع تحت مجهر المنظمات العالمية سيحميه ولو جزئيا من الاحتلال”.

اقتصاديا، سينعش التوثيق أريحا ويضاعف عدد زوارها، إذ سيستقطب أنواعا جديدة من السياحة تتمثل في “سياحة مواقع التراث العالمي”، حيث ستتوجه فئة كبرى من السياح العالميين إليها وسيبحثون عنها عبر مواقع التواصل العالمي، كما يضيف إياد حمدان.

وسجل عام 2022 -حسب حمدان- زيارة حوالي 3 ملايين سائح محلي ووافد إلى فلسطين، من بينهم مليونان و700 ألف زاروا أريحا، ويتوقع حمدان، أن يبلغ عدد الزوار -بعد هذا التوثيق- قرابة 4 ملايين زائر، وأن يسهم قطاع السياحة بحوالي 15% من الاقتصاد الفلسطيني.

 

تنوع وثراء

وتضم أريحا 84 موقعا أثريا وتاريخيا ودينيا، وتتميز بتنوع حقبها وامتزاجها، إذ يمثل تل السلطان العصور الحجرية، وتمثل مواقع دير قرنطل ودير حجلة والمغطس، الفترة البيزنطية، بينما يعكس قصر هشام وطواحين السكر، العهد الإسلامي.

وعلى بُعد 3 كيلومترات شمالي أريحا، يقع تل السلطان (أريحا القديمة)، ويتربع على أكثر من 40 دونما (الدونم= ألف متر مربع) حاليا، بينما تتضاعف مساحته مع المحيط، ويُعرف بكونه أقدم المدن الزراعية المحصنة والمسوَّرة.

وشهدت أريحا في بداية الألف الثالث قبل الميلاد نقلة حضارية، وكانت من أهم المراكز الحضرية الكنعانية بمنطقة الشرق الأدنى بتحصيناتها المنيعة وعمرانها وقصورها ومقابرها الغنية ومقتنياتها المميزة.

ويمر إعداد أي ملف لتسجيله على لائحة التراث العالمي بمراحل شاقة وطويلة، تستوفي شروط المنظمة الدولية فيما يتعلق بالموقع وخطط إدارته وعلاقته بالمحيط ومنطقة حزام الحماية والقيم الاستثنائية به.

ويوضح مدير وزارة السياحة والآثار في أريحا والأغوار الفلسطينية، أن تسجيل موقع أريحا “تميز عن المواقع الفلسطينية الأربعة المسجلة سابقا، حيث تم إدراجه بتوصية من الإيكوموس (الجسم الاستشاري الفني للجنة التراث العالمي) والذي يوصي بتسجيل أي موقع، “بينما سُجلت المواقع الأخرى تحت بند ملف طارئ دون توصية الإيكوموس”.

دحض روايات الاحتلال

ورغم تغوُّل الاحتلال على المواقع الأثرية والتراثية الفلسطينية، فإن توثيق أريحا عالميا يؤكد أنها صارت محمية بالقوانين والأعراف الدولية، وهذا برأي جهاد مصطفى مسؤول حماية الآثار بوزارة السياحة الفلسطينية، “أكبر شهادة” للفلسطينيين بتراثهم وهويتهم وكنزهم الأثري.

وبالتوثيق، “ستصبح المدينة مقصدا سياحيا دوليا يتضاعف به أعداد الزوار، وتسهل إمكانية تنفيذ مشاريع وحفريات مستقبلية لتأهيل الموقع وإبرازه عالميا”، كما يؤكد.

ويقول مصطفى، إن التوثيق “يدحض كل الروايات الصهيونية واليهودية التوراتية التي يُزوّر الاحتلال عبرها الحقائق ويدّعي أن هذه أرضه وأنه أول من سكنها، وهذا التسجيل تأكيد أن الفلسطيني الكنعاني هو أول من سكن هذه الأرض وعمَّرها وأنشأ المدن الزراعية واستقر بها”.

وحاولت إسرائيل -حسب مصطفى- “مرارا تعطيل القرار، واستخدمت كل نفوذها لإبطال وتأخير هذ الملف، ولكن قوة الحق الفلسطيني فرضت نفسها كأمر واقع واعتمد القرار الدولي”.

تهويد متواصل

ومع بداية العام الجاري، رصدت إسرائيل 150 مليون شيكل (الدولار= 3.7 شيكلات) لتهويد المواقع الأثرية الفلسطينية، ومن بين حوالي 7 آلاف موقع أثري فلسطيني بالضفة الغربية، يضع الاحتلال يده على 3500 موقع والتي تشكل 60% من المواقع الأثرية، ويحاول وضع يده على ما تبقى منها.

ومن بين قرابة 7 آلاف موقع أثري فلسطيني جلها في مناطق “ج” (أكثر من 61%) من مساحة الضفة، وجزء منها في مناطق “ب”، تستهدف إسرائيل بشكل مباشر وبشتى الوسائل أكثر من 3500 موقع (60% من المواقع الأثرية)، وأعلنت منذ بداية هذا العام أنها ستضع يدها عليها.

وتتعرض هذه المواقع يوميا -وفق جهاد مصطفى- لمضايقات الاحتلال، عبر عمليات حفر وتنقيب غير قانونية وسرقة القطع الأثرية وطرد العاملين الفلسطينيين منها.

ويؤكد جهاد مصطفى أن إسرائيل أعلنت مؤخرا وبكل عجرفة أنها ستضع يدها على جميع المواقع الأثرية الفلسطينية بما فيها الواقعة بمناطق “ب” بزعم حمايتها من التدمير والسرقة.

ويشكل تسجيل موقع أريحا القديمة (تل السلطان) عالميا خطوة مهمة في تثبيت هوية الفلسطينيين وتراثهم، مما يؤكد أحقية وجودهم على هذه الأرض.

ولذلك، تخطط مؤسسات رسمية لا سيما وزارة السياحة وبتعاون مع قطاعات حكومية وأهلية لإعداد ملفات لمواقع تراثية أخرى تمهيدا لتسجيلها عالميا، ضمن أولى أولوياتها للتصدي للاحتلال ومشاريعه الهادفة للسيطرة على تلك المواقع التاريخية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى