أخبار رئيسيةمقالاتومضات

الخبز المخمّر والحقد المختمر.. ميليشيا ڤاغنر وميليشيا بن غفير

الشيخ كمال خطيب

 

مساء أول من أمس الأربعاء 5/4 كانت بداية حلول عيد الفصح عند اليهود والذي يستمر أسبوعًا كاملًا. وإن من أهم وأبرز شعائر عيد الفصح عند اليهود، أنهم يحرّمون فيه على أنفسهم أكل الخبز المخمّر ويستبدلونه بأكل الخبز غير المخمّر والذي يسمى “מצה-مصّه”. ولأن المخابز اليهودية تتوقف عن إنتاج الخبز المخمّر حيث العقوبات صارمة من قبل المرجعيات الدينية، فإن كثيرين من اليهود العلمانيين، إما أنهم يدّخرون كميات من الخبز في الثلاجات، أو أنهم يتوجهون إلى القرى والمدن العربية القريبة منهم، إما للأكل في مطاعمها أو لشراء الخبز من مخابزها.

ويعود سبب ذلك التقليد والشعيرة الدينية بتحريم أكل الخبز المخمّر إلى الأيام التي كان فيها بنو إسرائيل مستعبدين في مصر على يد الفراعنة، فجاءهم الأمر من الله تعالى إلى موسى عليه السلام بأن يخرج وقومه فورًا من مصر لدرجة أنهم كانوا قد عجنوا طحينهم لإعداد الخبز كما يفعلون في كل يوم، ولكن وللسرعة وامتثالًا لأوامر الله تعالى جاء بها موسى عليه السلام، فإنهم لم ينتظروا حتى يختمر العجين، وإنما خبزوه قبل أن يختمر ليكون معهم زادًا في طريق خروجهم من مصر.

ولأجل ذلك وفي ذكرى خروجهم من مصر ونجاتهم من ظلم فرعون وفرحًا بتلك المناسبة، فإنها أصبحت عيدًا هو عيد الفصح في ذكرى هلاك فرعون ونجاتهم، فيحرّمون على أنفسهم أكل الخبز المخمّر، فيصومون عنه ويأكلون الخبز غير المخمّر كالذي أكلوه في رحلة خروجهم من مصر.

ولقد سجّل القرآن الكريم قصة الخروج هذه والنجاة في كثير من الآيات في القرآن الكريم احتفاءً بنجاة موسى وقومه من ظلم فرعون فقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِى ٱلْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَٰفُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ} آية 77-78 سورة طه. وقال سبحانه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} آية 52 سورة الشعراء. وقال سبحانه: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} آية 24 سورة الدخان.

وليس أن القرآن الكريم قد سجّل وحفظ قصة الخروج هذه لبني إسرائيل، وإنما سنّ النبي ﷺ صيام يوم العاشر من محرم “عاشوراء” اليوم الذي نجّى الله عز وجل فيه موسى وقومه من فرعون، وقد وجد اليهود في المدينة المنورة يصومون، فقال: “فنحن أحقّ وأولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه”.

وإذا كان النبي ﷺ في سنته الشريفة قد أجَلّ وأعظم يوم نجاة موسى وقومه من فرعون فصامه، وإذا كان القرآن الكريم قد سجّل قصة نجاة بني إسرائيل من فرعون في عشرات الآيات، وإذا كانوا هم يعتبرون أهم رمزية في قصة الخروج هذه هي أكل الخبز غير المخمّر، فكيف ومن أين ولماذا هذا الحقد المختمر علينا نحن أمة محمد ﷺ؟

وإذا كنا نصوم يوم عاشوراء شكرًا لله على نجاة موسى وقومه بني إسرائيل، فمن أين ولماذا هذا الحقد المختمر علينا لدرجة الإعلان أنكم ستفسدون علينا صيامنا في رمضان وانتهاك حرمته عبر الدعوات لاقتحام المسجد الأقصى المبارك في أيام شهر رمضان شهر الصيام؟ وهذا ما يحصل منذ بداية الشهر الفضيل،

ها هي الدعوات تملأ وسائل الإعلام وشبكات التواصل من قبل رمضان بأسابيع، بل بأشهر، تدعو لإقامة طقوس عيد الفصح في ساحات المسجد الأقصى المبارك، لا بل إن أحد إعلاناتهم قد صدر بعنوان “حالة طوارئ أحضروا جديًا قربانًا وتعالوا نلتقي عند بوابات جبل الهيكل الساعة 10:30 من مساء الأربعاء 5/4/2023، لن نضيع فرصة ذبح قرابين في جبل الهيكل-المسجد الأقصى”.

نعم إنهم يعتبرونها فرصة تاريخية عبر وجود ممثلين لهم تحت قبة الكنيست، بل إنهم الوزراء المسؤولون عن الشرطة التي كانت في بعض الأحيان تحول دون ذبحهم القرابين في الأقصى خوفًا من التصعيد، فكيف وقد أصبحت الشرطة تأتمر بأمر بن غفير الوزير الشرير الذي هو من أشدّ دعاة اقتحام الأقصى وتدنيسه، وهو تلميذ مدرسة الحاخام كهانا العنصرية.

فمن حرّموا على أنفسهم أكل الخبز المخمّر، فمن أين لهم هذه القلوب المخمّرة بالحقد والكراهية والعنصرية بها يفسدون علينا صيامنا في رمضان واعتكافنا في مسجدنا الأقصى المبارك؟

والذين نجّاهم الله تعالى من ظلم فرعون، فكيف لهم أن يظلموا غيرهم؟ ومن يصومون شكرًا لله على نعمة إهلاك الطاغية فرعون الذي سامهم سوء العذاب، فكيف لهم أن يتحولوا إلى طواغيت وفراعنة ويناصبون العداء لشعبنا وأمتنا عبر استهداف مسجدنا الأقصى المبارك وإقامة شعائرهم في؟ ومن أين جاءتهم تلك الفكرة الشيطانية قبل سنتين لما قاموا بنصب طاولات عليها مناقل شيّ اللحوم في طريق وصول المسلمين إلى المسجد الأقصى خلال أيام رمضان ظانين أن في هذا تحديًا واختبارًا لإرادة الصائمين وهم يشمون رائحة الشواء. ما أغباهم وما أبعدهم عن دين موسى ورسالته صلوات ربي وسلامه عليه.

 

ميليشيا ڤاغنر وميليشيا بن غفير 

منذ سنوات ووسائل الإعلام تتحدث كثيرًا وتنقل أخبار جماعة عسكرية روسية تحمل اسم “فاغنر”. فإذا كانت الأحداث تقع في ليبيا فإن اسم فاغنر كان حاضرًا، وإذا كانت الأحداث تدور في مالي فإن اسم فاغنر كان حاضرًا، وكذلك الحال في السودان حيث كانت مهمة فاغنر الوصول إلى مناجم الذهب في السودان وسرقته والوصول به إلى روسيا والبنك المركزي فيها.

وأما عن دور فاغنر في سوريا فكان حاضرًا دائمًا إلى جانب مساندة ودعم جيش بشار الأسد وشبيحته والميليشيات الطائفية التي جاءت تسانده من حزب الله اللبناني إلى “فاطميون” الأفغانية و”زينبيون” وحزب الله العراقي وميليشيا لواء القدس الإيراني. وقد برز دور فاغنر كثيرًا في معركة اللاذقية في العام 2015 حين ساهمت هذه الميليشيا في الاستيلاء على تلك المناطق الجبلية الهامة التي وقعت تحت سيطرة مقاتلي الجيش الحرّ والثورة السورية لصالح قوات النظام الدموي نظام بشار الأسد.

وها هي ميليشيا فاغنر تعتبر الآن عصبًا رئيسيًا وقوة ضاربة في حرب روسيا ضد أوكرانيا. فاغنر هذا التنظيم العسكري الذي يرأسه “يفجيني بريجغوجين” وهو أحد أقرب المقربين للرئيس بوتين، حيث تستخدم هذه المجموعة والتي يُتحدث أنها تضم عشرات آلاف المقاتلين والمرتزقة لحسم الصراع في بعض المناطق في العالم لصالح جهة تقرر روسيا الوقوف إلى جانبها دون الإعلان الرسمي عن تدخل روسيا في ذلك النزاع.

إنها إذن ميليشيا روسية وتضم مرتزقة غير روس وسجناء جنائيين أصحاب سوابق يتم الإفراج عنهم مقابل الخدمة في هذه الميليشيات، حيث تقوم بارتكاب كل صنوف جرائم الحرب دون أن يُنسب ذلك إلى الجيش الروسي وإلى الرئيس بوتين.

ومنذ أشهر ومع بدء مفاوضات تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة نتنياهو، فقد تناقلت وسائل إعلام طلب واشتراط أن يكون ضمن في اتفاقية الشراكة في تشكيل حكومة اليمين نصّ صريح بإقامة ما سمي بالحرس الوطني، وهي قوة عسكرية تحت إمرة بن غفير وزير الشرطة وليس تحت إمرة مفتش عام الشرطة. كان نتنياهو يعلم خطورة إقامة مثل هذا التشكيل العسكري الميليشيات، ولذلك لم يعمل على تنفيذه، غير أن التطورات الأخيرة والمظاهرات العارمة كادت أن تُسقط حكومة نتنياهو، ليجد بن غفير فرصته في اشتراط إقامة هذه الميليشيا مقابل الموافقة على إرجاء تنفيذ ما تسمى خطة إصلاح القضاء وهيكلة جهاز الحكم الإسرائيلي.

لم نسمع في الدول الحديثة عن كتائب عسكرية وتشكيلات أمنية تتبع لوزير ولا حتى لرئيس وزراء، اللهم إلا في ديكتاتوريات وأنظمة ملكية وانقلابية، حيث خوف هؤلاء على أنظمتهم فيشكلون أجهزة أمنية خارجة عن أي منظومة ولا يعرف عن حقيقتها ولا ميزانيتها ولا أي تفصيل عنها إلا من أقامها من أجل مصلحته.

فحينما يطالب بن غفير بإقامة جهاز أمني غير الشرطة التي هو وزيرها، فهذا يعني أن لهذا الجهاز سيكون دور خطير يشبه تمامًا دور ميليشيا فاغنر حيث تنفذ سياسة الحكومة الإسرائيلية دون الإعلان عن ذلك رسميًا.

أما بالنسبة لأبناء شعبنا الذين تستهدفهم هذه الميليشيا بشكل مباشر، بل التي لم يتم تشكيلها إلا للتعامل معهم كما أعلن بن غفير، أن الميليشيا هدفها التدخل خلال أحداث تشبه ما حدث في رمضان 2021 حين قام شعبنا برفع صوته ضد استباحة المسجد الأقصى المبارك، فكانت الاعتداءات والجرائم بحق أهلنا عمومًا، وعلى وجه الخصوص في مدن الساحل عكا وحيفا واللد والرملة ويافا. وعليه فإن شعبنا الذي يُقتل برصاص الجيش والشرطة والشاباك والمستوطنين والمستعربين ومسلحي شركات الأمن الخاصة، فإنه كذلك سيُقتل من أبنائه برصاص ميليشيا بن غفير، ولكن زيادة على ذلك وبسبب مواقفه الهوجاء، وفي ظلّ حالة الانقسام التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي والتي تزداد اتساعًا، فلن يكون مفاجئًا أن ميليشيا بن غفير التي سيتم اختيارها وفق أجندات وقناعات المؤسس بن غفير، أنه لن يتردد باستخدامها ليس فقط ضد الفلسطينيين، وإنما ضد من يخالفونه من الإسرائيليين واليهود.

لكن ومع إجماع أبناء شعبنا في إدراك خطورة هذه التشكيلات الميليشياوية، إلا أن علينا ألا ننسى أبدًا أن تشكيلًا باسم الحرس الوطني تم تشكيله وبناءه وهو يعمل الآن بشكل رسمي. هذا التشكيل الأمني كان نتاج العبر والدروس التي استخلصتها حكومة “نفتالي بينت، لبيد، منصور عباس، غالنت، ليبرمان” لما حصل في رمضان 2021 حيث كانت التوصية بإقامة حرس وطني للتعامل السريع والحازم مع أبناء الداخل الفلسطيني في ظل انفلات أمني أو مواجهة عسكرية على أكثر من جبهة.

نعم لقد أقامت حكومة نفتالي بينت المدعومة من القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس ذلك الحرس الوطني الذي يضم 900 عنصر من قوات حرس الحدود وهو تحت قيادة الضابط “مئير إلياهو” وتحت تصرفه إمكانيات غير مسبوقة لأداء مهماته.

نعم إنني لا أتردد بالقول أن ميليشيا الحرس الوطني الذي أقيم لقتلنا والتنكيل بنا عند كل موقف يقفه شعبنا متضامنًا مع الأقصى أو مع أهلنا في غزة والضفة، وحتى ضد الممارسات الفاشية التي توقعها بنا حكومات إسرائيل.

إن هذه المليشيا قد أقيمت في ظلّ حكومة نفتالي بينت التي كان يدعمها وجزءًا من ائتلافها الحكومي منصور عباس، ولولا دعمه لتلك الحكومة ما كانت لتشكل جهازًا دمويًا عدوانيًا استخلاصًا لما حصل في رمضان 2021. فمن يظن أن حكومة نفتالي بينت لبيد المدعومة من منصور كانت أقلّ دموية، فإنه مخطئ أو جاهل أو متجاهل أو متغابٍ.

وعليه فإن ميليشيا بن غفير التي يراد تشكيلها ستقوم بالأعمال الوسخة والمهمات القذرة لحكومة نتنياهو دون أن تمارسها هي بشكل رسمي، وإنما سيُلقى بالغسيل الوسخ والجرائم غير المسبوقة على مسؤولية بن غفير تمامًا مثلما هي المهمات والأدوار التي تقوم بها ميليشيا فاغنر.

ميليشيا فاغنر قتلت أهلنا وإخوتنا في ليبيا وفي سوريا وفي السودان، وميليشيا بن غفير ستقتل أهلنا وإخوتنا وأبناء شعبنا من النقب جنوبًا وحتى أقصى الجليل شمالًا، لكن الذي يجب أن يعرفه بن غفير ونتنياهو ونفتالي بينت وكل أفراد الحكومة الشريرة، أن شعبنا لن يخيفه مثل هذه التشكيلات الإجرامية ولا غيرها. شعبنا تجاوز مرحلة الخوف والشعور بالذل بعدما حصل في نكبة 1948 وفي نكسة 1967، وهو عازم على استمرار الثبات والتجذر في أرضه حول قدسه وأقصاه حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

 

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى