أخبار رئيسيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

في ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم: هات يدك أقبّلها

الشيخ كمال خطيب

 

كلما ازداد الليل حلكة، وكلما علا صوت الباطل، وكلما اشتد الخطب وعمّ البلاء، وكلما حاصرتنا الفتن من كل جانب، وكلما صوّبت إلينا الطعنات من الأعداء ومن الأشقاء، تهبّ علينا نفحات ذكرى مولد الحبيب محمد ﷺ لتكون بلسمًا لجراحنا ونورًا يبدد ليلنا، وأملًا ويقينًا به نحارب يأسنا. تهبّ علينا نفحات ونسمات المولد النبوي الشريف ليتجدد فينا العزم على أننا سننتصر على أحفاد أبي جهل، وأننا سنفضح أحفاد أبي رغال، وأننا سنهزم فيلة أبرهة، وأننا سنطفئ نار المجوس وغير المجوس، تمامًا مثلما كان مولده ﷺ بشارة هزيمة أبي جهل، وفضح عمالة وخيانة أبي رغال، واندحار جيش وفيلة أبرهة، وانطفاء نار المجوس يومها واليوم وكل يوم، هذا هو حالنا وشعورنا وطمأنينتنا في ذكرى مولده ﷺ التي تحل علينا غدًا 12 ربيع الأول.

 

جاء الحبيب إلى الوجود يتيمًا      والكون في درب الظلام سقيما

فأنار للكون العليل ظلامه         بشريعة لا تقبل التقسيما

فهي الشفاء لكل قلب موجع       ومزاجها بين الورى تسنيما

يا مؤمنون بأن أحمد مرسل       صلوا عليه وسلموا تسليما

 

 

فيل الحبشة وبقرة إسرائيل

سمي العام الذي ولد فيه الحبيب محمد ﷺ بعام الفيل لأنه العام الذي سار به أبرهة وجيش الحبشة تتقدمهم الفيلة لتنفيذ مشروع أسود، إنه ليس إلا هدم الكعبة المشرفة في بيت الله الحرام في مكة المكرمة في عقر دار العرب وأرضهم.

يسير أبرهة بجيشه وقواته ومعه سلاحه الضارب “الفيل”، به ليس فقط يريد أن يهدم الكعبة المشرفة، بل يريد أن يدوس كرامة العرب ويمرغ أنوفهم بتراب العار، إنهم لم يستطيعوا الدفاع عن بيت الله المحرم.

لكن غرور أبرهة وصلفه وهو يرى العرب يفرّون أمامه، بل وهو يتمتع برؤية عرب وقد أصبحوا أدلّاء أذلّاء يوصلونه عبر أقصر الطرق إلى مكة، وإذا بهذا الغرور والصلف يتحطم تحت وقع حجارة من سجيل ألقتها طير أبابيل أرسلها الله الجليل سبحانه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} سورة الفيل.

تتزامن ذكرى مولد رسول الله ﷺ في عام الفيل مع مشروع وخطة أبرهة لهدم المسجد الحرام مع استعداد الجماعات الدينية الإسرائيلية لهدم المسجد الأقصى المبارك ولبناء هيكلهم الثالث المزعوم على أنقاضه. هذه الجماعات التي تعيش هذه الأيام ذروة صلفها وهي تحظى بحماية ومباركة، بل ومبادرة أحزاب دينية تحت قبة الكنيست تدافع عنها وتتبنى أفكارها، وليست هي أحزاب دينية يمينية فقط، بل إن أحزابًا علمانية وهي في وسط الخارطة السياسية لكنها تتزلف هذه الجماعات سعيًا لنيل رضاها ولكي تحظى بأصوات منتسبيها خلال الانتخابات القادمة للكنيست.

لكن ذروة هذا الصلف وهذا الغرور تظهر عبر الاحتفاء والاحتفال غير المسبوق من قبل هذه الجماعات الدينية باستقبال خمس بقرات حمراء اللون وصلت من أمريكا على متن طائرة خاصة بخطوط شركة “أمريكا ايرلاند” حيث كان في استقبالها في مطار بن غوريون المئات من أفراد هذه الجماعات الدينية التي تعيش على طيف وأحلام ونبوءات بناء الهيكل الثالث المزعوم على نفس المكان الذي يقوم عليه المسجد الأقصى المبارك.

إن وجود البقرة الحمراء بالنسبة لهم هو خطوة متقدمة من خطوات بناء الهيكل، حيث تم ذبح البقرة الحمراء وحرقها ومن رمادها يتم التطهر لمن سيدخل إلى الهيكل بعد تطهيره من جنس الأغيار كما يعتقدون. وإذا كانت البقرة الحمراء قد تم إحضارها من مزرعة في تكساس في الولايات المتحدة ،فإنها تضاف إلى جانب كثير من المواد التي سيبنى بها الهيكل قد تم توفيرها وتجهيزها في مخازن خاصة تقع في جبال غربي القدس، ومن هذه المواد خشب الأبينوس وخشب الأرز، وإنها الحجارة المقطوعة يدويًا من جبال النقب، وإنها ألبسة الكهنة والأواني الفضية التي تستخدم خلال الطقوس التوراتية، وفوق هذا كله فإن الشمعدان الذي يزن سبعين كيلو غرام من الذهب الخالص.

لقد بلغ الصلف بأبرهة أنه ظن أن بمقدوره هدم بيت الله الحرام في مكة معتمدًا على الفيلة، وما علم أبرهة أن هذا الفيل المخلوق الأعظم بين الحيوانات سيتم إهلاكه وشلّ حركته بواسطة عصفور وطائر صغير يحمل حجارة من سجيل.

وها هو الصلف يبلغ بقادة وحكام إسرائيل ظانين أن بمقدورهم هدم المسجد الأقصى معتمدين على قوتهم العسكرية الضاربة وملوّحين لكل من تسول له نفسه أن يقف في وجه مشروعهم. إن سلوك قادة المشروع الصهيوني لا يقلّ صلفًا ولا عدوانية عن سلوك أبرهة والأحباش، إنهم يتعاملون مع شعبنا الفلسطيني وفق منطق الجبابرة الذين يتحكمون بالعبيد، إنهم يقتحمون المسجد الأقصى ويدنسونه وينفخون فيه البوق ويؤدون الصلوات التلمودية ويحضرون البقرات الحمراء ظانين أن بقوتهم الضاربة هذه سيحولون دون قدرة شعبنا على الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك. إنهم ينسون أنه إذا كان للمسجد الحرام رب يحميه كما قال عبد المطلب وقد حماه، فإن للمسجد الأقصى كذلك ربًا يحميه وشعبًا يفتديه ولن يسمح بتدنيسه ولا بناء هيكل عليه. وإذا كانت معجزة الطير الأبابيل قد سطرت ملحمة نهاية إمبراطورية الأحباش، فإن أبناء شعبنا كلهم طير أبابيل سطروا ملحمة صاحب الحق في مواجهة من يريد أن يغتصب حقه وينتهك حرمة مسجده.

 

أبو رغال ورموز الخيانة

أبو رغال هو ذاك العربي الذي ارتضى لنفسه أن يكون دليلًا لأبرهة وجيشه يوصلهم من اليمن إلى مكة لهدم بيت الله الحرام، لكن أبا رغال أصبح وصفًا يطلقه العرب على كل من يطعن شعبه وأمته ودينه في الظهر وينحاز إلى صف الأعداء مقابل فتات من مال أو عطايا أو منصب، يظن من يحظى به أنه يعوّض نقصه أو يجمّل قبحه، لكنه وبغبائه يزداد خسّة وذلًا وانتكاسًا. إنه ولشدة مقت العرب لأبي رغال، فإنهم أصبحوا في الفترة الممتدة بين عام الفيل وبين ظهور الإسلام وفرض ركن الحج، وبعد نهاية طقوس حجّهم فإنهم كانوا يرجمون قبر أبي رغال بالحجارة تشبيهًا له بالشيطان الرجيم الذي يرجم.

وإذا كانت مهمة أبي رغال القذرة هي في إيصال جيش أبرهة الحبشي عبر أقصر الطرق إلى مكة المكرمة وبيت الله الحرام. فما أكثرهم آباء رغال في زماننا وأيامنا هذه التي بها يمهّدون الطريق لأبرهة الإسرائيلي وتمكينه من هدم المسجد الأقصى المبارك. وإذا كان همّ أبرهة الحبشي يومها هو الانتصار لكنيسة “القليس” فإن همّ أبرهة الإسرائيلي اليوم هو الانتصار وبناء كنيس الهيكل الثالث.

ولا أتردد بالقول أن أنظمة عربية وعبر مشاريع التطبيع واتفاقيات العار تقيمها مع المؤسسة الإسرائيلية تؤدي ملوكها ورؤساؤها دور أبي رغال، حيث برضى هؤلاء وفي الحد الأدنى بصمتهم وانخراسهم، تقوم إسرائيل بالتقدم السريع في مشروع فرض العبادة بعد السيادة في المسجد الأقصى المبارك تمهيدًا لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.

ولا أتردد بالقول كذلك، أن شخصيات وسياسيين فلسطينيين يؤدون دور أبي رغال عبر مشاريع التنسيق الأمني والاختلافات الحكومية مع زعماء الأحزاب والحكومات الصهيونية، فإنهم بعلمهم أو بغبائهم وجهلهم، فإنهم يساهمون بدعم التقدم السريع في مشروع فرض العبادة بعد فرض السيادة على المسجد الأقصى المبارك تمهيدًا لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه. وإذا كانت قبائل عربية قد ارتعبت من أبرهة الحبشي ومن فيلته ورفعت الرايات البيضاء وجلست تنظر من بعيد إلى أبرهة يزحف نحو بيت الله الحرام، فإنها اليوم دول وأحزاب قد ارتعبت من أبرهة الإسرائيلي فألقت بنفسها في حضنه، بل تحت قدميه تختلس النظر من طرف خفي إلى أبرهة الإسرائيلي ينفّذ مخططاته السوداء في المسجد الأقصى المبارك شقيق المسجد الحرام دون أن تنبس ببنت شفة.

 

هات يدك أقبلها

ونحن نعيش نفحات ذكرى مولد الحبيب ﷺ فليس أن أبناء شعبنا الفلسطيني قد سطروا صفحات المجد والعزة في الدفاع عن مسرى رسول الله ﷺ، بل إنهم سطروا صفحات الحب والوفاء لصاحب المولد ﷺ.

إنها قصة القاضي الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني الفلسطيني الذي ولد في قرية إجزم جنوب حيفا عام 1849 وتوفي في بيروت عام 1932 بعد أن حاز على الشهادة العالمية الأزهرية، حيث درس وخطب في جامع الجزار في عكا وتقلّد مناصب دينية وقضائية من الدولة العثمانية في الموصل وفي اللاذقية وفي إسطنبول، وكان آخرها في بيروت حين تقلّد منصب القضاء مدة 20 عامًا.

زيادة على إبداعاته في الأحكام الشرعية والقضاء والدعوة، فإنه كان شاعرًا مبدعًا، وكان أغلب شعره قصائد ودواوين في مدح النبي ﷺ إذ أنه هو صاحب قصيدة “الألفية” وهي مكونة من ألف بيت في مدح رسول الله اسمها “طيبة الغراء في مدح سيد الأنبياء”، عارض فيها همزية البوصيري “أم القرى في مدح خير الورى” وهي قصيدة فيها يبدأ من مولد رسول الله ﷺ وكيف كان حال العرب والإنسانية قبل مولده ،مرورًا بسيرته العطرة والمعارك التي خاضها وشمائله ﷺ ومعجزاته حتى يوم وفاته ﷺ.

ومن أشهر ما حصل معه وعرف عنه بحبه لرسول الله ﷺ، وهو الذي اشتهر عنه بعد كل صلاة أنه كان يدعو الله قائلًا: “اللهم اجعل آخر أيامي أجاور حبيبي وحبيبك محمد ﷺ في مدينته” وقد تحقق له ما تمنى فكيف كان ذلك:

فبينما رجل فاسق يمشي في السوق في بيروت وإذا به وبصوت عالٍ ينضح بالفسق والكبر يشتم رسول الله ﷺ، فسمعه شاب كان قريبًا منه، فما كان من الشاب إلا أن دخل دكانًا قريبًا منه كان يبيع السكاكين فسحب سكينًا وطعن به ذلك الرجل فأرداه قتيلًا. وصلت القضية إلى محكمة جنايات بيروت التي يرأسها القاضي يوسف بن إسماعيل النبهاني. كانت الجلسة علنية والمتهم في قفص الاتهام، والقاعة مكتظة بالناس. فقال القاضي للمتهم بالقتل: لماذا قتلت الرجل؟ قال الشاب المتهم: سيدي القاضي سمعته يشتم رسول الله ﷺ، ولأنني أعشق حبيبي وسيدي ومولاي رسول الله ﷺ فلم أتمالك نفسي وأنا أسمع من يشتمه فكان ما كان. فقال القاضي بعد مداولة القضية: حكمت عليك المحكمة بالأشغال الشاقة 15 سنة لارتكابك جناية القتل عمدًا، ولإسقاط الحق الشخصي فقد قررت المحكمة تخفيض العقوبة إلى النصف، وللأسباب المخففة التقديرية التي تراها المحكمة فقد تم الاكتفاء بمدة توقيفك، انتهى القرار.

لكن القاضي قال للشرطي: فك قيد المحكوم وأطلق سراحه ثم نزل القاضي من قوس المحكمة (المكان الذي يجلس فيه القاضي) واقترب من الشاب المحكوم قائلًا له: يا ابني بأي يد قتلت شاتم حبيبنا محمد ﷺ، فقال الشاب المحكوم: باليد اليمنى، فقال القاضي: يا ابني مدّ يدك اليمنى، فأمسكها القاضي وقبّلها وهو يبكي، وبكى كل من كان في قاعة المحكمة.

لم ينتهِ الفصل من هذه القصة، فقد كتبت عدلية بيروت إلى وزير العدل آنذاك أن رئيس المحكمة يقبّل يد القاتل. وبعد مداولات صدر قرار قضائي بمعاقبة القاضي ونقله من بيروت إلى المدينة المنورة، ويتحقق حلم القاضي وأمنيته ودعاؤه لله لمّا كان يقول: “اللهم اجعل آخر أيامي أن أجاور حبيبي وحبيبك محمد ﷺ في المدينة المنورة”.

أسأله جلّ جلاله بجاه ومقام حبيبه محمد عنده أن يجمع بين الشيخ يوسف النبهاني وبين حبيبه محمد ﷺ على الحوض، وأن يجمع شمل المسجد الأقصى مع شقيقه المسجد الحرام ومسجد النبي ﷺ، وأن يجمع شمل القدس الشريف مع شقيقتيها مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأن يتحقق جمع الشمل هذا تحت راية دولة الخلافة الإسلامية الراشدة.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

 

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى