أخبار رئيسيةمقالاتومضات

تواريخ وذكريات

الشيخ كمال خطيب

 

إنّ تسارع الأحداث في زماننا، بل في سنواتنا، بل في أيامنا التي نعيشها مما يصيب الإنسان منا بالدهشة والذهول. أحداث على مستوى الأفراد وعلى مستوى الشعوب وعلى مستوى الأمة، أحداث محلية وإقليمية وعالمية، أحداث سياسية واقتصادية وعسكرية، أحداث من صنع الإنسان وأحداث بفعل العوامل الطبيعية ،ولكأن الجميع يترقب ويتساءل وماذا بعد يا ترى؟ أسأل الله تعالى أن يأتي بالذي هو خير ولن يكون إلا خيرًا إن شاء الله تعالى.

وإن اهتمامنا بما سيكون فلن يشغلنا عن استخلاص العبر مما كان من أحداث وقعت ولم تطوَ صفحتها، وإنما هي الأحداث التي سيكون لها ما بعدها، وكيف لا وهي الأحداث التي تتعلق بالمقدسات وحرمتها، بل ولعل ما هو أقدس منها، إنها دماء المسلمين والشهداء والمهجّرين، وإن ما حدث لم يكن إلا جولة تتبعها جولات.

 

مجزرة ميدان رابعة

 

يوم الأحد الأخير 14/8/2022 كان يوم ذكرى مجزرة ومحرقة ميدان ومسجد رابعة في القاهرة. المجزرة والمحرقة التي ارتكبها السيسي الدموي الانقلابي يوم 14/08/2013 بحق المعتصمين السلميين الذين رفضوا انقلابه الظالم، ثم اعتقاله للرئيس الشهيد محمد مرسي يوم 30/07/2013.

ليس أن السيسي وجيشه وشرطته ومخابراته وبلطجيته قد قتلوا المئات من الرجال والنساء والأطفال رميًا بالرصاص وبالبث الحي والمباشر من البنادق ومن رشاشات الطائرات المروحية، وإنما وصلت بهم الوحشية أن يجرفوا جثث الضحايا بالجرافات، بل وإشعال النار في الخيام ،ولاحقًا في مسجد رابعة الذي أصبح مركزًا لعلاج المصابين وتجميع جثامين الشهداء الذين أتت نار الحقد عليهم.

كانت مجزرة رابعة نقطة البداية لحملة اعتقالات غير مسبوقة، وصل تعداد من اعتقلتهم أجهزة أمن السيسي إلى أكثر من 70,000 من خيرة أبناء مصر، ومن لم ينجحوا في اعتقاله فإنه قد هرب وخرج لاجئًا وهم بعشرات الآلاف من أبناء مصر الطيبين الأوفياء.

مجزرة رابعة ودماء ودموع شهدائها وأحبابهم ليست أنها ستلاحق السيسي فقط وستكون عليه نارًا وسعارًا يوم القيامة إن شاء الله، وإنما هي التي ستطارد كل من ساندوه وزيّنوا له فعلته وباركوا جريمته، بدءًا من شيخ الأزهر وبابا الأقباط ودعاة السوء اللاهثين خلف المال والشهرة أمثال عمرو خالد وغيره، وجيش الإعلاميين السحرة، وكل جندي وضابط كانت له يد في ذلك الانقلاب، ومع هؤلاء فإنهم حكام السعودية من آل سعود وحكام الإمارات من آل زايد الذين موّلوا ودعموا وساندوا، وكل ذلك خوفًا من نجاح تجربة مصر لمّا يقودها حاكم صالح وانعكاسها على حكم الفاسدين في تلك الدول وغيرها، ليكون الرابح من وراء الانقلاب ليس إلا إسرائيل التي اعتبرت السيسي معجزة ربانية تنضم إلى المعجزات والكرامات التي حلّت على بني إسرائيل منذ زمن موسى عليه السلام في إشارة إلى الخدمات والمواقف التي لعبها السيسي دعمًا ومساندة لإسرائيل وما خفي كان أعظم.

 

مجزرة غوطة دمشق

 

فإذا كان يوم الأحد الأخير 14/8/2022 هو يوم ذكرى مجزرة رابعة في مصر، فإنه يوم الأحد القريب 21/08/2022 ستكون ذكرى مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق في سوريا يوم 21/8/2013. تلك ارتكبها السيسي المجرم، وهذه ارتكبها بشار الدموي ضد من سعوا من أجل الحرية والكرامة من أبناء الشعبين الشقيقين المقهورين المصري والسوري.

قريبًا من 1500 من الرجال والنساء والأطفال هم الذين قضوا بفعل استنشاقهم غاز السارين القاتل الذي أطلقته مدفعية بشار الأسد على أهالي قرى غوطة دمشق وهم نائمون في الساعة الثانية والنصف فجرًا. وإذا كان بلطجية السيسي قد ارتكبوا مجزرة رابعة في عزّ الظهيرة على وقع أزيز رصاص الرشاشات والطائرات ،فإن شبيحة الأسد قد ارتكبوا مجزرة الغوطة والناس نيام ليدخل عليهم الغاز السام من شبابيك بيوتهم وهم نائمون. وكم كان المشهد متقاربًا وأنت ترى صور المئات من أطفال غوطة دمشق وأمهاتهم وقد سجّوا بجانب بعضهم البعض بعد أن خنقهم الغاز السام الذي غطى كل المنطقة. ومثل هذا المشهد فإنه كان مشهد المئات من جثامين مجزرة رابعة وقد سجّوا في مسجد رابعة بانتظار أهاليهم ليتم الكشف عنهم وتحديد هوية كل واحد منهم.

لقد قام السيسي بارتكاب مجزرة رابعة طمعًا بالحكم، وسكت العالم، بل انخرس لأنه رأى في السيسي من سيحقق له مصالحه، وهذا ما نراه في توافق السيسي التام مع سياسات الغرب وأمريكا وإسرائيل. وارتكب بشار محرقة الكيماوي في غوطة دمشق، بل وارتكب جريمة تهجير نصف الشعب السوري من مدنه وقراه طمعًا في أن يظل هو وعائلته وطائفته من يتحكمون برقاب 80% من أبناء الشعب السوري ممن هم ليسوا من طائفته، وانخرس القادة والزعماء عجمًا وعربًا وتمالؤوا مع بشار، وأزيلت ورقة التوت عن عورة إيران وذراعها في لبنان حزب الله لمّا انخرطوا في تلك الحرب وارتكبوا الجرائم، وكانوا السبب الرئيسي إضافة إلى روسيا وتدخّلها في بقاء بشار في الحكم وهو الذي كاد يسقط لولا تدخل إيران في العام 2013 ثم روسيا في العام 2015.

 

حريق المسجد الأقصى المبارك

 

وإذا كان يوم 21/08/2013 قد شهد محرقة الكيماوي في غوطة دمشق على يد عصابات بشار فإن نفس اليوم، ولكن من العام 1969 قد شهد حريق المسجد الأقصى على يد أذرع العصابات الصهيونية وكان ذلك يوم 21/08/1969.

كان حريق المسجد الأقصى المبارك يمثل المرحلة الثانية لاستهدافه حيث كانت المرحلة الأولى باحتلال المسجد الأقصى وكل القدس الشريف، بل وكل الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان في نكسة وفضيحة 5/حزيران/1967.

فليس أن اليهودي الأسترالي “دينيس روهان” هو من قام بتلك الجريمة من تلقاء نفسه والذي وصفته المؤسسة الإسرائيلية لاحقًا بأنه “مختل عقليًا” وإنما تشير كل القرائن أن مخططًا أسودَ تقف خلفه جهات رسمية كانت وراء تلك الجريمة.

إن محاولة إحراق المسجد الأقصى المبارك والنجاح في إحراق المنبر الذي قدمه صلاح الدين الأيوبي للمسجد الأقصى يوم حرره من الصليبيين في العام 1187، فلم تكن تلك هي المحاولة الوحيدة وإنما هي التي تكررت عبر وسائل مختلفة مثل المحاولات المتكررة لإدخال المتفجرات من قبل جماعات يهودية بهدف تفجير المسجد الأقصى واكتشاف صواريخ “لاو” المحمولة على الكتف والتي سرقت من مخازن الجيش حيث ضبطت عند جماعات يهودية متطرفة، بل إن جهات رسمية إسرائيلية أبدت تخوفها من احتمال قيام طيّار إسرائيلي صاحب قناعات دينية بعملية انتحارية عبر إسقاط طائرته على المسجد الأقصى لتدميره، وإن هذه المحاولات والسيناريوهات التي يطمع أصحابها للوصول إلى اليوم الذي يغيب فيه المسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة الشريفة عن خارطة القدس، بل وينصب مكانه هيكلهم الثالث المزعوم. ولم تتردد شركات إسرائيلية ومنها شركة العال للطيران بتوزيع صور للمسافرين لمدينة القدس وقد غاب عنها تلك القبة الذهبية قبة مسجد قبة الصخرة وظهر مكانها الهيكل المزعوم، لا بل إن صورة كبيرة لمدينة القدس قد نصبت في مطار بن غوريون يراها كل مسافر وقد غاب عنها المسجد الأقصى وظهر مكانه الهيكل المزعوم.

فمحاولة إحراق المسجد الأقصى لتدميره لم تكن محاولة يتيمة، وما أعمال الحفر والأنفاق الرهيبة تحت المسجد الأقصى، إلا محاولة لخلق فراغات تحت المسجد الأقصى قد تكون سببًا لتدمير المسجد الأقصى حال وقوع هزة أرضية لا سمح الله، حيث تظن الجهات التي تقف خلف هذه المخططات أنه سيسهل عليها عند ذلك اتهام الطبيعة أنها سبب فيما حصل.

 

 

العمر ستون والروح عشرون

 

طالما كررت خلال محاضراتي وخطبي وكتاباتي قصة مما فيها من العبر والعظات، إنها قصة الرجل الصالح الذي كان اسمه ابن الصمّة الذي انتبه يومًا وإذا به قد بلغ من العمر ستين سنة، فكأنها صعقة كهرباء أصابت جسمه بقشعريرة جعلته كأنه يصحو من غفلة ويستيقظ منها، فوضع رأسه بين كفيه وراح يفكر ويتأمل ويراجع الذكريات، ثم قال مخاطبًا نفسه: ويحك يا ابن الصمّة لو أنك لم تذنب في اليوم إلا ذنبًا واحدًا هذا يعني أنك ستلقى ربك بـ 21500 ذنب ماذا ستقول لربك، وراح يبكي ويردد ماذا ستقول لربك على اعتبار أن ستين سنة قمرية مجموعها من الأيام 21500 يوم.

أقول طالما كررت وذكّرت الناس بقصة هذا الرجل وإذا بي أجد نفسي في هذه الأيام أعيش نفس الشعور الذي عاشه ابن الصمّة حيث سأبلغ الستين بعد أيام 25/8/1962 لكن عزائي وحسن ظني بربي سبحانه أنه عمر ومنذ بداياته الأولى كان في طاعة الله عز وجل ونصرة دينه. صحيح أنه عمر قد خلا من صبوة والحمد لله لكن هذا لا يعني الملائكية ولا العصمة، فكل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون، وأنا استغفر الله العظيم وأتوب إليه.

وأنا بين يدي الستين،  فإنني لا أبالغ والحمد لله إذا ما قلت أنني وإن شاب الشعر، فإن العزيمة والهمة ما شابت ولسان حالي أقول ما قال الشاعر:

ما شاب عزمي ولا حَزْمي ولا خُلُقي     ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي

وإنما اعتاضَ رأسي غير صِبغته     والشيب في الرأس غير الشيب في الهممِ

 

لا بل إنني أقول أكثر من ذلك وأنا أعلم بنفسي والحمد لله، أن العزيمة والإصرار على العطاء لدين الله عز وجل لا تعترف ولا قيمة لعدد السنين في حساباتها وأردد ما قال الشاعر:

 سنّي بروحي لا بعدّ سنيني            فلأسخرنّ غدًا من السبعين

عمري إلى الستين يركض مسرعًا     والروح ثابتة على العشرين

 

اللهم كما أكرمتني بالهداية لطاعتك وأنا شاب، اللهم فأتمم نعمتك عليّ بالثبات وقد اشتعل الرأس شيبًا.

اللهم وكما كنت لي في صغري فكن لي عند الكبر، واختم لي بالصالحات يا رب العالمين.

اللهم يا من سترت فيما مضى استرني فيما بقي، ولا تهتك لي سترًا ولا تفضحني لا في الدنيا ولا في الآخرة يا رب العالمين.

اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرًا مما يظنون يا رب العالمين.

اللهم إن ذنبي عظيم وإن عفوك عظيم، فأنزل عظيم عفوك على عظيم ذنبي يا أكرم الأكرمين.

ربنا هب لنا من أزواجنا وذريّاتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا.

يا وليّ الإسلام وأهله ثبتني حتى ألقاك.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

 

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى