جريمة نابلس: تل أبيب تعود لسياسة التصفيات

لا يمكن فصل جريمة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، أمس الأحد، باغتيال الشابين محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح، عبر اقتحام المدينة تحت جنح الظلام بقوات كبيرة ومعززة، وخوض معركة استمرت باعتراف جيش الاحتلال الإسرائيلي ووسائل إعلامه ساعات عدة، عن الخطة الرسمية لجيش الاحتلال، لتصفية وهدم الشبكات والبنى التحتية لفصائل المقاومة في الضفة، وتحديدًا الخلايا والتنظيمات المحلية التابعة لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
وأطلق جيش الاحتلال الخطة رسميًا تحت اسم “كاسر الأمواج” في 31 مارس/آذار الماضي، عشية شهر رمضان، بعدما أعدّ لها إعلاميًا باعتبارها خطوات استباقية يقوم بها تحسبًا من اشتعال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديدًا في القدس المحتلة، بفعل “تصادف حلول شهر رمضان مع عيد الفصح اليهودي” ومخططات يهودية لاقتحام المسجد الأقصى. إلا أن هدفها الحقيقي كان ولا يزال ما يكرر إعلانه أقطاب الحكومة الإسرائيلية الحالية، وهو تكريس هيمنة وحكم السلطة الفلسطينية، في مواجهة نمو وتعاظم نفوذ حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وتمكنهما من تشكيل خلايا سرّية مسلحة.
وعلى الرغم من أن الإعلان عن الخطة رسميًا كان في مارس، إلا أن أول إشارة رسمية لها كانت في 16 فبراير/ شباط الماضي، في رسالة تعليمات عسكرية وجّهها قائد قوات “يهودا والسامرة” في جيش الاحتلال، العميد آفي بلوط، لجنوده وضباطه.
وتضمنت الرسالة المطالبة بالاستعداد لمواجهات وعمليات فردية أو تظاهرات ضخمة في الضفة الغربية المحتلة ومدنها، خصوصًا في ظل ما تخطط له الجماعات الدينية اليهودية من اقتحامات للمسجد الأقصى، ما قد يؤجج المشاعر الدينية لدى الفلسطينيين، واحتمالات توجه كل من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إلى استغلال ذلك للتصعيد في الضفة الغربية بالذات، للإمعان في إظهار ضعف السلطة الفلسطينية.
عمليات الاحتلال في الضفة… وستار “تمكين السلطة”
وشكّل موضوع تعزيز حكم السلطة الفلسطينية، المعلن عنه بمناسبة ومن دون مناسبة من قبل أقطاب الحكومة الإسرائيلية، ولا سيما من وزير الأمن بني غانتس، ووزير الخارجية، رئيس الحكومة البديل في ذلك الحين، يئير لبيد، اللذين عقدا لقاءات عدة مع مسؤولين في السلطة الفلسطينية توجت بلقاءات بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووزير الأمن الإسرائيلي، ستارًا رسميًا للخطة التي كان يعد لها جيش الاحتلال.
وجاء ذلك في موازاة حديث المستويين السياسي والأمني في الحكومة الإسرائيلية عن التعاون الاقتصادي والمدني مع السلطة الفلسطينية، مع محاولة إسرائيل التمهيد للاقتحامات في المسجد الأقصى بتصريحات لغانتس ولبيد، وحتى رئيس الحكومة في ذلك الحين نفتالي بينت، بالمحافظة على حرية العبادة وإدخال الاقتحامات الإسرائيلية للأقصى تحت هذا الباب.
وقد ركز الإعلام الإسرائيلي، وفقًا لتوجيهات واضحة من المستويين السياسي والأمني، على أن الهدف الرئيسي هو “إعادة مكانة وحكم السلطة الفلسطينية إلى محافظة جنين”، مع الإكثار من الحديث و”التحذير” عن تراجع نفوذ السلطة في جنين وقرى شمالي الضفة الغربية. في موازاة ذلك، كانت الخطة الأساسية قد بدأ الإعداد لها عمليًا مع نهاية العام الماضي، وحتى قبل عمليتي تل أبيب وبني براك، في شهر مارس.
وقد أقرّ قائد لواء جنين في جيش الاحتلال العقيد أريك مويئيل، في مقابلة مع صحيفة يسرائيل هيوم في 14 إبريل/نيسان، مع انتقال الاقتحامات والاغتيالات إلى مدينة نابلس، بعد اغتيال الشبان الثلاثة أدهم مبروكة ومحمد الدخيل وأشرف المبسلط على يد وحدة مستعربين في 8 فبراير/شباط، أن الخطة العسكرية لمهاجمة جنين والنشاط ضد عناصر المقاومة كانت وضعت قبل أشهر ومع مطلع العام الحالي، حتى قبل عمليتي تل أبيب وبني براك.
وتشير هذه الاعترافات والاستعدادات المسبقة إلى أن عمليات الاغتيال التي يواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذها في الضفة الغربية وفق عناوين وأهداف محددة مسبقًا، تمثل عودته عمليًا إلى سياسة الاغتيالات والتصفيات التي كان انتهجها خلال الانتفاضة الثانية.
وقد أقرّ الإعلام الإسرائيلي مثلًا، بأن جريمة اقتحام نابلس أمس وقتل المقاومين العزيزي وصبح، كان يفترض أن تتمخض أساسًا عن اغتيال المقاوم الفلسطيني إبراهيم نابلسي، إلا أنه نجا للمرة الثانية من محاولة الاغتيال، حيث كانت عملية نابلس في فبراير الماضي التي سقط فيها مبروكة والدخيل والمبسلط، تستهدف أيضًا اغتيال النابلسي.
ويشير انتقال الاقتحامات لتنفيذ عمليات التصفيات والاغتيالات لعناصر محددة مسبقًا إلى أن جيش الاحتلال يعتمد سياسة فصل وتقطيع الضفة الغربية، عبر تركيز عمليات الاغتيال والاقتحامات كل مرة في محافظة ثانية، ومدينة أخرى، لمنع اشتعال حالة غضب عارمة في مختلف أنحاء الضفة. وهو يستفيد في ذلك من التنسيق الأمني والانتشار المكثف لأجهزة الأمن الفلسطيني داخل البلدات والمدن الفلسطينية ومنع أي ردود شعبية وعفوية غاضبة على جرائم الاغتيال.
ولا تواجه الخطة الإسرائيلية لهدم البنى التحتية لفصائل المقاومة المناهضة للسلطة الفلسطينية، واعتقال أو تصفية العناصر في هذه الخلايا، بأي ردود فعلية من الأجهزة الفلسطينية التي تتمسك بالتنسيق الأمني، الذي يتيح لقوات الاحتلال اقتحام ودخول المدن المصنفة أنها في مناطق “أ”، التي تتمتع فيها السلطة الفلسطينية بسيطرة أمنية ومدنية كاملة. وبالتالي لا يمكن للجيش الإسرائيلي تنفيذ عمليات الاقتحام من دون إنذار أو تنسيق مسبق مع السلطة الفلسطينية، وإن كان جيش الاحتلال، بحسب اعتراف العقيد مويئيل المشار إليه سابقًا، لا يعترف بتصنيفات اتفاقيات أوسلو لمناطق نفوذ السلطة الفلسطينية بين مناطق “أ” ومناطق “ب” و”ج”.
ويمكن القول إن اقتحام مدينة نابلس أمس، وما سبقه من اقتحامات لمدن وبلدات أخرى مثل قباطية، يؤشر إلى أن عملية “كاسر الأمواج” الإسرائيلية تعتمد أسلوب التصعيد المتدحرج والانتقال من محافظة إلى أخرى، من دون تنفيذ اقتحامات كبيرة بنفس الوقت.
ويحدث ذلك كي يتفادى الاحتلال اتهامات بتنفيذ عدوان شامل للضفة الغربية، وذلك من خلال تقسيم عمليات الاقتحام على مراحل، ووفق مفتاح جغرافي لا يشكل إحراجًا واضحًا للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. كما أن هذه الاستراتيجية لا تحشر حركتي “حماس” و”الجهاد” في غزة في وضع مربك يضطرهما إلى تصعيد، قد يقود إلى مواجهة عسكرية لا ترغب بها الحكومة الإسرائيلية الانتقالية حاليًا.


