أخبار رئيسيةمقالاتومضات

صيف ساخن

الشيخ كمال خطيب

يوم أمس الخميس 23/6 كان هو اليوم الأول لبداية الصيف والذي سيمتد حتى 21/9. سبق الصيف الربيع ويعقبه الخريف، ولكل ميزاته، وخصائصه وأجواؤه. فصل الصيف الذي فيه شهر تموز وقد قيل عن وصف ارتفاع حرارته أن بها تنضج الثمار “في تموز بغلي الماء في الكوز”. وفيه شهر آب وقد قيل عن شدة حرارته أنه “آب اللهّاب”. إنه فصل الصيف إذن تزداد الحرارة فيه ارتفاعًا، وتزداد الأجواء سخونة ولهيبًا.

لكن الصيف الذي نتحدث عنه قد يكون ساخنًا بنوع آخر من أنواع السخونة، إنها السخونة السياسية التي قد تزداد حدة واشتعالًا لتتحول إلى سخونة عسكرية حيث النقاط الساخنة في العالم كثيرة، وحيث فتيل الاشتعال جاهز في أكثر من موقع في المنطقة وفي العالم.

إن الصراع بين الصين وبين تايوان وتأكيد الصين أن تايوان جزء منها ولن تقبل أن تنفصل وتستقل عنها وتصبح دولة مستقلة ذات سيادة حيث تايوان تدعمها أمريكا واليابان. إن هذا الصراع هو نقطة ساخنة ومشتعلة وتنذر بصدام مباشر بين أمريكا والصين سيكون له ارتدادات عالمية.

وإن الصراع بين روسيا وحربها على أوكرانيا المستمرة منذ ثلاثة أشهر والذي لا تظهر أي ملامح لقرب انتهائها ، لا بل إن هذه النقطة الساخنة مرشحة لمزيد من التصعيد والالتهاب مع زيادة الدعم الغربي لأوكرانيا، وزيادة الحصار على روسيا وشعور بوتين أن الغرب وأمريكا خصوصًا، تسعى لإذلاله مما يجعل أسباب التصعيد حاضرة وبقوة، لكن النقطة الأكثر سخونة والتهابًا هي الأحداث التي تجري في الشرق الأوسط، وهي وإن كانت أكثر من حدث وأكثر من نقطة لكنها متعلقة ومرتبطة ببعضها البعض كمن يوصل أسلاك الديناميت وصواعق التفجير بين أكثر من موقع، فإذا بدأ تفجير في موقع ما سرعان ما سينتقل إلى كل المواقع. يبدو جليًا وواضحًا أن ما يجري في الساحة الفلسطينية وحرب المؤسسة الإسرائيلية على شعبنا في القدس والأقصى وفي الضفة الغربية وفي قطاع غزة، فإنها مؤهلة وقابلة للانفجار في كل لحظة في ظل سياسة التصعيد والعربدة التي تمارسها المؤسسة الإسرائيلية.

وإن ارتفاع منسوب الاحتكاك والتحدي بين إسرائيل وبين إيران هو كذلك في وتيرة متسارعة ومتزايدة، مع قناعتي التامة والدائمة أن إيران لم تفكر يومًا بمهاجمة إسرائيل ولا الدخول معها في حرب رغم التصريحات والعنتريات، لكن ظروفًا كثيرة قد تطرأ خاصة من الجانب الإسرائيلي والأمريكي تجعل هذه المواجهة أمرًا حتميًا. وليس ما يجري في الساحة اللبنانية والسورية وفي الساحة الداخلية في مصر وفي العراق وفي الأردن وفي السعودية، إلا جملة من النقاط الساخنة التي يمكن أن تتفاعل سريعًا وتتطور إلى أحداث تجعل هذا الصيف في غاية السخونة وتحول المنطقة إلى بركان ثائر وزلزال مدمر وحزام ناري يضرب من كل جانب، نسأل الله السلامة والعافية.

 

الثقة بنصر الله وفرجه

 

رغم أننا والعلم عند الله تعالى مقبلون على صيف ساخن وعلى كل المستويات وعلى أكثر من صعيد وفي أكثر من منطقة في العالم، إلا أن هذه القراءة يجب أن لا تكون سببًا في يأس أو إحباط أو تشاؤم، وإنما على العكس تمامًا، فإنها التي يجب أن تزيدنا ثقة ويقينًا بنصر الله تعالى وقرب فرجه وزوال هذه الغمة وهذه الأحوال عن شعبنا وعن أمتنا.

إن الواثق والموقن والمصدق بوعد ربه سبحانه فإن قلبه يرقص ووجهه يطفح بشرًا ويتلألأ نورًا لرؤية الفرج القادم. إنه يرى ذلك من بين الأحداث الجسام والفتن والأهوال. وكيف لا يكون الأمر كذلك ونحن من مدرسة محمد ﷺ الذي كان يقرأ الأحداث بهذا المنطق وهو يقول: “واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا”. ومن خلال هذا الفهم وهذا المنطق فقد فهم السائرون والمقتدون كيف يقرأون الأحداث وكيف ينظرون إلى المستقبل وقد قال أحد الصالحين لابنه: “يا بني إذا رأيت الليل يسودّ ويسودّ فاعلم أن الفجر قريب، وإذا رأيت الكرب يحتد ويحتد فاعلم أن الفرج قريب، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فاعلم بأن انقطاعه قريب”.

أما الذين في أعينهم رمد وَحوَل، ومن اختلت عندهم الموازين، فليس أنهم لا يرون ما وراء الأحداث، وإنما هم  الذين يتخبطون ويتعثرون ويخبطون خبطًا عشوائيًا لأنه يغيب عن ميزانهم في رؤية الأحداث عنصر الثقة بالله سبحانه وتدبيره وحكمته التي تخفى عليهم، إنه الله سبحانه القائل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُواْ شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيْـًٔا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} آية 216 سورة البقرة.

 

لتكن ناجحًا

 

قال الجنرال الانجليزي الشهير تشرتشل: “إذا أخفقت في تحقيق هدفك مرة ومرة ولم تيأس ولم تفقد حماسك فأنت ناجح”.

إن من الناس من يريد أن يزرع مساءً وأن يحصد صباحًا. إنه يريد اختصار عنصر الزمن بعيدًا عن السنن الكونية في الوصول إلى الأشياء وتحصيلها، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، ولكن الأخطر من الحماسة بالوصول إلى الأشياء فإنه اليأس والإحباط، وإذا جرت محاولة ولم تتكلل بالنجاح فإن ذلك يقود صاحبها إلى القعود وعدم المحاولة مرة ثانية، وإن مثل هذا لا يمكن أن نصفه إلا أنه الفاشل.

إن الناجح وفق منطق تشرشل هو الذي إذا أخفق مرة فإنه يكرر المحاولة، وإذا كررها وفشل فليظلّ على حماسته واندفاعه وثقته بنفسه. إنه حتمًا سينجح وإنه سيحقق مبتغاه، ومن منا لم يقرأ ولم يسمع بقصة النملة التي غيّرت مسار معركة من معارك التاريخ يوم فشل تيمورلنك في إحدى معاركه وكاد يدبّ اليأس في قلبه لولا أنه كان جالسًا تحت ظلّ شجرة، فرأى نملة تحمل حبة قمح تريد أن تصعد بها، فسقطت حبة القمح المرة تلو المرة والنملة لا تيأس ولا تكل ولا تمل وتعاود المحاولة وهي على حماستها وقوة إرادتها بتحقيق أهدافها بالوصول إلى مبتغاها وهكذا كان. إن هذا المشهد جعل ذلك القائد يصحو من غفلته ويتحرر من شعوره باليأس والإحباط، وأنه رغم الإخفاق بالوصول إلى الهدف في مرات سابقة فليجرب مرات أخرى وهذا ما كان.

إن الإخفاق الحقيقي هو أن يدب اليأس في النفوس، وإن النجاح الحقيقي هو بقاء الحماسة والإرادة رغم الإخفاق. وإن المسلم ليس فقط أنه لا ييأس ولا يحبط لأنه يعلم أن هذا يتنافى مع حقيقة الإيمان الصادق {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} آية 87 سورة يوسف. ثم إن المسلم يعلم ومع الحماسة والعمل للوصول إلى الهدف، فإن عدّاد الحسنات لا يتوقف وأنه مستمر بتسجيل الحسنات وإثقال الميزان ما دام يعتبر أن في هذا العمل قربى وطاعة لله تعالى، وكيف لا يكون الأمر كذلك وقد قال النبي ﷺ: “وانتظار الفرج عبادة”، ففي الزمن الصعب الذي نعيش رغم كثرة الأعداء، ورغم تطاول السفهاء، ورغم كل أصناف الحرب والكيد والعداء للإسلام ،إلا أن علينا أن نظل نعبد الله سبحانه بنصرة الإسلام وانتظار الفرج بلا يأس ولا قنوط ولا إحباط، واثقين من أن خسارتنا وانتصار أعدائنا علينا في جولة، فهذا لا يعني أنهم سينتصرون في كل جولة، وإنما نحن الذين سنعيد الكرة ونقلب الموازين بإذن الله، فلا تفقد حماسك وكن ناجحًا.

 

ملخص الحكاية

 

إن من سنن الله الجارية في هذا الكون أن الفرج يأتي عند غياب الأمل وقرب الوقوع في دائرة اليأس، وأن النصر يتنزل عند استحكام الضيق والبلاء {حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ} آية 110 سورة يوسف. هكذا هي حكاية الرسل مع أقوامهم، وهكذا هو ملخّص كل حكاية من حكايات الصراع بين الحق وبين الباطل، بين الخير وبين الشرّ، بين الإسلام وبين أعدائه،  إنها تضيق وتضيق وتضيق وعندها يأتي الفرج.

قد يصعب عليك أن تشرح هذا ليائس ومحبط ومتشائم، ولكن على الأقل لا تجعله ينجح في جرّك إلى مربعه ولا أن تصبح في حزبه حزب القانطين والمتشائمين. وإذا كان من الناس من يرون الأشياء ببصرهم مع أنهم قد يحتاجون إلى مجهر وميكروسكوب بدرجة تكبير وتوضيح عالية. ومن الناس من يرون الأشياء ببصيرتهم وفراستهم الإيمانية، ونحن والحمد لله من صنف يرى الأشياء والأحداث ببصره وبصيرته وننظر إلى المستقبل نظرة الواثق بوعد الله سبحانه وقرب فرجه، ونعرف تمامًا الحكاية ونعرف ملخّصها،  أنها مهما ضاقت فإنها إلى فرج بإذن الله.

 

اللي معه سيده ما حدا بكيده

 

هكذا يقول المثل الشعبي في إشارة إلى أن الضعيف الذي يحتمي ويلوذ بجناب قوي،  فإن أحدًا لن يستطيع أن يمسه بسوء أو أن ينال منه، وإذا كان هذا يصلح فيمن يعتمد على قوة بشر مثله، فكيف يكون حال من يعتمد على قوة الله العزيز الجبار {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} آية 3 سورة الطلاق.

إن استشعار معية الله تعالى تقلب الموازين البشرية في أسباب الغلبة والنصر، فهكذا فعل موسى عليه السلام في البحر {كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} آية 62 سورة الشعراء. وهكذا قال وفعل رسول الله ﷺ في الغار {ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا} آية 40 سورة التوبة. فممّن يخاف من كان مع الله وكان الله معه، وكيف له أن يخشى كيد الأعداء ومعه صاحب الكيد والمكر والتدبير {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداًوَأَكِيدُ كَيْداًفَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} آية 15-17 سورة الطارق.

إن هذه القاعدة “اللي معه سيده ما حدا بكيده” تصلح لنا كأفراد وتصلح لنا كأمة إن هي استشعرت معية الله سبحانه، فحتمًا ويقينًا لن تستطيع أمه ولا أي قوة مهما بلغت أن تكيدها ولا أن تنتصر عليها، وعند ذلك سيسهل على الأمة التي تسلحت بمعية الله بصدق وإخلاص أن تواجه أعداءها مهما عظمت قوتهم وأن تسترد أرضها وأن تدافع عن مقدساتها وعن عرضها وأن تعود لتسود الأمم مثلما كانت يومًا.

اللهم إن أعداءنا قد استعلوا علينا بقدرتهم على ضعفنا فأرنا فيهم قدرتك يا رب العالمين، اللهم اجعل قادم الأيام كلها خيرًا وفرجًا على أمة حبيبك محمد ﷺ. وإذا كان الصيف القريب سيكون صيفًا ساخنًا وملتهبًا فاجعله اللهم بردًا وسلامًا على أمة الإسلام كما جعلت النار بردًا وسلامًا على إبراهيم.

 

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى