أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الصهيونية الدينية ومهمة حراسة المُــقدس: مسيــــرة اللـــد الاستفزازية (2)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

إنّ كافة الأبحاث التي أجريت في العقود الثلاثة الأخيرة على المدن الفلسطينية الساحلية التاريخية التي استحالت مدنا مختلطة بعد النكبة- أي بعد أن استوطنها قادمون يهود جدد- تشير إلى أنّ المؤسسة الإسرائيلية سعت وبكل امكانياتها لخلق مدن عرقية وتمت هندست هذه المدن هندسة تفيد السيطرة الجغرافية والبيئية وبالطبع التخطيط المديني وما يتبعها من هندسة ديموغرافية، وهذه العملية لها طابع تاريخي وحاضر ومستقبلي.

هذه السياسة دفعت منذ الحظة الأولى إلى تفريق الجموع العربية عن اليهودية من الناحية الجغرافية والتخطيطية إلى أحياء منفصلة تذكرنا بأحياء الفصل العنصري في جنوب افريقيا والولايات المتحدة وفرنسا راهنا، مع اللاجئين.

السؤال الذي يتبادر الى الذهن لماذا قامت هذه العصابات يتقدّمها نواب كنيست وتباركها قوى اليمين في الساحة السياسية بهذه المسيرة الاستفزازية في الرملة واللد والقدس. ترى المؤسسة الإسرائيلية في جدل علاقاتها مع الداخل الفلسطيني، أنّه مؤسس على منطق الفوقية، ولذلك ثمّة بيان للسيادة تتحقق عمليا على أرض الواقع، عبر تنوع في الأدوات، ومنه البعد الأمني-الشرطي-العسكري، وقد رأت المؤسسة الإسرائيلية كما ذكرت في مقالات سابقة، بالتيار الديني-الصهيوني والحريدي المتصهين، أداة عملية لتحقيق البُعدين الاستيطاني والأمني في المدن الساحلية، فشجّعت على الاستيطان في قلب الأحياء العربية، لعل الساكنة العرب يرحلون، فإذا بالقوم في أول عملية تماس ولمن الأحداث الأخيرة في هبة الكرامة، بينت غير الذي يتمّنون، وعليه تسعى المؤسسة الإسرائيلية هذه الأيام، بعد قرارات حكومية جد واضحة لتعزيز وجودها الأمني والشرطي، بحيث تعتاد المجتمعات المحلية العربية رؤيتهم والتحَسُب منهم وإدخال الرعب اليهم في استنساخ متأخر وماضوي للحكم العسكري الذي استنسخته المؤسسة الإسرائيلية يوم قيامها الأول عام 1948، من التجربتين البريطانية في بلادنا والفرنسية في الجزائر، فسياسات الإقصاء والقتل للمعارضين والرافضين للاحتلال الإسرائيلي في أي مكان من الأرض المقدسة، يرافقه سياسات الجزرة وإدخال قضايانا ضمن معادلات الربح والخسارة وتحقيق المنجز (المادي) المدني، وكأن الصراع مع الحركة الصهيونية وما اشتُقَّ منها وعنها هو صراع مصالح مدنية وحقوق (مالية).

في تصريحات غير معتادة من قادة التيار الديني الصهيوني بيان لماذا اختار هؤلاء العتاة مدينتي اللد والرملة، أولا: لتعزيز الوجود اليهودي الصهيو-ديني القائم الذي كشفت بعضا من معامله وأسبابه في مقالات سابقة وترك عائلات عديدة المدن الساحلية هدم لمشروعهم الاحلالي الديني في مدن الساحل الإسرائيلية العلمانية الطابع، وثانيا ستذهب أدراج الرياح مقالات إنهم ملح الأرض وإنهم الأكثر أخلاقية في مسائل الاستيطان.

في هذا السياق تعتبر تصريحات وزير الأمن الداخلي، حول عنف المستوطنين نسف للأخلاقيات التي يروجها سياسيوهم خاصة وانهم يصطدمون ليس مع الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 67، بل ومع من يحميهم من العسكر وحرس الحدود والشرطة، ما يعني سياسيا أنهم مستقبلا سيتحولون إلى أثقال قد تتخلص منها السلطات الإسرائيلية الحاكمة يوم تكون المعادلات، معادلات الصراع بين نهاية المشروع والحفاظ على بيانه الأول في حدود ما اقرته الأمم المتحدة.

تصريحات رئيس بلدية اللد، التابع لهذا التيار الديني-الصهيوني الحارديلي في شهر تموز من هذا العام في جلسة خاصة في الكنيست جمعت اليمين بشقيه الائتلافي والمعارض لنصرة المستوطنين في المدن الساحلية، كشف في هذا اللقاء أنّ 400 عائلة من اتباع التيار الديني-الصهيوني قد تركوا مدينة اللد، أثناء احداث أيار وبعدها (يسرائيل هيوم، 26\7\2021) وهو ما يهدد المشروع الاستعماري برمته معللا أنّ كراهية العرب لليهود لمجرد يهوديتهم هي سبب الهجرة، وهو كما قيل ذر للرماد بالعيون دون أن يشير إلى قبيح أفعالهم واستقدامهم إلى المدينة، وفقا لمخطط حكومي كان قد شرع به شارون ومضت فيه حكومات إسرائيل المتعاقبة، وهدفها الأساس تبييض المدينة من الساكنة العربية الفلسطينية. وفي هذا السياق يعتبر مشروع تبييض المدينة غير المُصرّح عنه المعمول به مرتبط بالتأسيس الاستعماري الأول لإسرائيل على الأرض الفلسطينية المؤسس ابتداء على التطهير العرقي، فقد قام بن غوريون بعمليات تطهير متعمدة في تلكم المنطقة لتحقيق وجود يهودي “نظيف” ولقد كثرت الدراسات والوثائق التي تؤكد سياسات بن غوريون في تطهير المنطقة الوسطى من الوجود العربي الفلسطيني، وصرنا نسمع مؤخرا من إعلاميين وأكاديميين إسرائيليين دعوات صريحة للتطهير العرقي، ولذلك فالأحداث التي جرت في اللد والنتائج الفورية التي تحصّلت في أثناء هبة الكرامة، كشفت زيف الاستيطان الأيديولوجي وحب إسرائيل، وشكّلت هدما عملياتيا لنظرية الاستيطان برمته وهو ما دفع دعاة المشروع الاستيطاني الصهيو-ديني والحاريدلي للتسارع بعقد مؤتمرهم خاص في الكنيست شارك فيه كما ذكرت قوى من اليمين الائتلافي والمعارض، ومن ثمّ فقد صدرت دعاوى صريحة من المؤتمرين بدعوة الحكومة تحت لافتة إعادة الامن الشخصي لليهود في المدينة للتمكين اليهودي مجددا، ورافق ذلك سيلُّ من الفتاوى الصادرة من كبار كهنتهم وحاخاماتهم ومعظمهم يعيش في الضفة الغربية تدعوهم للعودة وتطالب الحكومة بتحقيق الامن الذاتي المُباشر لهؤلاء الذين تركوا، والحقيقة إنه نداء موجّه من هؤلاء المستوطنين المُستقدمين من مستوطنات المناطق المحتلة عام 1967 لحماية وجودهم الاستيطاني علما انهم لا يخرجون من بيوتهم، إلا مدججين بالسلاح وزرافات زرافات.

لقد حدث على مدار عشرات السنين عملية زحف منظم الى المدن الساحلية وما زالت جارية إلى هذه اللحظات، وما أعمال وتصرفات المؤسسات الحكومية بعد هبة الكرامة في هذه المدن، إلا معلم من معالم تلكم السياسات، لكنها أخذت منحى عمليا مُعلنة الارهاب على الساكنة العرب في تلكم المدن، وهو ما يقومون به بين الفينة والأخرى من اعتقال وهتك للبيوت والعائلات العربية الآمنة في سربها وما ذلك إلا من أجل إعادة الردع الذي فُقِدَ خاصة وأن هناك من ذهب من الباحثين الاسرائيليين (انظر مجلة نظرية ونقد، تيئوريا وبيكورت: سبعة روحات حول العنف والتضامن- صيف 2021) الى أن الانتفاضات الفلسطينية في المدن التاريخية الساحلية هي شيء طبيعي ومتوقع لسياسات الظلم النازل على الساكنة العرب وهي بيان منهم للتخلص من التبعية والتمييز الاقتصادي والفصل العنصري المكاني واحتجاج على الآليات القانونية التي تُستحدث لتحقيق دوام السيطرة على الساكنة أصحاب تلكم المدن الشرعيين، خاصة وان هروب مئات العائلات واستجلاب عصابات مسلّحة إلى المدينة، يبيّن بعضا من جوانب الحالة المافياوية التي تُمارس في تلكم المدن إضافة إلى دور السلطات العملي في تفكيك المجتمعات العربية فيها عبر أدوات كثيرة ليس أقلها الجريمة والعنف.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى