أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

العشرات مهددون بالموت.. أزمة الدواء في لبنان تمتد إلى مرضى السرطان وتتسبب بعدة وفيات

قبل 3 سنوات أصيبت اللبنانية راشيل بو ملهم (60 عامًا) بمرض سرطاني نادر، وقضت شهورًا من المعاناة قبل اكتشاف أن الكتلة السرطانية تصيب نخاع العظم وخلايا الدم الحمراء معًا، فتعطل ما يسمى “معمل الدم” داخل جسدها.

وبعد اختبار علاجات عدة قررت تناول دواء المناعة “ريفليميد 25” (Revlimid 25)، بناء على توجيهات طبيبها، وتحتاج إلى 21 حبة منه شهريًا، وسعره 6 آلاف دولار، كانت توفره على نفقة وزارة الصحة، خصوصًا أن أدوية أمراض السرطان باهظة الثمن.

وعقب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020، تعذر توفير دوائها فتدهورت صحة راشيل، إلى أن أعطتها الوزارة دواء إيراني الصنع بديلا عنه، قل أن ينقطع منذ 3 أشهر لينعدم الدواء بنسختيه الأصلية والبديلة.

وتصارع هذه السيدة السرطان بلا دواء يخفف أوجاعها، وتصف معركتها بمقاومة الموت على جبهتين: الأولى من مرضٍ قُدّر لها خارج إرادتها، والثانية من تقاعس الدولة عن تحمل مسؤوليتها تجاه المرضى.

وقالت راشيل للجزيرة نت إن مرضى السرطان يواجهون ما يشبه محاولة قتل متعمّد، وتشكو بحزن شديد ما تصفه تجاهل الدولة لآلامهم، لذا “نناشد ضمير العالم بعدم المساس بحقّنا الإنساني بالعلاج والدواء”.

 

إجراءات خجولة

ويربط كثيرون شحّ الدواء بعدم إيجاد تسوية بين الشركات المستوردة ومصرف لبنان المركزي الذي كان يرفض فتح اعتمادات لفواتير استيراد الأدوية، لكن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن أعلن أمس الجمعة بدء المركزي منح الأذونات المتراكمة لنحو 1800 فاتورة، وطلبت الوزارة من الشركات بدء صرف الدواء المفقود بدءا من أمس الجمعة.

ويرى مراقبون أن أزمة الدواء أخذت أبعادًا خطيرة، بعد الكشف أخيرًا -خلال دوريات دهم أمنية قادها وزير الصحة حمد حسن- عن أطنان من الأدوية المخزنة بمستودعات عدة، تضم أصناف أدوية لأمراض مزمنة مفقودة كليًا من الصيدليات، وكميات ضخمة من المضادات الحيوية وحليب الأطفال، وقُبض على عدد من المحتكرين.

ورأى الوزير حينئذ أن ثمة “عقلًا مافيويًا إجراميًا يتحكم بالمحتكرين والانتهازيين”.

 

صراع مرضى السرطان

غير أن شحّ الأدوية فاقم صراع مرضى السرطان مع الموت.

وهنا، يرى رئيس جمعية “باربرا نصار لدعم مرضى السرطان” هاني نصار أن معظم الأدوية غير متوفرة، كذلك مستلزمات العلاجات المناعية مقطوعة منذ أكثر من 3 أشهر.

ويشير نصار للجزيرة نت إلى أن لبنان يحتل المرتبة الأولى في دول غرب آسيا في عدد المصابين بالسرطان قياسًا بعدد سكانه البالغ 6 ملايين نسمة، وسجل إصابة نحو 18 ألف حالة مريض سرطان في 2018، وفق منظمة الصحة العالمية، ويربط الأسباب بالعوامل السلبية بيئيًا وصحيًا وغذائيا، إذ “يفقد لبنان معظم مقومات البيئة السليمة والآمنة للمواطنين”.

ورصدت جمعية نصار وفاة عدد من مرضى السرطان الذين تدهورت صحتهم، “بعد انقطاع الأدوية اللازمة لتعزيز مناعتهم”.

 

غضب ومبررات

ويقضي اللبنانيون أيامهم بحثًا عن مقومات عيشهم الأساسية، ويصطفون بالطوابير عند محطات الوقود وأمام الأفران والصيدليات، في حين تواجه البلاد مخاطر انحلال البنى التحتية، الكهربائية والخدماتية في القطاعين العام والخاص.

ومنذ الكشف عن مستودعات الأدوية المخزنة، يعبّر اللبنانيون عن سخطهم ممن يستثمرون بالأزمة على حساب معاناة الناس عبر نشوء أسواق سوداء رديفة للسلع الأساسية كالمحروقات والدواء والخبز، لبيعها بأضعاف أسعارها الرسمية، ويحمّل كثيرون الجهات الرسمية والنقابية والأمنية مسؤولية عدم اتخاذها تدابير احترازية تكبح عمليات الاحتكار والتخزين والتهريب.

ولكن نقيب أصحاب الصيدليات غسان الأمين يرى أن مهمة التفتيش منوطة بوزارة الصحة، و”ليس بنقابته التي بادرت منذ سنوات إلى التعاون مع الوزارة في أداء مهماتها”.

ويشير الأمين للجزيرة نت إلى أن مجلس النقابة قرر تكثيف التفتيش في الصيدليات؛ رافضًا ربط الأزمة الدوائية بعمليات التخزين والتهريب فحسب، “لأن مصرف لبنان يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، بسبب تأخيره فتح اعتمادات للاستيراد”.

وسبق أن حذر حاكم المركزي رياض سلامة من المساس بالاحتياطي الإلزامي البالغ نحو 14 مليار دولار للاستيراد؛ في حين تجاوز سعر صرف الدولار بالسوق السوداء أخيرًا عتبة 19 ألف ليرة.

ويلفت الأمين إلى أن لبنان لم يستورد أدوية منذ 3 أشهر، وكلفة استيرادها سنويًا تبلغ نحو مليار و600 مليون دولار، لنحو 6 آلاف دواء.

وحاليًا، تنقسم الأدوية إلى 4 فئات، بين مدعومة وغير مدعومة، ووفق نقيب الصيادلة فإن الأدوية التي تؤخذ بلا وصفات كمخفضات الحرارة والمسكنات، وتلك العادية التي تؤخذ بناء على وصفة طبيب رفع الدعم عنها وأصبحت متوفرة بالصيدليات بأسعار مرتفعة، وبأقل من 35% من سعر صرف الدولار بالسوق السوداء.

أما أدوية الأمراض المزمنة كالسكري والضغط وأدوية القلب وأدوية الأمراض السرطانية، فما زالت مدعومة رسميا، لكنها غير متوفرة نهائيًا في الصيدليات، وينتظر اللبنانيون توفيرها من قبل المغتربين، أو يتبادلون ويتقاسمون ما توفر من الجرعات والحبوب منها.

 

هل البرلمان غائب؟

ويتساءل كثيرون عن دور البرلمان في تشريع القوانين المتعلقة بالسياسة الدوائية.

ويرى عاصم عراجي رئيس لجنة الصحة البرلمانية أن الأولوية أمنية وقضائية، باعتبار أن “تخزين الأدوية بهدف الاحتكار جناية وليس جنحة”.

ويعترف النائب بتقصير البرلمان، مذكرًا أن “لجنته عملت على قانون الدواء قبل أشهر، وتصديقه يحتاج إلى اجتماع لجنة المال والموازنة البرلمانية وموافقتها”.

وهذا القانون، وفق عراجي، يشرّع كيفية مراقبة خروج الأدوية من منشئها بالخارج حتى وصولها إلى يد المستهلك بلبنان.

وقال عراجي للجزيرة نت إن ما يؤخر ملاحقة المحتكرين والمهربين هو ربط الإشارة الأمنية بالقرار السياسي.

 

مراكمة الفساد

توازيًا، يرى إسماعيل سكرية، نائب سابق ورئيس الهيئة الوطنية الصحية، أن المسؤولية تقع أولًا على إدارة مصلحة الصيدلة بوزارة الصحة التي وصفها بأنها تبدو جهازًا شبه معطل، إضافة إلى مسؤولية معنوية تقع على نقابة الصيادلة.

ويلفت سكرية إلى أن الأزمة نتيجة تراكم عقود من الفساد بآلية وضع السياسة الدوائية، إذ استفاد بعض تجار الأدوية، المدعومين سياسيًا من نافذين بالسلطة، بتحويل القطاع الداوئي مجالًا استثماريًا لمراكمة أرباح مادية، من دون وضع المعايير الإنسانية والطبية والعلمية أولوية”.

ويتساءل سكرية عن أسباب عدم اتخاذ بعض المستوردين خطوات جريئة وإنسانية، كالإفراج عن أطنان الأدوية المخزنة، والتنازل عن مستوى معين من الأرباح.

ويذكر سكرية للجزيرة نت أن مواكبته محاولات الإصلاح بالقطاع الصحي أطيح بها منذ عقود، ومن بينها مشروع مكننة وزارة الصحة الذي أسقط عام 1996.

ويدعو سكرية السلطات لاقتحام كل مخازن الأدوية والتدقيق في محتوياتها، والحل برأيه يستوجب تنظيم آلية استيراد الأدوية، خصوصًا أن لبنان يستورد فائضا عن حاجاته وعشرات البدائل عن كل دواء من دون وضع “لائحة الأدوية الأساسية”، لوقف مسارب الرشاوى والتنفيعات.

ويشير سكرية إلى أن لدى لبنان نحو 120 مستوردا للدواء يديرون نحو 500 شركة، لكن 10 منهم يسيطرون على نحو 90% من السوق، في ظل عدم وجود مختبر فحص أدوية، فـ”صار سوق الدواء غير آمن، وسكان لبنان يدفعون ثمن الفساد من صحتهم”.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى