أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

“ثقافة الانتصار” تتجلى في معركة “باب العامود”

ساهر غزاوي

تجلّت ثقافة الانتصار في معركة “باب العامود” التي اندلعت شرارتها مع بدء شهر رمضان الجاري، واستمرت لنحو أسبوعين من الصمود والثبات أمام سلسة من التحديات، وسجّل المقدسيون نصرًا جديدًا سيكون له الأثر الكبير في تحريك مشاعر المقدسيين أنفسهم، وتحريك مشاعر الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية، فقد شعروا بنشوة النصر والأمل، بعد نجاحهم في إجبار قوات الاحتلال الإسرائيلي على إزالة حواجز حديدية، وضعتها في مدرج باب العامود، المؤدي إلى البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة.

بعمق وعيهم وإيمانهم بقضيتهم يُدرك المقدسيون ومعهم فلسطينيو الداخل أن معركة “باب العامود” هي جولة من صراع طويل وهي معركة صراع الإرادات والعزيمة والتحديات والإصرار على الحق، رغم اختلاف موازين القوى بالمفهوم المادي لا المعنوي، والخسارة في هذه المعركة تعني مقدمة لخسارة ستلحقها خسارات وهزائم ونكبات ونكسات عديدة وانكسار وخضوع، وهذا ما لا يوجد في قاموس المقدسيين (خاصة جيل اليوم)، وهذا ما يجعلهم أكثر إصرارًا على أنَّهم قادرون على انتزاع حقوقهم وحماية أرضهم ومقدساتهم، لا سيّما وأن المقدسيون في كل معركة من معارك الرباط والنفير العام يثبتون من خلال تقديم أنفسهم أنهم في مقدمة حراس المسجد الأقصى ومدينتهم المقدسة، ويثبتون انتصارهم في معركة الوعي الشعبي ذاتيًا، لذلك لا يفوتون فرصة إلا ويستعرضون فيها قوة حقهم أمام حق القوة، عبر تمسكهم بثقافة الانتصار والتي هي شرط الانتصار وتجديد الأمل في زمن الهزائم والاحباطات والاخفاقات التي تأتي من أولئك الذين يتمسكون بثقافة الهزائم ممن يتعلقون بحبل أوهام الاستسلام ومشاريع الضياع المأزومة باسم الواقع والواقعية وباسم الوطن والوطنية. وقد قيل: تولد الانتصارات من رحم الندبات، وعلى قدر الخراب يأت النصر عظيما.

ثقافة الانتصار في معركة “باب العامود”، أعادت البوصلة مجددًا إلى مكانها الطبيعي، وجعلت الشعوب العربية والإسلامية توجّه أنظارها إلى ما يجري في مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، بعد أن أراد لهم من أراد أن ينحرفوا عنها. الشرارة التي اندلعت في باب العامود، وإن بدا ظاهر المعركة على تهويد الحيز العام من خلال نصب حواجز الاحتلال الحديدية، فإنها بالأساس معركة على الهوية ومرتبطة باستفزاز المستوطنين وانتهاكاتهم ومرتبطة بما ما يجري في القدس من الاعتداءات المستمرة على أحيائها وعلى المسجد الأقصى المبارك، ومحاولة فرض واقع تقسيمه زمانيًا ومكانيًا، بين المسلمين والمحتلين. بل يتعدى ذلك، فإن ما يجري في القدس ينطوي على مؤشرات للمرحلة المقبلة، حيث يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة، نحو حالة من الصراع الساخن، والفوضى والفلتان، وهذا ما لا يتمناه الاحتلال الإسرائيلي وهذا ما أزعجه أيضا ودفعه للقيام بكل ما قام به حتى لا يصبح باب العامود أيقونة وطنية واجتماعية للمقدسيين خاصة وللفلسطينيين كافة، لكن ما عساه أن يفعل وقد تجلت ثقافة الانتصار في هذه المعركة وخرج المارد من قمقمه.

نعم، معركة “باب العامود” هي جولة من جولات الصراع ومعركة عضّ أصابع بين المحتل وأصحاب الحق من الفلسطينيين، معركة بين احتلال غاشم تتوحش ممارسته تجاه القدس كي يخلق واقعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ليتحكم في كل تفاصيل حياة المقدسيين الصغيرة والكبيرة، وليتحكم في الهواء الذي يتنفسونه حتى، وبين جيل النصر والنخوة وجيل الإرادة الذي لا يعرف المستحيل والذي أخذ على عاتقه حمل عبء مسؤولية القضية وأعاد الأمل إلى النفوس مجددًا، متسلحًا بإرادته الصلبة العصية على الانكسار ومتسلحًا بعقيدته الدينية وانتمائه والوطني وبهتافات “الله أكبر”، و”بالروح بالدم نفديك يا أقصى” وهتافات تحيي كل من ناصرهم ولو بكلمة، التي كانت تشق عنان السماء في هذه الجولة وما سبقها من جولات معركة صراع الإرادات مع الاحتلال الإسرائيلي.

ختامًا، ثقافة الانتصار التي تجلت في معركة “باب العامود” هي نقطة تُضاف إلى النضال التراكمي في مسيرة نصرة قضية القدس والمسجد الأقصى التي تنادى لها مبكرًا مهرجان “الأقصى في خطر” في العام 1996 والذي أعاد اللحمة الشعورية بين القدس والمسجد الأقصى من جهة، وبين الأمّة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني من جهة أخرى، وكان له الأثر الكبير في الداخل المقدسي، وكان له انعكاس إيجابي في شحذ همم وتقوية عزائم المقدسيين، ليكونوا خطّ الدفاع الأول عن القدس والمسجد الأقصى لإفشال مخططات الاحتلال الإسرائيلي. النضال التراكمي للانتصارات الجماهيرية هذه كغرس البذور، سنحصد ثماره يومًا ما ولعل الاحتفال بيوم تحرير القدس والمسجد الأقصى وزوال الاحتلال عنهما سيكون قريبا. وما ذلك على الله ببعيد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى