أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الرسائل الخفية في الإعلام وكيف تجدها (34).. الإعلام والرواية التاريخية

عائشة حجّار
ما الذي حصل في القدس؟ ما الذي حصل في يافا؟ وما الذي حصل في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ الأمر يتعلق بالجانب الذي يسرد الحكاية، والقصص التي ستخلد هي قصص الجانب الأقوى.
يقال إن التاريخ يكتبه المنتصرون، وهو أمر صحيح في معظم الأحيان، أحد أركان القوة والانتصار هو فرض روايتك التاريخية وعرضها على أنها حقيقية مهما كانت بعيدة عن الحقيقة. مثلًا أن تعرض الشعوب الأفريقية على أنها شعوب متخلفة وجاهلة وعنيفة بطبعها، مع انها كانت متقدمة وذات إمكانيات هائلة حتى ما قبل مئتي عام، ثم جاء الاستعمار الغربي الدموي لينتزع من قارة كاملة ثقافة كانت مهدًا للحضارة العالمية، وليكتب التاريخ من جديد على شكل آلاف السنين من الاساطير والقصص المسلية يتبعها بضع مئات من سنوات التمدن والحضارة. إلا أن الأحداث التي نرغب في تخليدها لا بد أن توثق لنتمكن من احيائها لاحقًا، وهنا تحديدًا يأتي دور الاعلام. الإعلام يوثّق ما يحصل كما يريد السادة وكما يريد الإعلامي نفسه ليكون شهادة تاريخية ووثيقة يعتمد عليها. في الحالة الفلسطينية، فإن لدينا ثلاثة أجهزة إعلامية أساسية تظهر كل منها الأحداث من جانب آخر: الإعلام العالمي الذي يسرد قصصًا مختلفة حسب الميول السياسي لأصحاب القناة الاعلامية، فمثلًا تسرد الـ bbc الاحداث من وجهة نظر استعمارية، بينما تروي الجزيرة قصة ذات بعد قومي عربي، ثانيًا هناك الإعلام الاسرائيلي (باللغات العربية، العبرية والانجليزية) والذي يعي جيدًا دوره في بناء السردية التاريخية أمام شعبه وأمام العالم بشكل عام. فلا يمكن إنكار قوة الجهاز الاعلامي الاسرائيلي الذي يجيد تحديد أهدافه في عرض صورة لدولته وللأحداث تخدم السردية الإسرائيلية اليهودية، فيهدف لتصوير اسرائيل على أنها دولة اليهود، جميع اليهود، عبر تقصير واضح في تغطية اعتراف اجهزة الدولة الاسرائيلية بخطف اطفال اليهود اليمنيين وتسليمهم لعائلات اشكنازية كأنه تقصير حكومي بسيط، وتصويرها على انها “نور للاغيار” عبر إبراز بعض القصص حول علاقات جيدة بين العرب واليهود متجاهلًا العنصرية الصارخة في حياتنا اليومية، وكذلك تصويرها كدولة ذات جذور تاريخية مستمرة عبر إبراز الاكتشافات التاريخية التي ترتبط بالتاريخ اليهودي وتجاهل ما لا نهاية من الآثار الإسلامية والمسيحية في البلاد. هذا الجهاز يصور حاليًا ما يحصل في يافا والقدس على أنه مجموعة من الزعران يضربون اليهود المتدينين ليتفاخروا بما فعلوه في تطبيق تيك توك، ويتجاهل كل ما حول هذه المقاطع من إحباط دائم وتضييق وتهجير وأذى يعاني منه العرب.
يبقى اللاعب الإعلامي الأخير في الساحة، الإعلام الفلسطيني بشكل عام وخاصة الداخل الفلسطيني، لا بد أن يعي كل من يعمل في أجهزة الاعلام هذه، أنه يقف على خط دفاع أخير عن الرواية التاريخية الفلسطينية، ولا بد أن يحظى هذا الإعلام بدعم حقيقي ليتمكن الصحافي من تأدية دوره الحقيقي كما يريد ويجب أن يفعل. هناك صحفيون فلسطينيون يعملون بهذه المهنة التي نادرًا ما “تطعم خبز” لإيمانهم بخدمة قضيتهم، لا بد من تقديرهم ودعمهم ليس فقط لأجلهم، بل للحفاظ على سرديتنا التاريخية وتوثيق أنفسنا كما يجب أن يكون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى