أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

وحدة الأمة الإسلامية (7) سقيفة بني ساعدة… قراءة نقدية في كتاب د. عزمي بشارة “الطائفة والطائفية والطوائف المُتخيلة”

د. محمود مصالحة

لقد عالج الصحابة الكرام في اجتماع السقيفة أهم القضايا المفصلية التي لم يعهدوها، وهي اختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتراوحت المناقشات، بين حدَّة الحوار، وروعة العبارات الأخوية البليغة فعبّرت عن حقيقتين أولاهما: الدوافع التي تُحَرِّك المتحاورين الأنصار والمهاجرين، وقد تمحوَر النقاش حول خدمة الدين، والتنافس بالتضحيات من أجله، وعلى من تجتمع حوله العرب حديثة العهد بالإسلام، علمًا أن الإسلام لم يلغِ النظام القبلي؛ بل هذّبه وأطَّره تحت منظومته القيمية. والثانية: رُقيِّ المستوى الحواري الذي حَسم الأمر باجتماع المتحاورين على وحدة الأمة المسلمة، فانتهت ببيعة أبي بكر رضي الله عنه، الرجل الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحظ سعد ابن عبادة الأنصاري بالمبايعة، ودار الحوار لمّا حضر عن المهاجرين أبو بكر وعمر ابن الخطاب وأبو عبيدة ابن الجراح رضي الله عنهم، فقال خطيبهم: “أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت دافة منكم يريدون أن يختزلونا من أصلنا… ووقف أبا بكر خطيبًا فقال: “إنكم ما تذكرون فضلًا إلا وأنتم له أهل، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش، هم أوسط العرب دارًا ونسبًا”…فلما قضى أبو بكر كلامه، فقالت طائفة: “منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا” فبدا الانقسام بين تجمُّعين أو وحدتين، فقال أبو بكر رضي الله عنه: “وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين وسابقتهم في الإسلام، رضيكم الله أنصارًا لدينه ولرسوله، وجعل إليكم هجرته، فليس بعد المهاجرين الأولين منزلة عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء لا تفاتون بمشورة ولا تُقضى دونكم الأمور” الكامل في التاريخ ص(2/190-189).

ولم يخرج الخطاب عن عمقه الديني، حتى حُسم الأمر، وبسرعة سُدَّ الفراغ الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الأنصار بأن لا يتقدم أحدٌ على أبي بكر رضي الله عنه، وأنَّ العرب لن تعرف هذا الأمر إلَّا لهذا الحيِّ من قريش، وهذه حقيقة واجتماع الأمة غاية، واطمأن الأنصار أنَّ المهاجرين سوف لا يقطعون أمرًا دونهم، مطمئنِّين إلى وصيَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيهم. إذن لم يكن قبَلِّيًا كما قال د. بشارة في كتاب الطائفية: “ولا نعثر في واقعة السقيفة إلا تعليلات قبلية” ص176…وذكر “قد التحق بهم المهاجرون بحضور أبي بكر وعمر بن الخطاب وأبي عبيدة الذين هرعوا إلى السقيفة” رواية شيعية لباقر المجلسي بحار الأنوار. (الطائفية، ص177).

وكلمة “هرعوا إلى السقيفة” شيعية للمجلسي أوردها د. بشارة تعني ساروا بسرعة واضطراب، وهو وصفٌ للحالة النفسية التي عليها وفد المهاجرين، وهي تتعارض مع رواية البخاري والطبري، حيث قال عمر رضي الله عنه: “قلت له انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم” البخاري (6830)، ولكن د. بشارة لم يعتمد إلا رواية المجلسي الشيعية المشبوهة، وترك الرواية الصحيحة للبخاري والكامل في التاريخ لابن الأثير ص (188/2)، أليست عدالة الباحث تقتضي الدقة في تقصي الحقيقة يا د. بشارة، فلِمَ تعمدت ترك الرواية الصحيحة.

وقال د. بشارة: “لم ترتكز المحاججة على حجج دينية على إسناد الأحقية بالنصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية مثلا، لكنها أخذت طابعا قبليا”، أليس قول عمر لأبي بكر “انطلق بنا إلى إخواننا” أي الأنصار، تعبيرًا عن روح الأخوة والمحبة والطمأنينة المبنية على قيمة الأخوة الإيمانية، الخالية من أي اضطراب، لا كما تلقفها د. بشارة من الرواية الشيعية، ولكن تبدو روح الأخوة في الرواية الصحيحة حيث تقول: “فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أَمَّرَ أبا بكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر، ثم أخذت بيده، وبدرني رجل من الأنصار هو بشير بن سعد من قادة الخزرج فضرب على يده قبل أن أضرب على يده، ثم ضربت على يده أي يد أبي بكر، البداية والنهاية لابن كثير(5/205)، وجاء من طريق محمد بن إسحاق، عن ابن عباس، عن عمر، أنه قال: قلت: يا معشر المسلمين، إن أولى الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار: أبو بكر السبَّاق المبين” البداية والنهاية لابن كثير(5/206)، أليست هذه أدلة نصية دينية صريحة تشير إليه بأحقية خلافة النبي صلى الله عليه وسلم، فقام بشير ابن سعد فقال: “إنّا والله وإن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين، وسابقة في الدين، ما أردنا به إلا رضى ربنا وطاعة نبينا، والكدح على أنفسنا، فما ينبغي أن نستطيل على الناس بذلك، ولا نبتغي به الدنيا، إلا أن محمدا صلى الله عليه وسلم، من قريش وقومه أولى به، وأيمُ والله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر فاتقوا الله ولا تخالفوهم” الكامل في التاريخ ص(2/191). إنها كلمات القائد الأنصاري الخزرجي التي نبعت من قلب صادق امتلأ بأنوار النبي صلى الله عليه وسلم. يا د. بشارة، لقد أخطأت في التقوُّل على بشير ابن سعد الصحابي فظلمته ودلست، فلم يقلها تخوفا من تولي سعد بن عبادة الخلافة كما تدعي، فاستنتاجاتك باطلة، إنهم الرجال المؤمنون ما عرفت العصبية لهم طريق.

هذه هي حقيقة المداولات والمناقشات التي دارت في السقيفة قد هيْمن عليها الخطاب الديني وروح الأخوة، وليس كما وصفها د. بشارة بأنها “بصيغ بلغة العصبية القبلية وليست بلغة دينية ” ص177، وقد تعمد بشارة ذكر روايات مُجتزأة وهامشية لتتناسب مع فكرته، كتركيزه على أقوال كقول الحباب بن المنذر “لنعيدها جذعة” ثم تراجع وبايع أبا بكر.

خلاصة القول: إن وفاته صلى الله عليه وسلم كانت صادمة، أحدثت فراغًا قياديًا معنويًا كبيرًا، وعلى إثرها نشأ تخوف عند الأنصار، والتخوف شيء والتعصب القبلي الطائفي شيء آخر، يا د. بشاة، إضافة إلى ما انتهى إليه حوار السقيفة، من اطمئنان الأنصار لأبي بكر، وهو صدِّيق الأمة، وثاني اثنين إذ هما في الغار، وأول من أمَّرهُ النبي صلى الله عليه وسلم إمامة الناس في مرضه، وهو السبّاق في كل شيء، وهو من قال بحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومَالِهِ أبو بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ ومَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ، إلَّا بَابُ أبِي بَكْرٍ” رواه البخاري(446) ومسلم(2382). فعن أي يتحدث بشارة، ومن يتقدم أبا بكر إذن؟!

ولم يطل الحوار، ورضي الانصار، وكان أول من بايعه هو البشير ابن سعد الأنصاري، ثم تلاه عمر فضرب على يد أبي بكير وبايعه الأنصار، وبايعه فيما بعد الحباب ابن المنذر إلا سعد ابن عبادة الذي تأول للأنصار الخلافة، وفي الغداة صعد أبو بكر رضي الله عنه المنبر وبايعه المسلمين، وهذه هي حقيقة اختيار أبي بكر خليفة التي تكشف زيف ادعاءات د. بشارة، في بيعة السقيفة.
عجباً لِ د. بشارة في كتابه الطائفية ص175 قال: “لقد أصدر باحث كتابًا أصبح رائجًا بين السياسيين والصحفيين المهتمين بالشرق الأوسط…يُصوِّر الكاتب الصراع الشيعي والسني محور التاريخ الإسلامي في الماضي والحاضر…ثم يقتبس د. بشارة من ذلك الكتاب المُبهم القوْل: “اختار أهل السنَّة أبا بكر صَدِيق النبي المقرّب وحماه كخليفة له”، فمن المعيب أن يقتبس باحث كَ د. بشارة نصاً من كتاب لا اسم له ولا لكاتبه، ليعزز فكرته في الطعن في اختيار أبا بكر من كتاب غير مُعرَّف، لا يقصد به إلا التحريف وحشو الأباطيل، فاين هي أمانة بشارة العلمية بهذا الاقتباس؟ وأين هي مصداقية الكتاب؟ أليس من النقائص أن يصدر د. بشارة كتابًا فيه التقَوْل والدسُّ والتدليس، والتحريف لأهم مراحل التاريخ الإسلامي! وتركه للروايات الصحيحة، واعتماده أقوال شيعية لا صحة لها، التي تبطل ادعاءات د. بشارة، وتُعبِّر عن نزعته العَلمانية. وعلى أبي بكر رضي الله عنه قد اجتمعت الأمة المسلمة. وبدراسة نقدية سنرد على كتابه الطائفية بإذن الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى