مقالاتومضات

المسجد الأقصى في العقلية الصهيونية ومسائل الفرص التاريخية (16)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

مقدمات تاريخية
(3)
علاقة الأردن بمدينة القدس والأماكن المقدسة كما ذكرت في مقالتي السابقة (2/10/2020)، ارتبطت مبكرا بالشريف حسين ونسله من بعده، الملوك، فيصل، وعبد الله، ومن ثم نسل الملك عبد الله الى يومنا هذا، فبعد انهيار الدولة العثمانية التي شارك في انهيارها الشريف حسين، وبعد تقسيمات سايكس بيكو وخضوع فلسطين للاحتلال البريطاني، وفي ظل اتفاقية فيصل فايتسمان -انظر لاحقا- آلت الوصاية على الاماكن المقدسة الإسلامية في القدس الى الشريف حسين- وليس الى المملكة الأردنية- وذلك بموجب قرار بريطاني ويقال بموجب بيعة من أهالي القدس وفلسطين للشريف حسين.
في عام 2013 قام رئيس السلطة الفلسطينية بتوقيع اتفاقية مع الملك عبد الله الثاني، بموجبها تستمر الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، ونص الاتفاق على أن الملك الأردني عبدالله بأنه “صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس”….. العلاقة بين هذه العائلة والقدس عموما والأماكن المقدسة الإسلامية تحديدا، علاقة طردية تتعلق بالمعنيين السياسي والوجودي للعائلة المالكة، خاصة بعد أن فقد الشريف حسين مسؤولية الأماكن المقدسة في مكة والمدينة المنورة (الحجاز ) بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد أن انقلب عليه البريطانيون، ولذلك منذ عام 1924 وإلى هذه اللحظات، تعتبر وصاية هذه العائلة على الأماكن المقدسة، هي من رموز وجودهم، وهو ما منحهم الاعتبارية الدينية “النسب الهاشمي”، وهو ما يمنحهم بالتالي نوعا من الخصوصية، ومن ثم فالمسجد الأقصى وعموم المقدسات في القدس، ليست مجرد مسؤولية بالنسبة للنسب الهاشمي في الأردن، وهذا على سبيل المثال لا الحصر أحد الأسباب غير المعلنة وفقا لقناعاتي التي كانت وراء حل المجلس الإسلامي الأعلى في مدينة القدس في أيار من عام 1951 ودفن الشريف حسين في رحاب المسجد الأقصى المبارك. إذ معلوم أن الاحتلال البريطاني بعد انشاء الأردن واستقلالها الإداري عام 1921 وبقائها تحت وصاية المندوب السامي- اقام الاحتلال المجلس الاسلامي الأعلى عام 1925 الذي أشرف على كافة الأوقاف والمقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، وعادت الأردن الى القدس بعد النكبة عام 1948 حيث عملت الأردن على تبني قرارات الانتداب البريطاني في مسائل الوصايا على الأماكن المقدسة والتعاطي معها بروح الامر القائم “الستاتوس كفوو”.
تابع قضايا القدس والاقصى الحاكم العسكري من طرف الحكومة الأردنية، ولكن الملك عبد الله لإدراكه أهمية الأماكن المقدسة عيّن في 15/1/1951 وزيرا خاصا للحفاظ على الأماكن المقدسة في مدينة القدس، هو الوزير راغب باشا النشاشيبي، واعتبره وفقا لبيان نص التوظيف الوصي الأعلى من طرف الملك على الأماكن المقدسة.

(4)
في عام 1919 وقّع الملك فيصل اتفاقية مع رئيس الحركة الصهيونية، حاييم فايتسمان، تعرف باسم اتفاقية فيصل فايتسمان. كان فيصل ملكا على الديار الحجازية، ومن بنود هذه الاتفاقية التي وقّعت في لندن تحت الحماية والوصاية البريطانية في البند الأول ما يلي: “يجب أن يسود جميع علاقات والتزامات الدولة العربية وفلسطين أقصى النوايا الحسنة والتفاهم المخلص وللوصول إلى هذه الغاية تؤسس ويحتفظ بوكالات عربية ويهودية معتمدة حسب الأصول في بلد كل منهما”، وفي البند الثاني: “تحدد بعد اتمام مشاورات مؤتمر السلام مباشرة الحدود النهائية بين الدول العربية وفلسطين من قبل لجنة يتفق على تعيينها من قبل الطرفين المتعاقدين”، وفي البند الثالث: “عند إنشاء دستور إدارة فلسطين تتخذ جميع الإجراءات التي من شأنها تقديم أوفى الضمانات لتنفيذ وعد الحكومة البريطانية المؤرخ في اليوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 1917” أي تنفيذ وعد بلفور الذي لا يعترف بالفلسطينيين ولا يعترف بأن فلسطين حق للفلسطينيين ويلتزم بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، ويرى بالفلسطينيين مجرد رعايا تراعى حقوقهم المدنية، وفي البند الرابع جاء ما يلي: “يجب أن تتخذ جميع الإجراءات لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مدى واسع والحث عليها وبأقصى ما يمكن من السرعة لاستقرار المهاجرين في الأرض عن طريق الاسكان الواسع والزراعة الكثيفة. ولدى اتخاذ مثل هذه الإجراءات يجب أن تحفظ حقوق الفلاحين والمزارعين المستأجرين العرب ويجب أن يساعدوا في سيرهم نحو التقدم الاقتصادي” وواضح من هذا البند أن الحركة الصهيونية ومن خلفها بريطانيا لا تعترف بحقوق ملكية للفلسطينيين على أرضهم، وترى أن المشكلة مع الفلسطينيين يمكن حلّها عبر نافذة الاقتصاد- تماما كما يعتقد نتنياهو- ومع ذلك فقد وقّع عليها الملك فيصل ابن الشريف حسين، أمّا البند الخامس، فقد شكّل الأرضية التاريخية التي اعتمدت الحركة الصهيونية على حقها في المقدسات بعدئذ لم يحدد البند ماهية ومكان المقدسات اليهودية، بل أكّد على حرية الدين وممارسة الطقوس الدينية دون أي حواجز قانونية أو إجرائية: “يجب أن لا يسن نظام أو قانون يمنع أو يتدخل بأي طريقة ما في ممارسة الحرية الدينية ويجب أن يسمح على الدوام أيضا بحرية ممارسة العقيدة الدينية والقيام بالعبادات دون تمييز أو تفصيل ويجب أن لا يطالب قط بشروط دينية لممارسة الحقوق المدنية أو السياسية”، أمّا البند السادس فقد منح المسلمين حق الرقابة على الأماكن المقدسة فقط، إذ نص البند على ما يلي: “إن الأماكن الإسلامية المقدسة يجب أن توضع تحت رقابة المسلمين” وبهذا تكون هذه البنود الفرصة التاريخية العملية الثالثة خلال ثلاثة سنوات، 1916 سايكس بيكو وثورة الشريف حسين، 1917 وعد بلفور وهذه الاتفاقية.
اللافت في هذه الاتفاقية أن الملك فيصل نَصبَّ نفسه ممثلا للمسلمين في العالم – أي مقابل الخليفة- مقابل فايتسمان ممثل الحركة الصهيونية التي زعمت آنذاك انها تمثل اليهود في العالم- طبعا تاريخيا هذا غير صحيح وليس بصحيح إلى يومنا هذا- وجعل الاتفاق بريطانيا صاحبة وعد بلفور والتي أنكرت حقوق العرب والفلسطينيين في بلفور بل ولم تعترف بهم كشعب، وافق فيصل على جعلهم محل تحكيم بين الطرفين في حالة نشوب نزاعات أو عدم تفاهمات وورد في البند التاسع بيان ذلك: “كل نزاع قد يثار بين الفريقين المتنازعين يجب أن يحال إلى الحكومة البريطانية للتحكيم” وهوما منح الاحتلال البريطاني مكانة “خاصة ” في فضّ النزاعات الدينية في المدينة المقدسة ومنحها فرصة تنفيذ وعد بلفور تحت سمع وبصر العرب عموما ودول الوصاية خصوصا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى