أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

ما وراء الكواليس.. نطاق هزيمة فرنسا في ليبيا

في ليبيا، تُكتب صفحة مهمة في الدبلوماسية الإقليمية والعالمية، دون الحكم المسبق بالطبع على ما سيحدث بعد ذلك، وردود الفعل التي ستأتي من الخاسرين في الوقت الحالي.
فإن الانتكاسات التي تعرض لها المشير (الجنرال الانقلابي) خليفة حفتر، تؤثر على جميع رعاة الثورة المضادة من العرب والغرب.
فضلا عن ذلك، فإن هذه النكسات تمثل تراجعا لا يرحم في الدبلوماسية الغربية بشكل عام.
هذا هو حال فرنسا في ظل رئاسة إيمانويل ماكرون، على وجه الخصوص، والذي أيد صراحة الجنرال الانقلابي، من خلال استقباله في باريس وكأنه بديل عن الحكومة الشرعية.
ولا شك أن هذا التراجع سيكون علامة فارقة في تاريخ القرن الحادي والعشرين، وصفحة سوداء للدبلوماسية الفرنسية.
وفي سياق إعادة تأكيد ما حدث في سوريا، فإن تركيا وروسيا تتفقان على المسألة الليبية لإيجاد أرضية مشتركة لخلافاتها، والنقطة المهمة أنها تضرب بيدق الدبلوماسيين الأوروبيين المستبعدين تماما.
في مواجهة هذا التطور، لا يمكن لفرنسا أن تفعل الكثير، لكن لا يزال لديها خياران؛ التأقلم مع هذا التطور واختيار جانبها (معسكرها) بوضوح، أو محاولة التصدي له بشكل أعمى. فرنسا اختارت الثانية، وهي تدفع الثمن.
إن “الهزيمة الليبية” لفرنسا، لا تعكس فقط التقدم الذي لا يقاوم في تاريخ إنهاء الاستعمار، بل إنها تعبر أيضًا عن فشل إستراتيجية لم تكن بأي حال من الأحوال الوحيدة الممكنة.
من خلال مشاركتها في إسقاط نظام معمر القذافي، لأسباب مشبعة برائحة أموال النفط أكثر من تلك المتعلقة بتعزيز الديمقراطية، ارتبطت باريس قبل بضع سنوات بالنصر الشعبي الذي أطاح بالديكتاتورية في ليبيا.
لهذا السبب، فإن صورة فرنسا لدى قطاعات واسعة من السكان، التي من المسلم أنها غير واضحة في المنطقة، كانت بعيدة كل البعد عن كونها سلبية.
ومع ذلك، اختار ماكرون، تبديد هذه الصورة، من خلال تبنيه فجأة أجندة الثورة المضادة (التي يقودها) الإماراتيون والسعوديون.
لا شيء أجبره على ذلك.. لا شيء، باستثناء جاذبية علاقة المحسوبية مع هذه الممالك الغنية بالنفط.
لا شيء، إذن، باستثناء الانجذاب المتجدد إلى أقصر الطرق، التي يثمنها ناخبوه، المتمثلة في “مكافحة الإسلام السياسي”.
هذه الطرق المختصرة خطيرة بشكل خاص، وليس فقط بالنسبة لليبيين.
فعندما تتصالح أبو ظبي مع أفكار اليمين الفرنسي المتطرف ممثلا في التجمع الوطني (بقيادة مارين لوبان)، الذي تموله كما تمول الجميع على غرار ماكرون، وتزرع الجهل وتلعب على مخاوف الأوروبيين، فإنها تخاطر بزراعة أسوأ التجاوزات المعادية للأجانب.
وهكذا اختارت فرنسا جانب حفتر، ليس فقط لاستعادة أسوأ نموذج للديكتاتورية، ولكن أيضا من أجل تحيزها الأيديولوجي، للقضاء على “الإسلام السياسي”.
من المؤسف جدا تبني خيار إعادة خلق الديكتاتورية – كمخرج من الأزمة – التي خلقتها الديكتاتورية في ليبيا في الأصل.
هل كان من الضروري أيضا، بالنسبة لماكرون، أن يتهم الآخرين بأخطاء يمارسها بشكل أكبر بكثير منهم؟ لماذا؟
في الوقت الذي يتهم فيه الرئيس الفرنسي تركيا بالتدخل العسكري، ينسى أن يذكر التمويل غير المحدود الذي تمنحه أبو ظبي لتجنيد وتسليح المليشيات الطائفية (ربما يقصد المليشيات القبلية و/أو السلفية المدخلية) التي تشكل الجسم الرئيسي لمليشيات حفتر؟
لماذا يغفل ذكر وجود مرتزقة سودانيين على الأرض الليبية تم تجنيدهم عن طريق وسيط إسرائيلي؟ أو المقاتلين التشاديين والسوريين الذين استوردهم المرتزقة الروس؟ لماذا يغفل عن ذكر الغارات المتكررة للقوات الجوية المصرية والإماراتية؟
وأخيراً وليس آخرا، لماذا يخفي التدخل المباشر لفرنسا نفسها، من خلال الوجود المُثبت للمديرية العامة للأمن الخارجي (المخابرات) والقوات الخاصة إلى جانب المشير الانقلابي؟
هناك أدلة كافية على استمرار عدم النزاهة الذي تبديه باريس تجاه تركيا على وجه الخصوص، سواء ما قبل ماكرون، ومناهضتها لدخول أنقرة لعضوية الاتحاد الأوروبي، أو نفاقها مع المحاولة الانقلابية في 2016، وأخيرا تتجدد حلقات سوء النية الذي تدفق من الطبقة الحاكمة الفرنسية بأكملها بعد حلقة عودة “آيا صوفيا” إلى القرن الخامس من مسارها الإسلامي.
وبالتالي فإن ما يجري على الأرض الليبية، هو امتداد لسوء النية الفرنسية.
ويطرح أخيرا سؤالا وهو: إلى أين تقود هذه الدبلوماسية الإقليمية لفرنسا؟ هل نتائجها ستكون أكثر فعالية حقا، كما يعتقد أولئك الذين ينفذونها؟ أم أنها ستؤدي إلى طريق مسدود، يزداد حرجا يوما بعد يوم؟.
(الأناضول)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى