أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

مغالطات المطران عطا الله حنا

ساهر غزاوي
بداية أؤكد أن الأتراك المسيحيين هم جزء من نسيج المجتمع التركي، ولهم كامل المواطنة التركية من حيث الحقوق والواجبات كما هم الاتراك المسلمون والأتراك اليهود، بالإضافة إلى أننا كمسلمين نؤمن بنبي الله عيسى ونؤمن بأن الله أنزل عليه الإنجيل ونعتقد أن أمه مريم من خير نساء الأرض، وعندما نقرأ القرآن الكريم نجد فيه سورة آل عمران وسورة مريم اللتين تتحدثان عن ميلاد مريم وابنها النبي عيسى، ويكفي أن نقرأ بخشوع قول القرآن في سورة آل عمران: (وإذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين 42) ولذلك لا مشكلة لدى تركيا مع المسيحية كرسالة سماوية، ولا مع المسيحيين كأهل كتاب، وردي الآن على المطران عطا الله حنا ليس على اعتبار أنه رجل دين مسيحي، بل لأنه استغل هذا المنصب ووقع في مغالطات كثيرة عندما نشر تعقيبه الصوتي على إعادة فتح مسجد آيا صوفيا:
المغالطة الأولى: يقول المطران عطا الله حنا خلال تعقيبه (عندما تم احتلال القسطنطينية) فهو يعتبر فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح إحتلال وليس فتحا، مما يكشف لنا كيف ينظر هذا المطران إلى التاريخ الإسلامي، فهو يعتبره (تاريخ إحتلال) وليس (تاريخ فتوحات)، وهذا يكشف أن هذا المطران يعتبر في داخله أن فتح الخليفة عمر بن الخطاب للقدس إحتلال وليس فتحا، وأن فتح الصحابي سعد بن أبي وقاص للمملكة الفارسية إحتلال وليس فتحا، وأن فتح الصحابي خالد بن الوليد لبلاد الشام إحتلال وليس فتحا، وأن فتح الصحابي عمرو بن العاص لمصر إحتلال وليس فتحا، وأن فتح التابعي موسى بن نصير للأندلس إحتلال وليس فتحا، وان فتح التابعي عقبة بن نافع لأفريقيا إحتلال وليس فتحا وهي سلسلة مغالطات كبيرة واعتداء على التاريخ الإسلامي، ونسي هذا المطران أن أول من حاول فتح القسطنطينية هو الصحابي أبو ايوب الانصاري المدفون في استنبول، ثم حاول فتح القسطنطينية التابعي مسلمة بن عبد الملك، ثم تواصلت المحاولات حتى فتحها السلطان محمد الفاتح، فهل كل هؤلاء في نظر هذا المطران بداية من أبي أيوب الانصاري ووصولا إلى السلطان محمد الفاتح قد حاولوا طوال الوقت إحتلال القسطنطينية، وأين نذهب بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش) وهو حديث حسن رواه الإمام أحد وهو يعتبر فتح القسطنطينية فتحا وهو الحق، وليس إحتلالا كما يدعي هذا المطران.

المغالطة الثانية: يقول المطران عطا الله حنا خلال تعقيبه: (إن آيا صوفيا كانت كنيسة وستبقى كنيسة)، وإنصافا للتاريخ أقول: نعم كانت أيا صوفيا كنيسة ثم لما فتح محمد
الفاتح القسطنطينية دفع أموالا طائلة للقيادة الدينية البيزنطية في القسطنطينية، واشترى كنيسة آيا صوفيا وحولها إلى مسجد، ومنذ ذلك الحين أصبحت مسجدا وأصبح يرفع فيها الآذان وتقام فيها الصلاة، وظلت على ذلك الحال 481 سنة!! وهي ليست الكنيسة الوحيدة التي تم شراؤها وتحويلها إلى مسجد، فهذا المسجد الأموي في دمشق كان في الأصل كنيسة، وبعد فتح بلاد الشام تم شراء تلك الكنيسة وتحويلها إلى مسجد، واليوم لو تفحص هذا المطران حال المساجد القائمة الآن في أوروبا لوجد أن الكثير منها كانت في أصلها كنائس، ثم قامت الجاليات المسلمة في اوروبا بشرائها قبل عشرات السنوات من المؤسسات الدينية في أوروبا ثم حولت تلك الكنائس إلى مساجد وأنا شخصيا صليت في الكثير من هذه المساجد التي كانت في أصلها كنائس، فهل يجوز لهذا المطران او لغيره أن يقول الآن: كان المسجد الاموي كنيسة وسيبقى كنيسة ؟ أو كان هذا المسجد في لندن أو كوبنهاجين او أوسلو كنيسة وسيبقى كنيسة؟ الجواب واضح لا يجوز، بل يعتبر مثل هذا القول اعتداء على المسجد وإن كان في أصله كنيسة!!
كذلك لا يجوز لهذا المطران أو لغيره أن يقول كانت آيا صوفيا كنيسة وستبقى كنيسة، ويعتبر هذا القول اعتداء على مسجد آيا صوفيا، وإن كان في الأصل كنيسة، ولذلك صدق الشيخ عكرمة صبري إمام المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا عندما اعتبر اعادة فتح مسجد آيا صوفيا للصلاة في هذا الشهر 7/2020 هو اعادة مسجد آيا صوفيا إلى أصله كمسجد للصلاة يرفع في مآذنه نداء الله اكبر، وهو إعادة القدسية والهيبة لهذا المسجد، ثم إنصافا للتاريخ نذكر هذا المطران أن مسجد آيا صوفيا منذ أن أصبح مسجدا ظل مسجدا على مدار 481 سنة حتى ابتليت تركيا بالخضوع لسيادة اوروبا على عهد مصطفى كمال أتاتورك الذي كان همه الاساس إرضاء أوروبا وإثبات عدم ارتباطه بالإسلام، ولا بالخلافة الإسلامية فقام بتاريخ 24نوفمبر/ تشرين الثاني 1934 بتحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف، وظل مسجد آيا صوفيا على هذا الحال حتى 7/2020، وخلال هذه المدة التي بلغت قرابة التسعين عاما لم نسمع لهذا المطران أي تعليق، على تحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف، ولكن لما تحررت اليوم تركيا من هيمنة السيادة الأوربية عليها، وتعبيرا عن استعادتها لكامل حريتها وسيادتها ورفضها لهيمنة اية سيادة عليها سواء كانت أوروبا أو غيرها قامت تركيا بإعادة مسجد آيا صوفيا إلى أصله، من متحف إلى مسجد يرفع فيه الآذان وتقام فيه الصلاة، لذلك فقد فرح كل الشعب التركي لهذه الخطوة بما فيهم الأتراك المسيحيون والأتراك العلمانيون الذين لا يصلون اصلا، لأنهم رأوا في هذه الخطوة إعلان استقلال كامل للسيادة التركية، وكامل الحرية التركية، وكامل القرار التركي، ولقد فهمت روسيا رمزية هذه الخطوة جيدا، لذلك كان تعقيبها الرسمي على هذه الخطوة أنها شأن داخلي تركي، ولكن هذا المطران الذي ظل صامتا على تحويل مسجد آيا صوفيا متحفا على مدار قرابة التسعين سنة، وبعد أن قررت تركيا إعادة مسجد آيا صوفيا إلى أصله كمسجد، تفطن الآن وفقط الآن أن هذا المسجد كان أصلا كنيسة متجاهلا لكل السردية التاريخية التي مرت على هذا المسجد، وكأن مسجد آيا صوفيا إذا ظل متحفا فهو أمر مقبول في نظر هذا المطران، وأما أن يعود إلى أصله كمسجد فهي مصيبة في نظر هذا المطران.

المغالطة الثالثة: ادّعى المطران عطا الله حنا خلال تعقيبه أن (العثمانيين عبر التاريخ ذبحوا المسيحيين، ودمروا الكنائس واضطهدوا الكثير من المسيحيين كاليونان والسريان والأرمن) وردا على هذه المغالطة التاريخية الواضحة اتحدى هذا المطران أن يعطيني اسم كنيسة واحدة أمرت الخلافة العثمانية بتدميرها، أو الاستيلاء عليها ظلما وعدوانا، ولو نظر هذا المطران حوله حيث يعيش في أرض فلسطين التاريخية لوجد الأمثلة الكثيرة التي تنسف مغالطته التاريخية، فمن الذي حافظ على حسن الجوار بين المسجد والكنيسة في القدس الشريف وبيت لحم واللد إلا الخلافة العثمانية؟ ثم ألا يعلم هذا المطران ان أصل المقر الديني المسيحي الواقع مقابل باب الاسباط (أحد أبواب المسجد الأقصى) كان مدرسة ذات يوم تدعى المدرسة الصلاحية، وكان صلاح الدين الأيوبي قد بناه كمركز رباط للمجاهدين المرابطين في القدس الشريف دفاعا عنها وتصديا للحملات الصليبية، ثم ذات يوم طلب من الخلافة العثمانية أن تتعطف على الحجاج المسيحيين وأن تمنحهم المدرسة الصلاحية كمقر ينامون فيه ويستريحون فيه، فسأل السلطان العثماني يومها بعض أعيان القدس الشريف: كم تبعد المدرسة الصلاحية عن المسجد الأقصى؟ فقيل له: تبعد مسافة طويلة، فوافق بعد أن سمع ذلك الجواب على منحها للحجاج المسيحيين!! في الوقت الذي لما جاء فيه هرتسل إلى السلطان عبد الحميد الثاني وطلب منه مجرد إذن لدخول اليهود إلى فلسطين عارضا عليه ملايين الليرات الذهبية إلا أن السلطان عبد الحميد الثاني طرده من المجلس بعد أن قال له جملته المشهورة: (إن فلسطين ليست ملك يميني، وأن يعمل المبضع في جسدي أهو علي من أن افرط في شبر منها)! ثم انصافا للتاريخ فإن حال الرعايا المسيحيين في ظل الخلافة العثمانية كان أحسن بكثير من حالهم في اوروبا في تلك الأيام، لدرجة أنهم كانوا يفرون من أوروبا إلى الدولة العثمانية خوفا على أرواحهم من محاكم التفتيش والإضطهاد الديني الذي كانت تمارسه بعض المذاهب الدينية الأوروبية ضد بعضها الآخر!! ثم إنصافا للتاريخ فقد ظهرت تنظيمات سرية دموية أوروبية على عهد الخلافة العثمانية، وحاولت أن تبث الذعر حتى بين الرعايا المسيحيين فتصدت لها الخلافة العثمانية بحزم حفاظا على الأمن الداخلي لكل رعايا الخلافة سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، ليس لأن تلك التنظيمات السرية مسيحية كما يدعي هذا المطران، بل لأنها عاثت فسادا في الأرض، بالضبط كما تصدت الخلافة العثمانية بحزم للصفويين الذين حاولوا طعن الخلافة الإسلامية من الخلف، بادعاء انهم حماة الشيعة، وكما تصدت الخلافة العثمانية بحزم لعصابات بدو الجزيرة التي كانت تغير على قوافل حجاج بيت الله الحرام وتنهبها، وكما تصدت للتنظيمات الماسونية والصهيونية التي تشابكت مصالحها مع مصالح التنظيمات السرية الدموية اليونانية والسريانية والارمنية وفي خزائن وثائق تركيا الآن الكثير الكثير مما يثبت ذلك.

المغالطة الرابعة: إدعى المطران عطا الله حنا خلال تعقيبه أن الرئيس أوردغان هو الذي أمر بإعادة مسجد آيا صوفيا إلى أصله كمسجد، وبناء عليه وصف هذا المطران الرئيس أردوغان بأوصاف قبيحة لا تليق بأي رجل دين في الدنيا، ولذلك لن أرد عليها لأنها لا تستحق الرد، ولكن إنصافا للحق أقول : ليس الرئيس أردوغان هو الذي أمر بإعادة مسجد آيا صوفيا إلى أصله كمسجد، بل إن المحكمة الإدارية العليا التركية هي التي حكمت بإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 نوفمبر تشرين الثاني1934 الذي حول في حينه مسجد آيا صوفيا إلى متحف، وبناء عليه فقد أعلن رئيس الشؤون الدينية في تركيا علي أرباش أن الصلوات الخمس ستقام يوميا في مسجد آيا صوفيا بشكل منتظم إعتبارا من الجمعة 24 يوليو تموز 2020. ولأن تركيا تحترم قرارات محاكمها ولأنها تسير على نهج إداري داخلي يحترم قرارات كل مسؤول فيها، ما كان من الرئيس أردوغان إلا أن يبارك قرار المحكمة الإدارية العليا التركية، وقرار رئيس الشؤون الدينية علي أرباش، وهكذا كان الاحتفال الرئاسي التركي بإعادة مسجد آيا صوفيا إلى أصله كمسجد.

المغالطة الخامسة: أخطا المطران عطا الله حنا خلال تعقيبه عندما ادعى أن إعادة مسجد أيا صوفيا على أصله كمسجد ليس انتصارا للمسلمين!! بل هو انتصار للمسلمين، وهو تجسيد لإعادة السيادة الإسلامية إليه كمقدمة لإعادة السيادة الإسلامية إلى المسجد الأقصى كما قال الرئيس أردوغان، وما اروع تعقيب الشيخ عكرمة صبري إمام المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا على إعادة مسجد آيا صوفيا إلى أصله كمسجد عندما قال: (ابتهجنا وهللنا في بيت المقدس لهذا القرار، نهنئ أنفسنا، ونهنئ تركيا بإعادة نداء الله أكبر الى هذا المسجد، وهو مسجد لكل المسلمين في أنحاء المعمورة، وسيبقى مسجدا حتى تقوم الساعة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى