أخبار رئيسيةأخبار عاجلةتقارير ومقابلات

حصار وعراقيل من الاحتلال تهدف لإعدام “صنع في فلسطين”

يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تدمير عوامل صمود الشعب الفلسطيني، فعبر سياسة الحصار والعراقيل يتحكم بـ “أوكسجين” الصناعات الفلسطينية بمختلف القطاعات في المناطق المحتلة، سعيا منه لإعدام “صنع في فلسطين”.

استهداف إسرائيلي

وفي أحد مناطق قطاع غزة المحاصر، يستيقظ الفلسطيني “أبو محمد” باكرا، ليبدأ عمله في مخرطة صغيرة (ورشة لصقل الحديد) داخل منزله، والتي نجت من تدمير طال عشرات المخارط خلال اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2003، موضحا أنه “نقلها لمكان آخر قبيل هذا الاجتياح، بعدما فطن والده لمخطط الاحتلال التدميري”.

وأوضح في حديث صحفي، أن ما أجبره على وضع المخرطة في منزله، عدم رغبة أصحاب العقارات في تأجير محلاتهم للمخارط، خوفا من الاستهداف الإسرائيلي بالصواريخ”، حيث تم استهداف العديد منها خلال العدوان المتكرر على قطاع غزة.

وعن المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع من الصناعة، ذكر صاحب المخرطة الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنه يعاني من “عدم توفر المواد الخام مثل: الحديد، النحاس، البلاستيك والألمونيوم، وعدم سماح الاحتلال بإدخال سكاكين المخارط وغيرها من الأدوات اللازمة في العمل”، منوها أن “الاحتلال يمنع نهائيا إدخال المخارط إلى القطاع، وهو ما يؤثر على إمكانية استمرار العمل وتطويره”.

ومن بين المشاكل التي تؤثر على عمل مختلف القطاعات الصناعية، استمرار انقطاع الكهرباء، في الوقت الذي تحتاج هذه المخارط كمثال، إلى مولدات كبيرة كي تتمكن من تشغيل الماكينات، و”هذا ما لا نستطيع تحمل تكلفة تشغيله المرتفعة”، بحسب صاحب المخرطة.

وعن إمكانية مواصلة العمل في ظل هذه المشاكل، نوه أنه يعتمد في توفير المواد الخام على ما يمكن أن يوفره له بعض تجار الخردة من معادن قديمة، لافتا أن “أصحاب المخارط المدمرة لم يتلقوا التعويض المالي الخاص بهم، لأن الاحتلال يحذر المانحين من تعويض هذا القطاع من الصناعة”.

من جانبه، أوضح النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، ورئيس اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة، جمال الخضري، أن “الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة يستهدف الاقتصاد، الذي هو عماد تقدم ورقي الدول والشعوب، وبالتالي فإن إضعاف الاقتصاد ضرب لعجلة التقدم والصمود، والحصار هنا هو تحكم الاحتلال بنسبة 100 بالمئة فيما يدخل ويخرج من قطاع غزة”.

الحصار والصناعة

وأكد في حديث صحفي، أن “الحصار يركز بشكل أساسي على ضرب الصناعة الفلسطينية، ومعظم المواد الخام لا يسمح الاحتلال بدخولها إلى القطاع، إضافة لمنع مستلزمات الصناعات المختلفة، كما أن الاحتلال يضع قيودا كبيرة على التصدير من القطاع، مما يعيق عملية التصدير”.

ولفت النائب الخضري المقيم في غزة، إلى أن “غزة كانت تصدر قبل الحصار 200 شاحنة محملة بالبضائع إلى الضفة، والعديد من الدول العربية والأوربية إضافة إلى إسرائيل، أما اليوم ما يتم تصديره لا يتجاوز 20 شاحنة”، مؤكدا أن “هذا الوضع أثر على المصانع، العمال، رجال الأعمال وكافة الشركات ذات العلاقة”.

ويفرض الاحتلال حصارا على قطاع غزة منذ فوز حركة “حماس” بانتخابات 2006، وتم تشديده بعد سيطرة الحركة على القطاع في حزيران/يونيو 2007.

ونبه الخضري أن “نحو 80 في المئة من المصانع في القطاع شبه مغلقة؛ جزء أغلق والباقي على وشك الإغلاق، أما 20 في المية المتبقية، فهي تعمل بطاقة إنتاجية بنحو 50 في المئة فقط”، منوها أن “الأغلبية العظمى من المصانع المدمرة بسبب الحروب الإسرائيلية على القطاع، لم تتلق الداعم اللازم لإعادة تشغيلها، وبعضهم أعاد تشغليها على حسابه الشخصي”.

وبين رئيس اللجنة الشعبية لرفع الحصار، أن “الأمور في القطاع، كل يوم تسير إلى الأسوأ، ونحو 85 بالمئة من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر، وأحيانا قد تجد السلعة لكنك لا تجد من يشتريها، ومعدل دخل الفرد في القطاع 2 دولار في اليوم”، مشددا على أن “رفع الحصار هو البوابة الحقيقية لأي تقدم أو نمو في غزة”.

وتشير إحصائية لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، أن جيش الاحتلال دمر خلال عدوان 2014، نحو 5 آلاف منشأة اقتصادية وصناعية في مجالات مختلفة، منها 550 تعرضت لتدمير كامل، إضافة للأضرار الهائلة التي أصابت البنية التحتية.

بدوره، أوضح رئيس اتحاد الصناعات المعدنية والهندسية بالضفة الغربية المحتلة، روبين الجولاني، أن “أي تطور وتمدد للصناعات المختلفة يعتمد على وجود المناطق الصناعية والخدمات اللوجستية في فلسطين، حيث يتحكم الاحتلال في هذا الجانب، في حين حددت الاتفاقيات مع الاحتلال صلاحيات السلطة الفلسطينية”.

ولفت في حديث صحفي، أن “هناك شحا كبيرا في مساحات الأراضي في المناطق (أ وب) التي تقع تحت إدارة السلطة في الضفة الغربية، وارتفاع باهظ لثمنها، أما المناطق (ج) فهي تقع تحت إدارة الاحتلال، في حين، الاعتماد على إيجاد مكان العمل سواء في الضفة أو غزة من أجل التطوير والتوسع، هو اعتماد ذاتي”.

إعدام الصناعة الفلسطينية

ونوه الجولاني، أن الأسباب سالفة الذكر التي تسبب بها الاحتلال بشكل مباشر، عملت على “خنق أي تطور للصناعات الفلسطينية”، موضحا أن “تعامل الاحتلال عبر البعد أو الهاجس الأمني مع الفلسطينيين مرتفع جدا، وهذا انعكس على عدم سماح الاحتلال بدخول الكثير من المعدات والآلات الضرورية”.

وعلى سبيل المثال، في “الصناعات المعدنية، الاحتلال لا يسمح بإدخال الآلات المحوسبة الحديثة، وعليه أصبح تطور أي صناعة فلسطينية: كيمائية، معدنية، زراعية..، محكوم عليه بالبطء الشديد من قبل الاحتلال أو حتى بالإعدام، وبالتالي أصبح من الصعوبة علينا اللحاق بركب التقدم الصناعي في العالم”، بحسب رئيس اتحاد الصناعات المعدنية.

وأكد أن “الأشياء المسموح دخولها من قبل الاحتلال، تحتاج إلى سلسلة من الإجراءات الطويلة جدا”، لافتا أن الهاجس الأمني الإسرائيلي “يصل أحيانا لبعض المراسلات أو الوثائق الواردة من الخارج، والتي قد تعيدها سلطات الاحتلال إلى مصدرها دون أن تبدي الأسباب”.

ونبه أن “معاناة الصناعة الفلسطينية صعبة للغاية”، موضحا أن “استيراد المواد الخام الأولية التي تدخل في العديد من الصناعات، وخاصة ثنائية الاستخدام، تحتاج إلى تصريح خاص، وقد يصطدم أصحاب بعض المصانع التي سبق وجودها وجود الاحتلال، بقرار السلطات الإسرائيلية إعادة فحص المواد التي سبق فحصها بعد وصولها إلى الميناء”.

وقال الجولاني: “نحن نعاني بشكل كبير، ولا نستطيع أخذ نفس عميق كي نشعر بالراحة”، مؤكدا أن “الاحتلال يسعى بشكل دائم، أن تكون الصناعات الفلسطينية بحاجة إليه، بحيث يتحكم بكل صغيرة وكبيرة”.

وأفاد أن “إغلاق أي مصنع في فلسطين لا يحتاج سوى قرار إسرائيلي، وهنا يتضح كيف يتحكم الاحتلال بأوكسجين الصناعة في فلسطين”، مضيفا: “المعاناة التي تعصف بالصناعات الفلسطينية منذ قدوم السلطة لا يمكن تصورها، ولا أحد في العالم يعاني مثلنا”.

وذكر أن “طلب استيراد مخرطة إلى الضفة من الخارج، يحتاج من 6 إلى 12 شهرا من أجل الرد عليه من قبل الاحتلال، وفي النهاية يمكن أن يرد عليه بالرفض حتى لو وصلت الماكينة إلى الميناء، بالتالي يصبح مالك هذه الماكينة أمام خيارين، إما أن يرجعها للمصدر أو يبعها للإسرائيليين”.

وعن مستقبل الصناعات الفلسطينية في ظل سعي الإسرائيلي لإعدامها، قال: “أصبح لدينا نوع من المناعة في التعامل مع الوضع القائم، ونحن نقاوم من أجل الاستمرارية، وعلينا التعامل مع هذه المعاناة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا”.

ورغم المعاناة والحرب، إلا أن رئيس اتحاد الصناعات المعدنية والهندسية، شدد على أن “الاحتلال لن يستطيع إنهاء الصناعة الفلسطينية، لأن لدينا العزيمة والمثابرة على مواصلة العمل، ونحاول الاعتماد على أنفسنا في تجاوز العديد من العقبات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى