أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

أدلجــة كوفيد 19..

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
كوفيد 19 (الوباء الأحمر، كورونا) يتفشى في العالم كالنار في الهشيم وحتى كتابة هذه السطور اقتحم هذا الوباء 199 دولة وقتل حتى كتابة هذه السطور 21 ألف شخص، وبلغ عدد المصابين 453 ألف شخص، وشفي منه أكثر من 116 ألف إنسان، وفي الوقت ذاته أرغم مليار ونصف المليار من سكان الكرة الأرضية دخول الحجز الصحي او منع التجول الداخلي، وأغلقت مئات الدول حدودها البرية والجوية تمشيا مع سياسات السلامة التي تتخذها لتجاوز هذا الوباء.
مــقارنات..
عمليا لو قمنا بمقارنة هذا الوباء مع غيره من الأوبئة التي غزت البشرية في سنين خلت، فنحن في وضع حسن فالطاعون الأسود مثلا، كما يشير المؤرخون ضربّ أوروبا وأفريقيا وآسيا بين سنوات 1348-1352م (795- 799هـ) وقتل من القارة الأوروبية نصف سكانها وأفنى سكان حلب ودمشق والقدس وساحل الشام، ووفقا لأقوال بعض المؤرخين، فقد حصد هذا الوباء من حلب وقراها وحدها آنذاك 150 الف شخص من سكانها، ووصف ابن الوردي المصري الذي ألف رسالة خاصة بالوباء ومنه مات، بأن القاهرة كانت تودع كل يوم عشرين ألفا من قتلاه، وقتل هذا الوباء نصف سكان العالم آنذاك، والذين كان عددهم وفقا للمؤرخين قرابة الـ 400 مليون نسمة، ومع ذلك تجاوزته البشرية وإن أسس لحضارة جديدة. هذا الوباء أضعف الممالك الأوروبية والاقطاعيين ووفر الأرض لصغار الكسبة والفلاحين وأضعف دولة المماليك التي وصل نفوذها السواحل الهندية وهيأ الأرضية لبروز الدولة العثمانية في منطقتنا ولعصر النهضة في اوروبا.

كوفيد 19، الجيل السادس
الوضع مع هذا الوباء مختلف كليا، فهذا الوباء وإن كان الجيل السادس من فيروسات كورونا، إلا أن نسبة الموت منه قليلة مقارنة بما ذكرت سابقا -حتى هذه اللحظات- وذلك بسبب تطور أدوات المواجهة الطبية والبيئية والتقنية، بيدَّ أن فارقا أساسيا بين هذا الوباء والذي سبقه في العقود الخالية فأجياله التي سبقت كانت محصورة جغرافيا ولم تتوسع كثيرا على خلاف هذا الجيل الذي انتشر في العالم ولا يزال، والتخوف من موجته الثانية ستكون أشد وهو ما دفع المئات من باحثي المستقبليات لرسم سيناريوهات مختلفة بعضها شديد القتامة، مستحضرين التاريخ وما فعلته الأوبئة وذلك بعد ان وصل عدد كبير من هؤلاء العلماء إلى ان مقولة إنَّ الانسان وصل حد القدرة المطلقة وأضحى متألها على الأرض (الهوموديوس/ الانسان الاله) وقد اقترب من لحظة الخلود، كذبة كبرى، سقطت أمام فيروس لا يُرى في العين المجردة، وهدم اقتصاديات دول كبرى وغير وسيغير الكثير من العادات والقيم والمعاملات والاقتصاديات، بل لا ابالغ إذا قلت إن هذا الوباء وضع حجر الزاوية لانتهاء سيطرة الرجل الأبيض التي دامت خمسمائة عام.
أدلجة الوباء..
إنَّ أكثر ما يقلق في التعاطي مع هذا الوباء أدلجته سواء من خلال عقلية المؤامرة وتصدير التُهَم أو عقلية الانكفاء أو حصر معالجته بوسائل التديين أو علمنته لمناكفة الدين والمتدينين.
واضح أن سباقا شديدا يتم بين عشرات الدول للكشف عن علاج لهذا الوباء لتحقيق مصالح استراتيجية مستقبلية، وفي هذه الحيثية بالذات تتعمق عملية السباق تحت غِطاء الأدلجة لاستغلال علاجه مستقبلا لتعميق الولاءات للحزب او الدولة أو لبناء علاقات جدية تواصلية بين المواطنين والدولة لا تتجاوز معاني المواطنة الى معاني الولاء، بحجة ان هذه الدولة أو الحزب سبب في بقائهم على قيد الحياة وهذه العقلية الأيديولوجية تنساح الى الدول التي ستستجدي هذا الدواء وفي مقدمتها البلدان العربية أو/ والعالم الثالث.
الأدلجة في سياق إسرائيلي..
في الحالة الإسرائيلية ثمة بعد آخر غير الذي ذكرت آنفا، إذ ثمة بعد أيديولوجي تتعاطاه المؤسسة الإسرائيلية مع هذه الجائحة تتعلق بوجودنا نحن الفلسطينيون، ويتجلى ذلك في التعامل معنا أبناء الداخل الفلسطيني وساكنة القدس والضفة الغربية والقطاع. ففي حالتنا العربية الفلسطينية فإنَّنا الفئة الأكثر ضعفا فلا الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس والقطاع توجد لهم دولة تهتم بشأنهم وتعمل على وقايتهم بالقدر الكافي، بل تكشف الاحداث يوميا مدى ارتباط السلطة والقطاع بالاحتلال الإسرائيلي الذي يتخوف من انتشار الفيروس في تلكم المناطق، ولذلك فرض إجراءات وسياسات بائسة، وفي حالتنا نحن في الداخل الفلسطيني، فكما يبدو تحقق هذه الأيام اننا درجة ثانية في سلم أولويات إسرائيل، ومن يستمع إلى خطابات رئيس الوزراء يجد ذلك بوضوح، فخطابه من ألفه الى يائه موجها الى الإسرائيليين، ومن استمع يوم الأربعاء- ليلة الخميس- الى خطاب رئيس الوزراء ورئيس الدولة فإن حديثهما موجه الى المواطنين اليهود، اللهم الا من إيماءة من رئيس الوزراء ألمح فيها إلينا بأن وصفنا بأصحاب الكوفيات- وفيها ما فيها من منظور كولونيالي استعماري صهيونيي- يوم تحدث عن ان الفيروس لا يفرق بين من على رأسه الكيباة أو الكوفية، ولا يخرجن عن هذه القاعدة مؤسسة لها علاقة بالسلطة او تدور في فلكها كوسائل الاعلام والميديا ونجمة داود الحمراء والعيادات الطبية.
في حالتنا في الداخل الفلسطيني في ظل ضعف الأجهزة الصحية عموما وعدم وجود إمكانيات طبية ذات كفاءة تستطيع التعامل مع هذا الوباء حين وقوعه، فإننا نشكل الجهة الأضعف من كل الموجودين على أرض فلسطين التاريخية، فإسرائيل تعمل ليل نهار لمواجهة هذا الوباء لحظة انفجاره والتي يتوقعها الجميع في الاسابيع القادمة وهو ما يجعل التعامل مع الفيروس تعملا أيديولوجيا علما أن قرابة 40% من القوى الطبية والتمريض التي تقف في خط المواجهة مع الفيروس هم من الفلسطينيين من أبناء الداخل الفلسطيني والقدس والضفة الغربية.
إن عدم اهتمام المؤسسة الإسرائيلية بوضع الاسرى الفلسطينيين خاصة أصحاب الأمراض المزمنة كما وصف ذلك بيان صادر عن لجنة الاسرى في السجون الإسرائيلية، يكشف البُعد الأيديولوجي الذي يأخذ شرعيته الراهنة من قانون القومية وقوانين أخرى ذات صلة بالإرهاب، ومواجهة الفلسطينيين، وهذه الأيديولوجيا وليدة تكلس فلسفي فكري صهيوني مؤسس على الموروث الديني وهو على سبيل المثال لا الحصر ما نراه متجلِّ في التعامل مع القائمة المشتركة، القوة الثالثة في الكنيست، وهو ما يلزمنا التفكير خارج الصندوق والعمل الفوري لاستدراك الامر قبل أن يُقال أُكلت يوم أكل الثور الأبيض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى