أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

صفقة القرن.. العرب في عين العاصفة

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
على الرغم من أهمية خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام وزراء الخارجية العرب وكشفه عددا من الحقائق “الهامة” التي كشف عنها في سياق خطابه الذي قارب الساعتين، إلا أن زخم الأنباء التي سربتها المؤسسة الإسرائيلية مباشرة بعد الخطاب ونتائجه حيث أجمع وزراء الخارجية – ولو إعلاميا- رفضهم المطلق لصفقة القرن وهو ما أحرج ولو إعلاميا البيت الأبيض ومكتب رئيس الحكومة نتنياهو، الذي يطمع باستغلال هذه الصفقة كرافعة انتخابية تدفع به مجددا الى تشكيل حكومة ورئاسة رابعة.
أضحت مسألة العلاقات بين إسرائيل والدول العربية مسألة معلومة لكل باحث ومراقب، وصار التأكيد على أنَّ البعد الاستخباراتي يشكل حجر الزاوية في هذه العلاقة، وقد ذاق الإسلاميون على جلودهم معنى هذه العلاقة وهذا التعاون والذي أثمر تعميقا لهذا التعاون وصل حدَّ الإطاحة بحكومات وشخصيات ومؤسسات في عالمنا العربي.
ولذلك فإنَّ صفقة القرن لم تكن بمعزل قط عن دوائر الأمن العربية وفي أحايين بعضا من الأنظمة السياسية العربية ومفاتيحها.
يقوم هذه الأيام الاعلام الإسرائيلي بمختلف قنواته بوظيفته المتناسقة دوما مع القرارات الاستراتيجية والمصيرية للمؤسسة الإسرائيلية، ولأن صفقة القرن فرصة استراتيجية كان لا بدَّ من الذود عنها وممارسة دور العراب الساعي لتبييضها، ومن ثم لتبييض وجه نتنياهو وإبرازه على أنه قائد يسعى ولا يألو جهدا لتمكين دولته سياسيا وأمنيا واقتصاديا، ويتجلى هذا التبييض بما تقوم به على سبيل المثال لا الحصر القناة 13 من عرض يومي لسياسات حكومة إسرائيل في عهد نتنياهو بفتحه قنوات تواصل مع دول عربية وإسلامية، دفعت الى حد صراع بين الموساد ومكتب رئيس الوزراء، مجلس الامن القومي، حول من يقود ويقف خلف هذه القنوات ويطور هذه العلاقات، وواضح أن الجسمين في نهاية المطاف يخدمان الدولة لا الافراد، فإذا كان الموساد خلف العلاقات البناءة بين إسرائيل والامارات والسعودية وعُمان وتعميق العلاقات مع السودان، فإن مجلس الامن القومي يتولى بناء علاقات مع المغرب. وكان مكتب رئيس الوزراء قد كشف الاثنين الماضي، عن لقاء تمَّ بين نتنياهو والجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في السودان، وفاجأ الخبر – كما يبدو- الحكومة السودانية وقد سارع مسؤول عسكري سوداني للزعم أنَّ الامارات هي من نسقت اللقاء بين الرجلين في أوغندا، فيما قالت يديعوت احرونوت أنَّ اللقاء من تدبير الإمارات وجاء بدعوى مساعدة الحكومة السودانية لإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية، بل وصرح البرهان ليلة الأربعاء رسميا أنه التقى مع نتنياهو من منطلق مسؤوليته في حفظ وصيانة الأمن القومي والوطني وتحقيق مصالح الشعب السوداني، وهذه التصريحات بحد ذاتها تحمل من خطورة المعاني وتغيير المفاهيم ما يحتاج الى أبحاث مستقلة حول سيسيولوجيا السياسة في عالمنا العربي وجدل العلاقة الإقليمية والدولية.
كاتب هذه السطور يشكك كثيرا بالمعلومات المسربة من أكثر من مصدر عربي واجنبي، من أن اللقاء جاء لإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، فمعلوم أنّ هذه العملية بدأت في عهد البشير إبان حكم أوباما وتواصلت أيام طرامب، ولم تتوقف، مما يعني أن الامر لا علاقة له بهذه الحيثية مباشرة، بل أذهب الى أن له علاقة مباشرة في عملية تجفيف المنابع التي تمارسها إسرائيل ضد حركة المقاومة الإسلامية في القطاع، حيث تلقت سابقا سلاحا إيرانيا عبر السودان وكانت إسرائيل نفسها قد أعلنت أكثر من مرة عن قصفها قوافل عسكرية في العمق السوداني، مما يعني أنها- أي إسرائيل- تتمتع بعلاقات أمنية وطيدة نجح الموساد بتحقيقها وتعزيزها في المنطقة عموما وبفضل الضغط الأمريكي، ولا أبعد النجعة اذا قلت إن عناوين سودانية كانت متورطة ابتداء بهذه التسريبات، وها هي تأخذ مواقعها في صناعة القرار السياسي بعدئذ تمّ الاجهاز على الحركة الإسلامية السودانية وقواها المختلفة ومن كان له علاقة بسياسة الحُكم، وها هو رئيس حزب الامة للإصلاح والتجديد يُصرح أن هذا اللقاء جريء وشجاع، وأن التطبيع مع إسرائيل تقرره مصالح السودان بل ويتهم الفلسطينيين أنهم السبب وراء تمزق السودان بسبب موقف السودان من القضية الفلسطينية، مما أدى الى استكلاب اللوبي اليهودي ومنظمات مسيحية دولية وهذا هو تحليل العار الذي بات يتصدر المشهد العربي عموما، ولذلك فالدول العربية اليوم لا ترى بالقضية الفلسطينية قضية أساس وجوهرية- كما هو حال شعوبها- وهو ما تستغله إسرائيل بشكل جيد وملفت للنظر، يؤكد أنهم يسيرون وفقا لمخطط يخدم دولتهم لا افرادا بعينهم.
إعلان مكتب نتنياهو الاثنين الماضي عن هذا اللقاء جاء لتحقيق مجموعة أهداف ذات صلة بالأمن القومي الإسرائيلي، وبسياق هذه المصالح تأتي مصلحته الشخصية المتعلقة بإعادة انتخابه، وإظهار انه حريص على خدمة دولته، بل الأهم في رأيي مساعيه الجادة للحفاظ على مكتسبات صفقة القرن باعتبارها إنجازا استراتيجيا إن ضاع فلن يتكرر ثانية، ولذلك تصر واشنطن على طرحه على مجلس الامن لتتحصلَّ على تدويله حتى لو رُفضْ. نتنياهو ويكأنه يقول لمواطني دولته وللفلسطينيين وللعرب، إن قرار وزراء الخارجية العرب يوم السبت الفائت، مجرد ضريبة كلامية يدفعها العرب للفلسطينيين، والحقيقة أن الحكومات العربية كلها سواء بتصريح أو تلميح أو سكوت مع الصفقة والخلاص من القضية وشعبها.
المسؤولية الفلسطينية
عناصر صفقة القرن في جوهرها هي استجابة إسرائيلية لكافة القضايا التي وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على ترحيلها لما سميَّ بالحل النهائي، وهذه القضايا الجوهرية الأساسية التي تمس عَصَبَ القضية الفلسطينية والمشروع الفلسطيني والوجود الفلسطيني: اللاجئون، القدس وفي القلب منها المسجد الأقصى والحدود.. فماذا فَعلت القيادة الفلسطينية في هذه القضايا الجوهرية الثلاثة التي هي أُسُّ القضية، باختصار لا شيء، ففي حين غَيَرت إسرائيل الوجود الجغرافي الفلسطيني عبر تكثيف هائل للمستوطنات ليصل عددها من بضعة عشرات من الالاف عام 1993(116 الف) الى أكثر من 600 الف مستوطن اليوم- ثمة إحصائيات تتحدث عن 730 الف مستوطن- وبدلا من أن ترسخ وجودها في القدس والمسجد الأقصى تركته نهبا للإسرائيليين، بل وشاركت أجهزته الأمنية في تقليم أظافر العديد من النشاطات داخل المسجد الأقصى وعموم القدس وفق إيقاع مقبول على الطرفين، ولطالما سمعنا من قيادات فلسطينية وازنة أن لا علاقة لهم بالقدس والمسجد الأقصى، ذلك أن همَّ الوافدين من تونس وأصقاع عربية كان ولا يزال وسيبقى كيفية الحفاظ على مكانتهم ومكتسباتهم وبالطبع على وجودهم، وهذا أحدُّ اسرار الإصرار في الحفاظ على التنسيق الأمني لأنه يفيد هذه المجموعة “الدايتونية” وجوديا ويتكسبون ويترزقون من ورائه.
في عالم السياسة والربح والخسارة وفي عالم جدل العلاقة بين السياسة والأخلاق، فالأصلُّ أن يُقدم عرَّابو أوسلو الى محاكمة فلسطينية، فهم أول من يتحمل مسؤولية ما آلت إليه القضية الفلسطينية بعد أن وضعت منظمة التحرير نصب عينيها البقاء ودوام السيطرة بغض النظر عن مستقبل شعب مشرد وواقع تحت الاحتلال، وهم ولو ظاهرا أول من جَرَّأ العرب على فتح علاقات مع إسرائيل ولو لم تتم أوسلو لما كانت اتفاقية العربة ولما كان مشروع السلام العربي الذي طرحه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. وعباس يعتبر أن اتفاقية أوسلو إنجازا فلسطينيا كبيرا ويؤمن أن دولته التي ستقوم- إن قامت- منزوعة السلاح بالمطلق، الا ما كان لتأديب الشعب الفلسطيني وضمان بقائه ومن معه على سدة الُحكم- وأقول إننا أمام دعوة للباحثين لفحص أوسلو ومآلته على ضوء مخرجه النهائي ممثلا بصفقة القرن وكيفية الخروج من هذا المأزق والفخ الذي وقع فيه شعبنا ومختلف قواه السياسية وغير السياسية.
العرب أمام امتحان صعب
العرب بعد إذ كشفت وسائل اعلام إسرائيلية في هذا الأسبوع عن عمق العلاقات بين إسرائيل وعديد الدول العربية والإسلامية، هم في عين العاصفة فعمق العلاقات لا يقف عند دول الخليج والسعودية ومن وقعت معهم اتفاقيات سلام، بل يتعدى ذلك الى كافة دول المنطقة وحتى العدو اللدود لإسرائيل كما يصوره نتنياهو إيران، فقد عرضت عُمان على الإسرائيليين فتح قنوات سرية بينهما كما كشفت ذلك القناة 13، وهو ما يعني أن عمليات من التواصل السري والعلني وعلى مختلف الأصعدة يتم بين إسرائيل وهذه الدول، ومن ثَم فالسؤال المطروح ليس وجود العلاقات، بل الى أين وصلت هذه العلاقات وما تأثيراتها على القضية الفلسطينية برمتها وما دور هذه الدول في صفقة القرن ولو من باب انها عَلِمَتْ به ولم تنبت ببنت شفه، كما حصل مع مصر والأردن ودول الخليج والمغرب- أذكر أسماء هذه الدول لأنَّ الاعلام الأمريكي والإسرائيلي أشار الى معرفتهم بمحايثات هذه الصفقة- ولا أستثني دولة عربية قط إذ لكل واحدة منها مصالحها التي تغلبها على القضية الفلسطينية. طبعا هنا لا أبرئ الجانب الفلسطيني الذي يبدو أنه ما يزال مصرا على استمرار التنسيق الأمني على خلاف ما صرح به عباس يوم السبت في خطابه المذكور- ولن يكون هناك تنفيذ للقرارات الصادرة عن المجلس المركزي وغيره من الاجسام المسؤولة فلسطينيا، وإذا ما استمر التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي، فهذا يعني ان القيادة الفلسطينية في رام الله ليس انها تكذب على الشعب الفلسطيني فحسب، بل وتتآمر عليه وشريكة في تدميره وجودا وهويةّ، وأنها شريكة في صفقة القرن الرامية الى جعلنا كفلسطينيين درجة “ب” أو حتى دون ذلك في سلم العلاقات البينية والسياسية.
العرب في عين عاصفة صفقة القرن لعدة أسباب، منها ما له علاقة بالسياسة المجردة ومنه ما له علاقة بالأخلاق وجدل علاقاتها مع السياسة، ومنها ما له علاقة بالدين والابعاد الدينية الثاوية في صفقة القرن، ومنها ما له علاقة بالعلاقات الشخصية التي لعبت دورا كبيرا في تسيير عجلة هذه الصفقة وفرضها بكل ما فيها من سيئات وخطايا على الشعب الفلسطيني.
وأخيرا لأن قسم من العرب متورط مباشرة بهذه الصفقة كحال البحرين وعُمان والامارات والسعودية وقسم متورط بشكل مباشر غير مُعلن لكنهم مطلعون عليها كحال مصر وقطر والكويت وهذه الدول كلها في امتحانات أخلاقية أمام شعوبها وشعوب المنطقة خاصة في ظل التعليقات الرسمية الصادرة عن هذه الدول على هذه الصفقة.
إذا كان كوشنير وفريدمان وغرينبلات وثلاثتهم يهود من التيار اليميني قد تجندوا لخدمة إسرائيل وقدموا هذه الصفقة التي احتوت على أكبر قدر ممكن من الفوائد لإسرائيل وأكبر قدر ممكن من السلبيات للفلسطينيين، ورأينا كيف شكر نتنياهو فريق العمل واعتبر أن ما قدمه كوشنير من باب الوفاء لأبناء شعبه، فأين هي أواصر القومية والعروبة واللغة وأخيرا الدين التي تربط حكام العرب مع الشعب الفلسطيني، ولا أود الحديث عن المصالح المادية والاستراتيجية والاقتصادية التي تربط العرب بالفلسطينيين، وإذا كانت إسرائيل تريد الضفة الغربية التي هي يهودا والسامرة في الرؤية الدينية ويصرون على أنهم عادوا الى أرض الآباء والاجداد وواجبهم تحريرها وتعميرها من منطلق أن الله منحهم إياها وأنهم يسعون لتحرير جبل الهيكل، أفلا يحق للعرب وهم خاتمة الشعوب ومنهم خاتم النبيين أن يتعاطوا مع مثل هذه القضية كما يتعاطى معها الإسرائيليون؟!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى